﴿واللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ والنَّهارَ﴾ يَعْنِي يُقَدِّرُ ساعَتَهُما، فاحْتَمَلَ ذَلِكَ وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: تَقْدِيرُهُما لِأعْمالِ عِبادِهِ.
الثّانِي: لِقَضائِهِ في خَلْقِهِ.
﴿عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوهُ﴾ فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: لَنْ تُطِيقُوا قِيامَ اللَّيْلِ، قالَهُ الحَسَنُ.
الثّانِي: يُرِيدُ تَقْدِيرَ نِصْفِ اللَّيْلِ وثُلُثِهِ ورُبُعِهِ، قالَهُ الضَّحّاكُ.
﴿فَتابَ عَلَيْكُمْ﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: فَتابَ عَلَيْكم مِن تَقْصِيرِكم فِيما مَضى، فاقْرَؤُوا في المُسْتَقْبَلِ ما تَيَسَّرَ.
الثّانِي: فَخَفَّفَ عَنْكم.
﴿فاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ﴾ فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: فَصَلُّوا ما تَيَسَّرَ مِنَ الصَّلاةِ، فَعَبَّرَ عَنِ الصَّلاةِ بِالقُرْآنِ لِما يَتَضَمَّنُها مِنَ القُرْآنِ.
فَعَلى هَذا يُحْتَمَلُ في المُرادِ بِما تَيَسَّرَ مِنَ الصَّلاةِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: ما يُتَطَوَّعُ بِهِ مِن نَوافِلِهِ لِأنَّ الفَرْضَ المُقَدَّرَ لا يُؤْمَرُ فِيهِ بِما تَيَسَّرَ.
الثّانِي: أنَّهُ مَحْمُولٌ عَلى فُرُوضِ الصَّلَواتِ الخَمْسِ لِانْتِقالِ النّاسِ مِن قِيامِ اللَّيْلِ إلَيْها، ويَكُونُ قَوْلُهُ ﴿ما تَيَسَّرَ﴾ مَحْمُولًا عَلى صِفَةِ الأداءِ في القُوَّةِ والضَّعْفِ، والصِّحَّةِ والمَرَضِ، ولا يَكُونُ مَحْمُولًا عَلى العَدَدِ المُقَدَّرِ شَرْعًا.
الثّانِي: أنَّ المُرادَ بِذَلِكَ قِراءَةُ ما تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ حَمْلًا لِلْخِطابِ عَلى ظاهِرِ اللَّفْظِ.
فَعَلى هَذا فِيهِ وجْهانِ:(p-١٣٣)
أحَدُهُما: أنَّ المُرادَ بِهِ قِراءَةُ القُرْآنِ في الصَّلاةِ فَيَكُونُ الأمْرُ بِهِ واجِبًا لِوُجُوبِ القِراءَةِ في الصَّلاةِ.
واخْتُلِفَ في قَدْرِ ما يَلْزَمُهُ أنْ يُقْرَأ بِهِ مِنَ الصَّلاةِ، فَقَدَّرَهُ مالِكٌ والشّافِعِيُّ بِفاتِحَةِ الكِتابِ، لا يَجُوزُ العُدُولُ عَنْها ولا الِاقْتِصارُ عَلى بَعْضِها، وقَدَّرَها أبُو حَنِيفَةَ بِآيَةٍ واحِدَةٍ مِن أيِّ القُرْآنِ كانَتْ.
والوَجْهُ الثّانِي: أنَّ المُرادَ بِهِ قِراءَةُ القُرْآنِ مِن غَيْرِ الصَّلاةِ، فَعَلى هَذا يَكُونُ مُطْلَقُ هَذا الأمْرِ مَحْمُولًا عَلى الوُجُوبِ أوْ عَلى الِاسْتِحْبابِ؟ عَلى وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ مَحْمُولٌ عَلى الوُجُوبِ لِيَقِفَ بِقِراءَتِهِ عَلى إعْجازِهِ، ودَلائِلِ التَّوْحِيدِ فِيهِ وبَعْثِ الرُّسُلِ، ولا يَلْزَمُهُ إذا قَرَأهُ وعَرَفَ إعْجازَهُ ودَلائِلَ التَّوْحِيدِ مِنهُ أنْ يَحْفَظَهُ، لِأنَّ حِفْظَ القُرْآنِ مِنَ القُرَبِ المُسْتَحَبَّةِ دُونَ الواجِبَةِ.
الثّانِي: أنَّهُ مَحْمُولٌ عَلى الِاسْتِحْبابِ دُونَ الوُجُوبِ، وهَذا قَوْلُ الأكْثَرِينَ لِأنَّهُ لَوْ وجَبَ عَلَيْهِ أنْ يَقْرَأهُ وجَبَ عَلَيْهِ أنْ يَحْفَظَهُ.
وَفي قَدْرِ ما تَضَمَّنَهُ هَذا الأمْرُ مِنَ القِراءَةِ خَمْسَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: جَمِيعُ القُرْآنِ، لِأنَّ اللَّهَ تَعالى قَدْ يَسَّرَهُ عَلى عِبادِهِ، قالَهُ الضَّحّاكُ.
الثّانِي: ثُلُثُ القُرْآنِ، حَكاهُ جُوَيْبِرٌ.
الثّالِثُ: مِائَتا آيَةٍ، قالَهُ السُّدِّيُّ.
الرّابِعُ: مِائَةُ آيَةٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
الخامِسُ: ثَلاثُ آياتٍ كَأقْصَرِ سُورَةٍ، قالَهُ أبُو خالِدٍ الكِنانِيُّ.
﴿عَلِمَ أنْ سَيَكُونُ مِنكم مَرْضى﴾ ذَكَرَ اللَّهُ أسْبابَ التَّخْفِيفِ، فَذَكَرَ مِنها المَرَضَ لِأنَّهُ يُعْجِزُ.
ثُمَّ قالَ: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ في الأرْضِ﴾ فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنَّهُمُ المُسافِرُونَ، كَما قالَ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَإذا ضَرَبْتُمْ في الأرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ أنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ﴾ الثّانِي: أنَّهُ التَّقَلُّبُ لِلتِّجارَةِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ يَرْفَعُهُ، وهو قَوْلُ السُّدِّيِّ.(p-١٣٤)
﴿وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ يَعْنِي في طاعَتِهِ، وهُمُ المُجاهِدُونَ.
﴿فاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ مِنهُ﴾ نَسَخَ ما فَرَضَهُ في أوَّلِ السُّورَةِ مِن قِيامِ اللَّيْلِ وجَعَلَ ما تَيَسَّرَ مِنهُ تَطَوُّعًا ونَفْلًا، لِأنَّ الفَرْضَ لا يُؤْمَرُ فِيهِ بِفِعْلٍ ما تَيَسَّرَ مِنهُ.
وَقَدْ ذَكَرْنا في أوَّلِ السُّورَةِ الأقاوِيلَ في مُدَّةِ الفَرْضِ.
﴿وَأقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ يَعْنِي المَفْرُوضَةَ، وهي الخَمْسُ لِوَقْتِها.
﴿وَآتُوا الزَّكاةَ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّها ها هُنا طاعَةُ اللَّهِ والإخْلاصُ لَهُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
الثّانِي: أنَّها صَدَقَةُ الفِطْرِ، قالَهُ الحارِثُ العُكْلِيُّ.
الثّالِثُ: أنَّها زَكاةُ الأمْوالِ كُلِّها، قالَهُ قَتادَةُ وعِكْرِمَةُ.
﴿وَأقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ فِيهِ خَمْسَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: أنَّهُ النَّوافِلُ بَعْدَ الفُرُوضِ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ.
الثّانِي: قَوْلُ سُبْحانَ اللَّهِ والحَمْدُ لِلَّهِ ولا إلَهَ إلّا اللَّهُ واَللَّهُ أكْبَرُ، قالَهُ ابْنُ حِبّانَ.
الثّالِثُ: النَّفَقَةُ عَلى الأهْلِ، قالَهُ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ.
الرّابِعُ: النَّفَقَةُ مِن سَبِيلِ اللَّهِ، وهَذا قَوْلُ عَمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
الخامِسُ: أنَّهُ أمَرَ بِفِعْلِ جَمِيعِ الطّاعاتِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ عَلَيْها الثَّوابَ.
﴿تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ يَعْنِي تَجِدُوا ثَوابَهُ عِنْدَ اللَّهِ ﴿هُوَ خَيْرًا﴾ يَعْنِي مِمّا أعْطَيْتُمْ وفَعَلْتُمْ.
﴿وَأعْظَمَ أجْرًا﴾ قالَ أبُو هُرَيْرَةَ: الجَنَّةُ.
وَيَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ " أعْظَمَ أجْرًا " الإعْطاءُ بِالحَسَنَةِ عَشْرًا.
﴿واسْتَغْفِرُوا اللَّهَ﴾ يَعْنِي مِن ذُنُوبِكم.
﴿إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾ لِما كانَ قَبْلَ التَّوْبَةِ.
﴿رَحِيمٌ﴾ بِكم بَعْدَها، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ.
{"ayahs_start":19,"ayahs":["إِنَّ هَـٰذِهِۦ تَذۡكِرَةࣱۖ فَمَن شَاۤءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِیلًا","۞ إِنَّ رَبَّكَ یَعۡلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدۡنَىٰ مِن ثُلُثَیِ ٱلَّیۡلِ وَنِصۡفَهُۥ وَثُلُثَهُۥ وَطَاۤىِٕفَةࣱ مِّنَ ٱلَّذِینَ مَعَكَۚ وَٱللَّهُ یُقَدِّرُ ٱلَّیۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحۡصُوهُ فَتَابَ عَلَیۡكُمۡۖ فَٱقۡرَءُوا۟ مَا تَیَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِۚ عَلِمَ أَن سَیَكُونُ مِنكُم مَّرۡضَىٰ وَءَاخَرُونَ یَضۡرِبُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِ یَبۡتَغُونَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَءَاخَرُونَ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۖ فَٱقۡرَءُوا۟ مَا تَیَسَّرَ مِنۡهُۚ وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقۡرِضُوا۟ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنࣰاۚ وَمَا تُقَدِّمُوا۟ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَیۡرࣲ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَیۡرࣰا وَأَعۡظَمَ أَجۡرࣰاۚ وَٱسۡتَغۡفِرُوا۟ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمُۢ"],"ayah":"إِنَّ هَـٰذِهِۦ تَذۡكِرَةࣱۖ فَمَن شَاۤءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِیلًا"}