الباحث القرآني

﴿قالَ نُوحٌ رَبِّ إنَّهم عَصَوْنِي﴾ قالَ أهْلُ التَّفْسِيرِ: لَبِثَ فِيهِمْ ما أخْبَرَ اللَّهُ بِهِ ألْفَ سَنَةٍ إلّا خَمْسِينَ عامًا داعِيًا لَهم، وهم عَلى كُفْرِهِمْ وعِصْيانِهِمْ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: رَجا نُوحٌ الأبْناءَ بَعْدَ الآباءِ، فَيَأْتِي بِهِمُ الوَلَدَ بَعْدَ الوَلَدِ حَتّى بَلَغُوا سَبْعَةَ قُرُونٍ، ثُمَّ دَعا عَلَيْهِمْ بَعْدَ الإياسِ مِنهم، وعاشَ بَعْدَ الطُّوفانِ سِتِّينَ سَنَةً، حَتّى كَثُرَ النّاسُ وفَشَوْا. قالَ الحَسَنُ: كانَ قَوْمُ نُوحٍ يَزْرَعُونَ في الشَّهْرِ مَرَّتَيْنِ. ﴿واتَّبَعُوا مَن لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ ووَلَدُهُ إلا خَسارًا﴾ قُرِئَ ولَدُهُ بِفَتْحِ الواوِ وضَمِّها، وفِيهِما قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّ الوَلَدَ بِالضَّمِّ الجَماعَةُ مِنَ الأوْلادِ، والوَلَدَ بِالفَتْحِ واحِدٌ مِنهم، قالَهُ الأعْمَشُ، قالَ الرَّبِيعُ بْنُ زِيادٍ ؎ وإنْ تَكُ حَرْبُكم أمْسَتْ عَوانًا فَإنِّي لَمْ أكُنْ مِمَّنْ جَناها ∗∗∗ ولَكِنْ وُلْدُ سَوْدَةَ أرَّثُوها ∗∗∗ وحَشُّوا نارَها لِمَنِ اصْطَلاها ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبّارًا﴾ أيْ عَظِيمًا، والكُبّارُ أشَدُّ مُبالَغَةً مِن كَبِيرٍ. وَفِيهِ وجْهانِ، أحَدُهُما: ما جَعَلُوهُ لِلَّهِ مِنَ الصّاحِبَةِ والوَلَدِ، قالَهُ الكَلْبِيُّ.(p-١٠٤) الثّانِي: هو قَوْلُ كُبَرائِهِمْ لِأتْباعِهِمْ: ﴿وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكم ولا تَذَرُنَّ ودًّا ولا سُواعًا﴾ الآيَةَ، قالَهُ مُقاتِلٌ. وَفي هَذِهِ الأصْنامِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّها كانَتْ لِلْعَرَبِ لَمْ يَعْبُدْها غَيْرُهم ويَكُونُ مَعْنى الكَلامِ: كَما قالَ قَوْمُ نُوحٍ لِأتْباعِهِمْ لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكم، قالَتِ العَرَبُ مِثْلَهم لِأوْلادِهِمْ وقَوْمِهِمْ لا تَذَرُنَّ ودًّا ولا سُواعًا ولا يَغُوثَ ويَعُوَقَ ونَسْرًا، ثُمَّ عادَ الذِّكْرُ بَعْدَ ذَلِكَ إلى قَوْمِنُوحٍ. واخْتُلِفَ في هَذِهِ الأسْماءِ، فَقالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: اشْتَكى آدَمُ وعِنْدَهُ بَنُوهُ ودٌّ وسُواعٌ ويَغُوثُ ويَعُوقُ ونَسْرٌ، وكانَ وِدٌّ أكْبَرَهم وأبَرَّهم بِهِ، وقالَ غَيْرُهُ: إنَّ هَذِهِ الأسْماءَ كانَتْ لِرِجالٍ قَبْلَ قَوْمِ نُوحٍ، فَماتُوا فَحَزِنَ عَلَيْهِمْ أبْناؤُهم حُزْنًا شَدِيدًا، فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أنْ يُصَوِّرُوهم لِيَنْظُرُوا إلَيْهِمْ فَفَعَلُوا، ثُمَّ عَبَدَها أبْناؤُهم مِن بَعْدِهِمْ. وَقالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: كانُوا قَوْمًا صالِحِينَ بَيْنَ آدَمَ ونُوحٍ فَحَدَّثَ بَعْدَهم مَن أخَذَ في العِبادَةِ مَأْخَذَهم، فَزَيَّنَ لَهم إبْلِيسُ أنْ يَتَصَوَّرُوا صُوَرَهم لِيَتَذَكَّرُوا بِها اجْتِهادَهم، ثُمَّ عَبَدَها مِن بَعْدِهم قَوْمُ نُوحٍ، ثُمَّ انْتَقَلَتْ بَعْدَهم إلى العَرَبِ فَعَبَدَها ولَدُ إسْماعِيلَ. فَأمّا وِدٌّ فَهو أوَّلُ صَنَمٍ مَعْبُودٍ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِوِدِّهِمْ لَهُ، وكانَ بَعْدَ قَوْمِ نُوحٍ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الجَنْدَلِ مِن قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ وعَطاءٍ ومُقاتِلٍ، وفِيهِ يَقُولُ شاعِرُهُمْ ؎ حَيّاكَ ودٌّ فَإنّا لا يَحِلُّ لَنا ∗∗∗ لَهْوُ النِّساءِ وإنَّ الدِّينَ قَدْ عَزَما. وَأمّا سُواعٌ فَكانَ لِهُذَيْلٍ بِساحِلِ البَحْرِ، في قَوْلِهِمْ، وأمّا يَغُوثُ فَكانَ لِغَطِيفٍ مِن مُرادٍ بِالجَوْفِ مِن سَبَأٍ، في قَوْلِ قَتادَةَ، وقالَ مُقاتِلٌ: حَيٌّ مِن نَجْرانَ. قالَ أبُو عُثْمانَ النَّهْدِيِّ: رَأيْتُ يَغُوثَ وكانَ مِن رَصاصٍ وكانُوا يَحْمِلُونَهُ عَلى جَمَلٍ أجْرَدَ، ويَسِيرُونَ مَعَهُ لا يُهَيِّجُونَهُ، حَتّى يَكُونَ هو الَّذِي يَبْرُكُ فَإذا بَرَكَ نَزَلُوا وقالُوا: قَدْ رَضِيَ لَكُمُ المَنزِلَ، فَيَضْرِبُونَ عَلَيْهِ بِناءً ويَنْزِلُونَ حَوْلَهُ. وَأمّا يَعُوقُ فَكانَ لِهَمْدانَ بِبَلْخٍ، في قَوْلِ قَتادَةَ وعِكْرِمَةَ وعَطاءٍ.(p-١٠٥) وَأمّا نَسْرٌ فَكانَ لِذِي الكُلاعِ مِن حِمْيَرٍ في قَوْلِ عَطاءٍ ونَحْوُهُ عَنْ مُقاتِلٍ. ﴿وَقَدْ أضَلُّوا كَثِيرًا﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: يُرِيدُ أنَّ هَذِهِ الأصْنامَ قَدْ ضَلَّ بِها كَثِيرٌ مِن قَوْمِهِ. الثّانِي: أنَّ أكابِرَ قَوْمِهِ قَدْ أضَلُّوا كَثِيرًا مِن أصاغِرِهِمْ وأتْباعِهِمْ. ﴿وَلا تَزِدِ الظّالِمِينَ إلا ضَلالا﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: إلّا عَذابًا، قالَهُ ابْنُ بَحْرٍ واسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ المُجْرِمِينَ في ضَلالٍ وسُعُرٍ﴾ [اَلْقَمَرِ: ٤٧] . الثّانِي: إلّا فِتْنَةً بِالمالِ والوَلَدِ، وهو مُحْتَمَلٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب