الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَعَلى الأعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيماهُمْ﴾ أمّا الأعْرافُ فَسُورٌ بَيْنَ الجَنَّةِ والنّارِ، قالَهُ مُجاهِدٌ، والسُّدِّيُّ، وهو جَمْعٌ واحِدُهُ عُرْفٌ وهو ما ارْتَفَعَ عَنْ غَيْرِهِ، ومِنهُ عُرْفُ الدِّيكِ وعُرْفُ الفَرَسِ، قالَ الرّاجِزُ: ؎ كُلُّ كِتابٍ لِجَمْعِهِ مُوافِي كالعِلْمِ المُوفِي عَلى الأعْرافِ. وَفِي الَّذِينَ عَلى الأعْرافِ خَمْسَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهم فُضَلاءُ المُؤْمِنِينَ وعُلَماؤُهم، قالَهُ الحَسَنُ، ومُجاهِدٌ، قالَ أُمَيَّةُ بْنُ أبِي الصَّلْتِ: ؎ وآخَرُونَ عَلى الأعْرافِ قَدْ طَمِعُوا ∗∗∗ بِجَنَّةٍ حَفَّها الرُّمّانُ والخُضَرُ (p-٢٢٦)وَهَذا وإنْ كانَ شِعْرًا جاهِلِيًّا وحالُ الأعْرافِ مَنقُولٌ عَنْ خَبَرٍ يُرْوى فَيَحْتَمِلُ أمْرَيْنِ: أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ أُمَيَّةُ قَدْ وصَلَ إلى عِلْمِهِ مِنَ الصُّحُفِ الشَّرْعِيَّةِ. والثّانِي: أنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ أنْطَقَ بِهِ أُمَيَّةَ إلْهامًا لِتَصْدِيقِ ما جاءَ بِهِ القُرْآنُ. والثّانِي: أنَّهم مَلائِكَةٌ يُرَوْنَ في صُوَرِ الرِّجالِ، قالَهُ أبُو مِجْلَزٍ. والثّالِثُ: أنَّهم قَوْمٌ بَطَّأتْ بِهِمْ صَغائِرُهم إلى آخِرِ النّاسِ، قالَهُ حُذَيْفَةُ. والرّابِعُ: أنَّهُ قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَناتُهم وسَيِّئاتُهم فَجُعِلُوا هُنالِكَ حَتّى يَقْضِيَ اللَّهُ مِن أمْرِهِمْ ما يَشاءُ ثُمَّ يُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ. والخامِسُ: أنَّهم قَوْمٌ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ وكانُوا عُصاةً لِآبائِهِمْ، قِيلَ إنَّهم غَزَوْا بِغَيْرِ إذْنِهِمْ، وقَدْ رَوى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أبِيهِ قالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ أصْحابِ الأعْرافِ فَقالَ: (هم قَوْمٌ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ بِمَعْصِيَةِ آبائِهِمْ، فَمَنَعَهم قَتْلُهم في سَبِيلِ اللَّهِ عَنِ النّارِ ومَنَعَهم مَعْصِيَةُ آبائِهِمْ أنْ يَدْخُلُوا الجَنَّةَ).» ومَعْنى قَوْلِهِ: ﴿يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيماهُمْ﴾ يَعْنِي يَعْرِفُونَ أهْلَ النّارِ وأهْلَ الجَنَّةِ بِعَلامَتِهِمُ الَّتِي يَتَمَيَّزُونَ بِها، وعَلامَتُهم في وُجُوهِهِمْ وأعْيُنِهِمْ، قالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: عَلامَةُ أهْلِ النّارِ سَوادُ الوُجُوهِ وزُرْقَةُ العُيُونِ، وعَلامَةُ أهْلِ الجَنَّةِ بَياضُ الوُجُوهِ وحُسْنُ العُيُونِ. فَإنْ قِيلَ في أصْحابِ الأعْرافِ: إنَّهم فُضَلاءُ المُؤْمِنِينَ كانَ ذَلِكَ زِيادَةً في ثَوابِهِمْ ومُبالَغَةً في كَرامَتِهِمْ لِأنَّهم يَرَوْنَ مَنازِلَهم في الجَنَّةِ فَيَسْتَمْتِعُونَ بِها، ويَرَوْنَ عَذابَ النّارِ فَيَفْرَحُونَ بِالخَلاصِ مِنها. (p-٢٢٧)وَإنْ قِيلَ: إنَّهُمُ المُفَضَّلُونَ وأصْحابُ الصَّغائِرِ مِنَ المُؤْمِنِينَ كانَ ذَلِكَ لِنَقْصِ ثَوابِهِمْ عَنِ اسْتِحْقاقِ الدُّخُولِ لِلْجَنَّةِ. وَإنْ قِيلَ: إنَّهُمُ المَلائِكَةُ، احْتَمَلَ أمْرُهم ثَلاثَةَ أوْجُهٍ: أحَدُها: أنْ يُؤْمَرُوا بِذَلِكَ حَمْدًا لِأهْلِ الجَنَّةِ وذَمًّا لِأهْلِ النّارِ وزِيادَةً في الثَّوابِ والعِقابِ. والثّانِي: أنْ يَكُونُوا حَفَظَةَ الأعْمالِ في الدُّنْيا الشّاهِدِينَ بِها عِنْدَ اللَّهِ في الآخِرَةِ أُمِرُوا بِذَلِكَ، ما أدَّوْهُ مِنَ الشَّهادَةِ تَبْشِيرًا لِأهْلِ الجَنَّةِ وتَوْبِيخًا لِأهْلِ النّارِ. والثّالِثُ: أنْ يَكُونُوا خَزَنَةَ الجَنَّةِ والنّارِ، فَإنَّ مِنَ المَلائِكَةِ مَن أُفْرِدَ لِخَزَنَةِ الجَنَّةِ، ومِنهم مَن أُفْرِدَ لِخَزَنَةِ النّارِ، ويَكُونُ هَؤُلاءِ قَدْ جُمِعَ لَهم بَيْنَ الأمْرَيْنِ، واللَّهُ أعْلَمُ بِغَيْبِ ذَلِكَ. وَحَكى ابْنُ الأنْبارِيِّ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَعَلى الأعْرافِ رِجالٌ﴾ مَعْناهُ عَلى مَعْرِفَةِ أهْلِ الجَنَّةِ والنّارِ رِجالٌ، وأنَّ قَوْلَهُ: ﴿ادْخُلُوا الجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ﴾ الآيَةَ مِن قَوْلِ أصْحابِ الأعْرافِ، وهو مُخالِفٌ لِقَوْلِ جَمِيعِ المُفَسِّرِينَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب