الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَإذْ أخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ اخْتُلِفَ في الَّذِينَ أخْرَجَهم وأخَذَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهُ أخْرَجَ الأرْواحَ قَبْلَ خَلْقِ الأجْسادِ وجَعَلَ فِيها مِنَ المَعْرِفَةِ ما عُلِمَتْ بِهِ مِن خاطِبِها. واخْتَلَفَ مَن قالَ بِهَذا هَلْ كانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِهِ إلى الأرْضِ عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهُ كانَ في الجَنَّةِ قَبْلَ هُبُوطِهِ إلى الأرْضِ. والثّانِي: أنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ هُبُوطِهِ إلَيْها. (p-٢٧٨)والقَوْلُ الثّانِي: في الأصْلِ أنَّهُ خَلَقَ الأرْواحَ والأجْسادَ مَعًا وذَلِكَ في الأرْضِ عِنْدَ جَمِيعِ مَن قالَ بِهَذا التَّأْوِيلِ. فَعَلى هَذا فِيهِ قَوْلانِ: (p-٢٧٩)أحَدُهُما: أنَّهُ أخْرَجَهم كالذَّرِّ وألْهَمَهم هَذا فَقالُوهُ، قالَ الكَلْبِيُّ ومُقاتِلٌ: وذَلِكَ أنَّ اللَّهَ مَسَحَ ظَهْرَ آدَمَ بَيْنَ مَكَّةَ والطّائِفِ فَخَرَجَ مِن صَفْحَةِ ظَهْرِهِ اليُمْنى ذُرِّيَّةٌ كالذَّرِّ بِيضٌ، فَهم أصْحابُ المَيْمَنَةِ. وَخَرَجَ مِن صَفْحَةِ ظَهْرِهِ اليُسْرى ذُرِّيَّةٌ كالذَّرِّ سُودٌ، فَهم أصْحابُ المَشْأمَةِ، فَلَمّا شَهِدُوا عَلى أنْفُسِهِمْ جَمِيعًا مَن آمَنَ مِنهم ومَن كَفَرَ أعادَهم. والثّانِي: أنَّهُ أخْرَجَ الذُّرِّيَّةَ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ وعَصْرًا بَعْدَ عَصْرٍ. وَفي ﴿وَأشْهَدَهم عَلى أنْفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ قَوْلانِ: أحَدُهُما: هو أنَّهُ دَلَّهم عَلى أنْفُسِهِمْ بِما شَهِدُوهُ مِن قُدْرَتِهِ، قالَهُ بَعْضُ المُتَكَلِّمِينَ. والثّانِي: هو إشْهادُهم عَلى أنْفُسِهِمْ بِما اعْتَرَفُوا مِن رُبُوبِيَّتِهِ ووَحْدانِيَّتِهِ. وَفِيهِ عَلى التَّأْوِيلِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ قالَ ذَلِكَ لِلْآباءِ مِن بَنِي آدَمَ حِينَ أخْرَجَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيّاتِهِمْ وأشْهَدَهم عَلى أنْفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكم لِيُعَلِّمَهم أنَّهُ خَلَقَ ذُرِّيّاتِهِمْ بَعْدَ أنْ لَمْ يَكُونُوا كانَ هو الخالِقَ لَهم لِأنَّهم كانُوا ذُرِّيَّةً مِثْلَهم لِمَن تَقَدَّمَهم كَما صارَ هَؤُلاءِ ذُرِّيَّةً لَهم فاعْتَرَفُوا بِذَلِكَ حِينَ ظَهَرَتْ لَهُمُ الحُجَّةُ، قالَهُ ابْنُ بَحْرٍ. والقَوْلُ الثّانِي: أنَّهُ قالَ ذَلِكَ لِلذُّرِّيَّةِ حِينَ أخَذَهم مِن ظُهُورِ آبائِهِمْ، وهَذا قَوْلُ الأكْثَرِينَ فَعَلى هَذا فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ قالَ لَهُمْ: ﴿ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ عَلى لِسانِ الأنْبِياءِ بَعْدَ أنْ كَمُلَتْ عُقُولُهم. والثّانِي: أنَّهُ جَعَلَ لَهم عُقُولًا عَلِمُوا بِها ذَلِكَ فَشَهِدُوا بِهِ عَلى أنْفُسِهِمْ. وَفي أصْلِ الذُّرِّيَّةِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: لِأنَّهم يَخْرُجُونَ مِنَ الأصْلابِ كالذَّرِّ. والثّانِي: أنَّهُ مَأْخُوذٌ مِن ذَرَأ اللَّهُ الخَلْقَ إذا أحْدَثَهم وأظْهَرَهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب