الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ ﴿وَلَمّا رَجَعَ مُوسى إلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أسِفًا﴾ في الأسَفِ خَمْسَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ المُتَأسِّفُ عَلى فَوْتِ ما سَلَفَ قالَهُ عَلِيُّ بْنُ عِيسى. والثّانِي: أنَّهُ الحَزِينُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: هو الشَّدِيدُ الغَضَبِ، قالَهُ الأخْفَشُ. والرّابِعُ: المُغْتاظُ، قالَهُ السُّدِّيُّ. (p-٢٦٣)والخامِسُ: النّادِمُ، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. وَفي غَضَبِهِ وأسَفِهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: غَضْبانُ مِن قَوْمِهِ عَلى عِبادَةِ العِجْلِ؟ أسِفًا عَلى ما فاتَهُ مِن مُناجاةِ رَبِّهِ. والثّانِي: غَضْبانُ عَلى نَفْسِهِ في تَرْكِ قَوْمِهِ حَتّى ضَلُّوا، أسِفًا عَلى ما رَأى في قَوْمِهِ مِنِ ارْتِكابِ المَعاصِي. وَقالَ بَعْضُ المُتَصَوِّفَةِ إنَّ غَضَبَهُ لِلرُّجُوعِ عَنْ مُناجاةِ الحَقِّ إلى مُخاطَبَةِ الخَلْقِ. ﴿قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي﴾ يَعْنِي بِعِبادَةِ العِجْلِ. ﴿أعَجِلْتُمْ أمْرَ رَبِّكُمْ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: يَعْنِي وعْدَ رَبِّكُمُ الَّذِي وعَدَنِي بِهِ مِنَ الأرْبَعِينَ لَيْلَةً، وذَلِكَ أنَّهم قَدَّرُوا أنَّهُ قَدْ ماتَ لَمّا لَمْ يَأْتِ عَلى رَأْسِ الثَّلاثِينَ لَيْلَةً، قالَهُ الحَسَنُ، والسُّدِّيُّ. والثّانِي: وعْدُ رَبِّكم بِالثَّوابِ عَلى عِبادَتِهِ حَتّى عَدَلْتُمْ إلى عِبادَةِ غَيْرِهِ، قالَهُ بَعْضُ المُتَأخِّرِينَ. والفَرْقُ بَيْنَ العَجَلَةِ والسُّرْعَةِ أنَّ العَجَلَةَ: التَّقَدُّمُ بِالشَّيْءِ قَبْلَ وقْتِهِ، والسُّرْعَةُ: عَمَلُهُ في أقَلِّ أوْقاتِهِ. ﴿وَألْقى الألْواحَ﴾ وفي سَبَبِ إلْقائِها قَوْلانِ: أحَدُهُما: غَضَبًا حِينَ رَأى عِبادَةَ العِجْلِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّهُ ألْقاها لَمّا رَأى فِيها فَضائِلَ غَيْرِ قَوْمِهِ مِن أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ أنَّهم خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ ويُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، قالَ: رَبِّ فاجْعَلْهم أُمَّتِي قالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أحْمَدَ، فاشْتَدَّ عَلَيْهِ فَألْقاها، قالَهُ قَتادَةُ. وَكانَتِ التَّوْراةُ سَبْعَةَ أسْباعٍ فَلَمّا ألْقى مُوسى الألْواحَ فَتَكَسَّرَتْ رُفِعَ مِنها سِتَّةُ أسْباعِها وكانَ فِيما رُفِعَ تَفْصِيلُ كُلِّ شَيْءٍ الَّذِي قالَ اللَّهُ: ﴿وَكَتَبْنا لَهُ في الألْواحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وتَفْصِيلا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ وبَقِيَ الهُدى والرَّحْمَةُ في السُّبْعِ الباقِي، وهو الَّذِي قالَهُ اللَّهُ: ﴿أخَذَ الألْواحَ وفي نُسْخَتِها هُدًى ورَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هم لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ (p-٢٦٤)وَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ألْقى مُوسى الألْواحَ فَتَكَسَّرَتْ ورُفِعَتْ إلّا سُدُسُها. ﴿وَأخَذَ بِرَأْسِ أخِيهِ يَجُرُّهُ إلَيْهِ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ أخَذَ بِأُذُنِهِ. والثّانِي: أخَذَ بِجُمْلَةِ رَأْسِهِ. فَإنْ قِيلَ: فَلِمَ قَصَدَهُ بِمِثْلِ هَذا الهُوانِ ولا ذَنْبَ لَهُ؟ فَعَنْ ذَلِكَ جَوابانِ. أحَدُهُما: أنَّ هَذا الفِعْلَ مِمّا قَدْ يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ بِالعادَةِ فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ في ذَلِكَ الزَّمانِ بِخِلافِ ما هو عَلَيْهِ الآنَ مِنَ الهُوانِ. والثّانِي: أنَّ ذَلِكَ مِنهُ كَقَبْضِ الرَّجُلِ مِنّا الآنَ عَلى لِحْيَتِهِ وعَضِّهِ عَلى شَفَتِهِ﴿قالَ ابْنَ أُمَّ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ قالَ ذَلِكَ لِأنَّهُ كانَ أخاهُ لِأُمِّهِ، قالَهُ الحَسَنُ. والثّانِي: أنَّهُ قالَ ذَلِكَ عَلى عادَةِ العَرَبِ اسْتِعْطافًا بِالرَّحِمِ، كَما قالَ الشّاعِرُ: ؎ يا ابْنَ أُمِّي ويا شَقِيقَ نَفْسِي أنْتَ خَلَّيْتَنِي لِأمْرٍ شَدِيدِ ﴿فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعْداءَ﴾ يَعْنِي مَن خالَفَهُ في عِبادَةِ العِجْلِ لِأنَّهم قَدْ صارُوا لِمُخالَفَتِهِمْ لَهُ أعْداءً. ﴿وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ أيْ لا تَغْضَبْ عَلَيَّ كَغَضَبِكَ عَلَيْهِمْ ولَسْتُ مِنهم فَأدْرَكَتْهُ الرِّقَّةُ: ﴿قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي ولأخِي وأدْخِلْنا في رَحْمَتِكَ وأنْتَ أرْحَمُ الرّاحِمِينَ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب