الباحث القرآني

(p-٥)سُورَةُ الجُمُعَةِ ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ المَلِكِ القُدُّوسِ العَزِيزِ الحَكِيمِ﴾ ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ في الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِنهم يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِهِ ويُزَكِّيهِمْ ويُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ والحِكْمَةَ وإنْ كانُوا مِن قَبْلُ لَفي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ ﴿بَعَثَ في الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِنهُمْ﴾ يَعْنِي في العَرَبِ، وفي تَسْمِيَتِهِمْ أُمِّيِّينَ قَوْلانِ: أحَدُهُما: لِأنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِمْ كِتابٌ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. الثّانِي: لِأنَّهم لَمْ يَكُونُوا يَكْتُبُونَ ولا كانَ فِيهِمْ كاتِبٌ، قالَهُ قَتادَةُ. ثُمَّ فِيهِمْ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهم قُرَيْشٌ خاصَّةً لِأنَّها لَمْ تَكُنْ تَكْتُبُ حَتّى تَعْلَّمَ بَعْضُها في آخِرِ الجاهِلِيَّةِ مِن أهْلِ الحِيرَةِ. (p-٦)الثّانِي: أنَّهم جَمِيعُ العَرَبِ لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهم كِتابٌ ولا كَتَبَ مِنهم إلّا قَلِيلٌ، قالَهُ المُفَضَّلُ. فَلَوْ قِيلَ: فَما وجْهُ الِامْتِنانِ بِأنْ بَعَثَ نَبِيًّا أُمِّيًّا؟ فالجَوابُ عَنْهُ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: لِمُوافَقَتِهِ ما تَقَدَّمَتْ بِشارَةُ الأنْبِياءِ بِهِ. الثّانِي: لِمُشاكَلَةِ حالِهِ لِأحْوالِهِمْ، فَيَكُونُ أقْرَبَ إلى مُوافَقَتِهِمْ. الثّالِثُ: لِيَنْتَفِيَ عَنْهُ سُوءُ الظَّنِّ في تَعَلُّمِهِ ما دَعا إلَيْهِ مِنَ الكُتُبِ الَّتِي قَرَأها والحِكَمِ الَّتِي تَلاها. ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِهِ﴾ يَعْنِي القُرْآنَ. ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: يَجْعَلُهم أزْكِياءَ القُلُوبِ بِالإيمانِ، وهو مَعْنى قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ. الثّانِي: يُطَهِّرُهم مِنَ الكُفْرِ والذُّنُوبِ، قالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ ومُقاتِلٌ. الثّالِثُ: يَأْخُذُ زَكاةَ أعْمالِهِمْ، قالَهُ السُّدِّيُّ. ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: أنَّهُ القُرْآنُ، قالَهُ الحَسَنُ. الثّانِي: أنَّهُ الخَطُّ بِالقَلَمِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، لِأنَّ الخَطَّ إنَّما فَشا في العَرَبِ بِالشَّرْعِ لِما أُمِرُوا بِتَقْيِيدِهِ بِالخَطِّ. الثّالِثُ: مَعْرِفَةُ الخَيْرِ والشَّرِّ كَما يَعْرِفُونَهُ بِالكِتابِ لِيَفْعَلُوا الخَيْرَ ويَكُفُّوا عَنِ الشَّرِّ، وهَذا مَعْنى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحاقَ. ﴿والحِكْمَةَ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: أنَّ الحِكْمَةَ السُّنَّةُ، قالَهُ الحَسَنُ.(p-٧) الثّانِي: أنَّهُ الفِقْهُ في الدِّينِ، وهو قَوْلُ مالِكِ بْنِ أنَسٍ. الثّالِثُ: أنَّهُ الفَهْمُ والِاتِّعاظُ، قالَهُ الأعْمَشُ. ﴿وَآخَرِينَ مِنهم لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ﴾ أيْ ويَعْلَمَ آخَرِينَ ويُزَكِّيهِمْ، وفِيهِ أرْبَعَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُمُ المُسْلِمُونَ بَعْدَ الصَّحابَةِ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. الثّانِي: أنَّهُمُ العَجَمُ بَعْدَ العَرَبِ، قالَهُ الضَّحّاكُ وقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: « (رَأيْتُ في مَنامِي غَنَمًا سُودًا تَتْبَعُها غَنَمٌ عُفْرٌ فَقالَ أبُو بَكْرٍ: يا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ العَرَبُ يَتْبَعُها العَجَمُ، فَقالَ: (كَذَلِكَ عَبَّرَها لِي المَلَكُ» . الثّالِثُ: أنَّهُمُ المُلُوكُ أبْناءُ الأعاجِمِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الرّابِعُ: أنَّهُمُ الأطْفالُ بَعْدَ الرِّجالِ. وَيُحْتَمَلُ خامِسًا: أنَّهُمُ النِّساءُ بَعْدَ الرِّجالِ. ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشاءُ﴾ فِيها ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّها النُّبُوَّةُ الَّتِي خَصَّ اللَّهُ بِها رَسُولَهُ هي فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشاءُ، قالَهُ مُقاتِلٌ. الثّانِي: الإسْلامُ الَّذِي آتاهُ اللَّهُ مَن شاءَ مِن عِبادِهِ، قالَهُ الكَلْبِيُّ. الثّالِثُ: ما رُوِيَ أنَّهُ «قِيلَ يا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أهْلُ الدُّثُورِ بِالأُجُورِ، فَأمَرَ (p-٨) ذَوِي الفاقَةِ بِالتَّسْبِيحِ والتَّحْمِيدِ والتَّكْبِيرِ بَدَلًا مِنَ التَّصَدُّقِ بِالأمْوالِ، فَفَعَلَ الأغْنِياءُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهَ يُؤْتِيهِ مَن يَشاءُ» قالَهُ أبُو صالِحٍ. وَيُحْتَمَلُ خامِسًا: أنَّهُ انْقِيادُ النّاسِ إلى تَصْدِيقِهِ ﷺ ودُخُولِهِمْ في دِينِهِ ونُصْرَتِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب