الباحث القرآني
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكم بِاللَّيْلِ﴾ يَعْنِي بِهِ النَّوْمَ، لِأنَّهُ يَقْبِضُ الأرْواحَ فِيهِ عَنِ التَّصَرُّفِ، كَما يَقْبِضُها بِالمَوْتِ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ
؎ إنَّ بَنِي الأدْرَدِ لَيْسُوا مِن أحَدْ ولاَ تَوَفّاهم قُرَيْشٌ في العَدَدْ
أيْ لا تُقَبِّضُهم.
﴿وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ﴾ أيْ ما كَسَبْتُمْ لِأنَّهُ مُسْتَفادٌ بِعَمَلِ الجارِحَةِ، ومِنهُ جَوارِحُ الطَّيْرِ لِأنَّها كَواسِبُ بِجَوارِحِها، وجَرْحُ الشَّهادَةِ هو الطَّعْنُ فِيها لِأنَّهُ مَكْسَبُ الإثْمِ، قالَهُ الأعْشى: (p-١٢٣)
؎ وهو الدّافِعُ عَنْ ذِي كُرْبَةٍ ∗∗∗ أيْدِي القَوْمِ إذا الجانِي اجْتَرَحْ
﴿ثُمَّ يَبْعَثُكم فِيهِ﴾ يَعْنِي في النَّهارِ بِاليَقَظَةِ، وتُصْرَفُ الرُّوحُ بَعْدَ قَبْضِها بِالنَّوْمِ.
﴿لِيُقْضى أجَلٌ مُسَمًّى﴾ يَعْنِي اسْتِكْمالَ العُمْرِ وانْقِضاءَ الأجَلِ بِالمَوْتِ.
﴿ثُمَّ إلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ﴾ يَعْنِي بِالبَعْثِ والنُّشُورِ في القِيامَةِ.
﴿ثُمَّ يُنَبِّئُكم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ في الدُّنْيا مِن خَيْرٍ وشَرٍّ.
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَهُوَ القاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ أعْلى قَهْرًا، فَلِذَلِكَ قالَ: ﴿فَوْقَ عِبادِهِ﴾ والثّانِي: أنَّ الأقْدَرَ إذا اسْتَحَقَّ صِفَةَ المُبالَغَةِ عُبِّرَ عَنْهُ بِمِثْلِ هَذِهِ العِبارَةِ، فَقِيلَ: هو فَوْقَهُ في القُدْرَةِ أيْ أقْدَرُ، وفَوْقَهُ في العِلْمِ أيْ أعْلَمُ.
﴿وَيُرْسِلُ عَلَيْكم حَفَظَةً﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ جَوارِحُهُمُ الَّتِي تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ.
والثّانِي: المَلائِكَةُ.
وَيُحْتَمَلُ ﴿حَفَظَةً﴾ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: حِفْظُ النُّفُوسِ مِنَ الآفاتِ.
والثّانِي: حِفْظُ الأعْمالِ مِن خَيْرٍ وشَرٍّ، لِيَكُونَ العِلْمُ بِإتْيانِها أزْجَرَ عَنِ الشَّرِّ، وأبْعَثَ عَلى الخَيْرِ.
﴿حَتّى إذا جاءَ أحَدَكُمُ المَوْتُ﴾ يَعْنِي أسْبابَ المَوْتِ، بِانْقِضاءِ الأجَلِ.
فَإنْ قِيلَ: المُتَوَلِّي لِقَبْضِ الرُّوحِ مَلَكُ المَوْتِ، وقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفّاكم مَلَكُ المَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾ [السَّجْدَةَ: ١١] فَكَيْفَ قالَ: ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا﴾ والرُّسُلُ جَمْعٌ.
(p-١٢٤)قِيلَ: لِأنَّ اللَّهَ أعانَ مَلَكَ المَوْتِ بِأعْوانٍ مِن عِنْدِهِ يَتَوَلَّوْنَ ذَلِكَ بِأمْرِهِ، فَصارَ التَّوَفِّي مِن فِعْلِ أعْوانِهِ، وهو مُضافٌ إلَيْهِ لِمَكانِ أمْرِهِ، كَما يُضافُ إلى السُّلْطانِ فِعْلُ أعْوانِهِ مِن قَتْلٍ، أوْ جَلْدٍ، إذا كانَ عَنْ أمْرِهِ.
﴿وَهم لا يُفَرِّطُونَ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: لا يُؤَخِّرُونَ.
الثّانِي: لا يُضَيِّعُونَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ثُمَّ رُدُّوا إلى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الحَقِّ﴾ وفي مُتَوَلِّي الرَّدِّ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُمُ المَلائِكَةُ الَّتِي تَوَفَّتْهم.
والثّانِي: أنَّهُ اللَّهُ بِالبَعْثِ والنُّشُورِ.
وَفي رَدِّهِمْ إلى اللَّهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: مَعْناهُ رَدُّهم إلى تَدْبِيرِ اللَّهِ وحْدَهُ، لِأنَّ اللَّهَ دَبَّرَهم عِنْدَ خَلْقِهِمْ وإنْشائِهِمْ، مَكَّنَهم مِنَ التَّصَرُّفِ فَصارُوا في تَدْبِيرِ أنْفُسِهِمْ، ثُمَّ كَفَّهم عَنْهُ بِالمَوْتِ فَصارُوا في تَدْبِيرِ اللَّهِ كالحالَةِ الأوْلى، فَصارُوا بِذَلِكَ مَرْدُودِينَ إلَيْهِ.
والثّانِي: أنَّهم رُدُّوا إلى المَوْضِعِ الَّذِي لا يَمْلِكُ الحُكْمَ عَلَيْهِمْ فِيهِ إلّا اللَّهُ، فَجُعِلَ الرَّدُّ إلى ذَلِكَ المَوْضِعِ رَدًّا إلَيْهِ.
فَإنْ قِيلَ: فَكَيْفَ قالَ: ﴿مَوْلاهُمُ الحَقِّ﴾ وقَدْ قالَ: ﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ مَوْلى الَّذِينَ آمَنُوا وأنَّ الكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ﴾ [مُحَمَّدٍ: ١١] . قِيلَ: عَنْهُ جَوابانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ قالَ هَذا لِأنَّهم دَخَلُوا في جُمْلَةِ غَيْرِهِمْ مِنَ المُؤْمِنِينَ المَرْدُودِينَ فَعَمَّهُمُ اللَّفْظُ.
والثّانِي: أنَّ المَوْلى قَدْ يُعَبِّرُ بِهِ عَنِ النّاصِرِ تارَةً وعَنِ السَّيِّدِ أُخْرى، واللَّهُ لا يَكُونُ ناصِرًا لِلْكافِرِينَ، وهو سَيِّدُ الكافِرِينَ والمُؤْمِنِينَ.
(p-١٢٥)و ﴿الحَقِّ﴾ هُنا يَحْتَمِلُ ثَلاثَةَ أوْجُهٍ: أحَدُها: أنَّ الحَقَّ هو مِن أسْمائِهِ تَعالى.
والثّانِي: لِأنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الرَّدَّ عَلَيْهِ.
والثّالِثُ: لِحُكْمِهِ فِيهِمْ بِالرَّدِّ.
﴿ألا لَهُ الحُكْمُ﴾ يَعْنِي القَضاءَ بَيْنَ عِبادِهِ.
فَإنْ قِيلَ: فَقَدْ جُعِلَ لِغَيْرِهِ الحُكْمُ؟ فَعَنْهُ جَوابانِ: أحَدُهُما: أنَّ لَهُ الحُكْمَ في يَوْمِ القِيامَةِ وحْدَهُ.
والثّانِي: أنَّ غَيْرَهُ يَحْكُمُ بِأمْرِهِ فَصارَ الحُكْمُ لَهُ.
وَيُحْتَمَلُ قَوْلُهُ: ﴿ألا لَهُ الحُكْمُ﴾ وجْهًا ثانِيًا: أنَّ لَهُ أنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ فَصارَ بِهَذا الحُكْمِ مُخْتَصًّا.
﴿وَهُوَ أسْرَعُ الحاسِبِينَ﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: يَعْنِي سُرْعَةَ الحُكْمِ بَيْنَ العِبادِ لِتَعْجِيلِ الفَصْلِ، وعَبَّرَ عَنِ الحُكْمِ بِالحِسابِ مِن تَحْقِيقِ المُسْتَوْفِي بِهِما مِن قَلِيلٍ وكَثِيرٍ.
والثّانِي: وهو الظّاهِرُ أنَّهُ أرادَ سُرْعَةَ مُحاسَبَةِ العِبادِ عَلى أعْمالِهِمْ.
وَيَحْتَمِلُ مُرادُهُ بِسُرْعَةِ حِسابِهِ وجْهَيْنِ.
أحَدُهُما: إظْهارُ قُدْرَتِهِ بِتَعْجِيلِ ما يَعْجِزُ عَنْهُ غَيْرُهُ.
والثّانِي: أنَّهُ يُبَيِّنُ بِهِ تَعْجِيلَ ما يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ مِن ثَوابٍ، وتَعْجِيلَ ما يَسْتَحِقُّ عَلى غَيْرِهِ مِن عِقابٍ جَمْعًا بَيْنَ إنْصافِهِ وانْتِصافِهِ.
{"ayahs_start":60,"ayahs":["وَهُوَ ٱلَّذِی یَتَوَفَّىٰكُم بِٱلَّیۡلِ وَیَعۡلَمُ مَا جَرَحۡتُم بِٱلنَّهَارِ ثُمَّ یَبۡعَثُكُمۡ فِیهِ لِیُقۡضَىٰۤ أَجَلࣱ مُّسَمࣰّىۖ ثُمَّ إِلَیۡهِ مَرۡجِعُكُمۡ ثُمَّ یُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ","وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۖ وَیُرۡسِلُ عَلَیۡكُمۡ حَفَظَةً حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ تَوَفَّتۡهُ رُسُلُنَا وَهُمۡ لَا یُفَرِّطُونَ","ثُمَّ رُدُّوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِ مَوۡلَىٰهُمُ ٱلۡحَقِّۚ أَلَا لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَهُوَ أَسۡرَعُ ٱلۡحَـٰسِبِینَ"],"ayah":"ثُمَّ رُدُّوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِ مَوۡلَىٰهُمُ ٱلۡحَقِّۚ أَلَا لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَهُوَ أَسۡرَعُ ٱلۡحَـٰسِبِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق