الباحث القرآني
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾ يَعْنِي مِنَ التَّكْذِيبِ لَكَ، والكُفْرُ بِي.
﴿فَإنَّهم لا يُكَذِّبُونَكَ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: فَإنَّهم لا يُكَذِّبُونَكَ بِحُجَّةٍ، وإنَّما هو تَكْذِيبُ بُهْتٍ وعِنادٍ، فَلا يَحْزُنْكَ، فَإنَّهُ لا يَضُرُّكَ، قالَهُ أبُو صالِحٍ، وقَتادَةُ، والسُّدِّيُّ.
والثّانِي: فَإنَّهم لا يُكَذِّبُونَ قَوْلَكَ لِعِلْمِهِمْ بِصِدْقِكَ، ولَكِنْ يُكَذِّبُونَ ما جِئْتَ بِهِ، قالَهُ ناجِيَةُ بْنُ كَعْبٍ.
والثّالِثُ: لا يُكَذِّبُونَكَ في السِّرِّ لِعِلْمِهِمْ بِصِدْقِكَ، ولَكِنَّهم يُكَذِّبُونَكَ في العَلانِيَةِ لِعَداوَتِهِمْ لَكَ، قالَهُ الكَلْبِيُّ.
(p-١٠٨)والرّابِعُ: مَعْناهُ أنَّ تَكْذِيبَهم لِقَوْلِكَ لَيْسَ بِتَكْذِيبٍ لَكَ، لِأنَّكَ رَسُولٌ مُبَلِّغٌ، وإنَّما هو تَكْذِيبٌ لِآياتِي الدّالَّةِ عَلى صِدْقِكَ والمُوجِبَةِ لِقَبُولِ قَوْلِكَ، وقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ أيْ يَكْذِبُونَ.
وَقَرَأ نافِعٌ والكِسائِيُّ: ﴿لا يُكَذِّبُونَكَ﴾ وهي قِراءَةٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وتَأْوِيلُها: لا يَجِدُونَكَ كاذِبًا.
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ﴾ يَحْتَمِلُ أرْبَعَةَ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: مَعْناهُ لا مُبْطِلَ لِحُجَّتِهِ ولا دافِعَ لِبُرْهانِهِ.
والثّانِي: مَعْناهُ لا رادَّ لِأمْرِهِ فِيما قَضاهُ مِن نَصْرِ أوْلِيائِهِ، وأوْجَبَهُ مِن هَلاكِ أعْدائِهِ.
والثّالِثُ: مَعْناهُ لا تَكْذِيبَ لِخَبَرِهِ فِيما حَكاهُ مِن نَصْرِ مَن نُصِرَ وهَلاكِ مَن أُهْلِكَ.
والرّابِعُ: مَعْناهُ لا يَشْتَبِهُ ما تَخَرَّصَهُ الكاذِبُونَ عَلَيْهِ بِما بَلَّغَهُ الأنْبِياءُ عَنْهُ.
﴿وَلَقَدْ جاءَكَ مِن نَبَإ المُرْسَلِينَ﴾ فِيما صَبَرُوا عَلَيْهِ مِنَ الأذى، وقُوبِلُوا عَلَيْهِ مِنَ النَّصْرِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَإنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إعْراضُهُمْ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: [إعْراضُهُمْ] عَنْ سَماعِ القُرْآنِ.
والثّانِي: عَنِ اسْتِماعِكَ.
﴿فَإنِ اسْتَطَعْتَ أنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا في الأرْضِ﴾ أيْ سِرْبًا، وهو المَسْلَكُ فِيها، مَأْخُوذٌ مِن نافِقاءِ اليَرْبُوعِ.
﴿أوْ سُلَّمًا في السَّماءِ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: (p-١٠٩)أحَدُها: مِصْعَدًا، قالَهُ السُّدِّيُّ.
والثّانِي: دَرَجًا، قالَهُ قَتادَةُ.
والثّالِثُ: سَبَبًا، قالَهُ الكَلْبِيُّ وقَدْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
؎ ولا لَكُما مَنجًى عَلى الأرْضِ فابْغِيا بِهِ نَفَقًا أوْ في السَّماواتِ سُلَّمًا
﴿فَتَأْتِيَهم بِآيَةٍ﴾ يَعْنِي أفْضَلَ مِن آيَتِكَ ولَنْ تَسْتَطِيعَ ذَلِكَ، لَمْ يُؤْمِنُوا لَكَ، فَلا يُحْزِنُكَ تَكْذِيبُهم وكُفْرُهم، قالَ الفَرّاءُ: وفي الكَلامِ مُضْمَرٌ مَحْذُوفٌ وتَقْدِيرُهُ: فَتَأْتِيهِمْ بِآيَةٍ فافْعَلْ.
﴿وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهم عَلى الهُدى﴾ يَعْنِي بِالإلْجاءِ والِاضْطِرارِ.
قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كُلُّ مَوْضِعٍ قالَ اللَّهُ فِيهِ ﴿وَلَوْ شاءَ اللَّهُ﴾ فَإنَّهُ لَمْ يَشَأْ.
﴿فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الجاهِلِينَ﴾ يَعْنِي تَجْزَعُ في مَواطِنِ الصَّبْرِ، فَتَصِيرُ بِالأسَفِ والتَّحَسُّرِ مُقارِبًا لِأحْوالِ الجاهِلِينَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿إنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ﴾ الِاسْتِجابَةُ هي القَبُولُ، والفَرْقُ بَيْنَها وبَيْنَ الجَوابِ: أنَّ الجَوابَ قَدْ يَكُونُ قَبُولًا وغَيْرَ قَبُولٍ.
وَقَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ يَسْمَعُونَ﴾ فِيهِ تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: يَعْنِي الَّذِينَ يَعْقِلُونَ، قالَهُ الكَلْبِيُّ.
والثّانِي: الَّذِينَ يَسْمَعُونَ طَلَبًا لِلْحَقِّ، لِأنَّ الِاسْتِجابَةَ قَدْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ طَلَبًا لِلْحَقِّ، فَأمّا مَن لا يَسْمَعُ، أوْ يَسْمَعُ لَكِنْ لا بِقَصْدِ طَلَبِ الحَقِّ، فَلا يَكُونُ مِنهُ اسْتِجابَةً.
﴿والمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّ المُرادَ بِالمَوْتى هُنا الكُفّارُ، قالَهُ الحَسَنُ، وقَتادَةُ ومُجاهِدٌ.
(p-١١٠)وَيَكُونُ مَعْنى الكَلامِ: إنَّما يَسْتَجِيبُ المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ، والكُفّارُ لا يَسْمَعُونَ إلّا عِنْدَ مُعايَنَةِ الحَقِّ اضْطِرارًا حِينَ لا يَنْفَعُهم حَتّى يَبْعَثَهُمُ اللَّهُ كُفّارًا ثُمَّ يُحْشَرُونَ كُفّارًا.
والقَوْلُ الثّانِي: أنَّهُمُ المَوْتى الَّذِينَ فَقَدُوا الحَياةَ، وهو مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعالى لِنَبِيِّهِ ﷺ، ويَكُونُ مَعْنى الكَلامِ: كَما أنَّ المَوْتى لا يَسْتَجِيبُونَ حَتّى يَبْعَثَهُمُ اللَّهُ فَكَذَلِكَ الَّذِينَ لا يَسْمَعُونَ.
{"ayahs_start":33,"ayahs":["قَدۡ نَعۡلَمُ إِنَّهُۥ لَیَحۡزُنُكَ ٱلَّذِی یَقُولُونَۖ فَإِنَّهُمۡ لَا یُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِینَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ یَجۡحَدُونَ","وَلَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلࣱ مِّن قَبۡلِكَ فَصَبَرُوا۟ عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا۟ وَأُوذُوا۟ حَتَّىٰۤ أَتَىٰهُمۡ نَصۡرُنَاۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَـٰتِ ٱللَّهِۚ وَلَقَدۡ جَاۤءَكَ مِن نَّبَإِی۟ ٱلۡمُرۡسَلِینَ","وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَیۡكَ إِعۡرَاضُهُمۡ فَإِنِ ٱسۡتَطَعۡتَ أَن تَبۡتَغِیَ نَفَقࣰا فِی ٱلۡأَرۡضِ أَوۡ سُلَّمࣰا فِی ٱلسَّمَاۤءِ فَتَأۡتِیَهُم بِـَٔایَةࣲۚ وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمۡ عَلَى ٱلۡهُدَىٰۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡجَـٰهِلِینَ","۞ إِنَّمَا یَسۡتَجِیبُ ٱلَّذِینَ یَسۡمَعُونَۘ وَٱلۡمَوۡتَىٰ یَبۡعَثُهُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَیۡهِ یُرۡجَعُونَ"],"ayah":"قَدۡ نَعۡلَمُ إِنَّهُۥ لَیَحۡزُنُكَ ٱلَّذِی یَقُولُونَۖ فَإِنَّهُمۡ لَا یُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِینَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ یَجۡحَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق