الباحث القرآني

والثّانِي: أنَّ أهْلَ كُلِّ عَصْرٍ يَخْلُفُ أهْلَ العَصْرِ الَّذِي قَبْلَهُ، كُلَّما مَضى أهْلُ عَصْرٍ خَلَفَهُ أهْلُ عَصْرٍ بَعْدَهُ عَلى انْتِظامٍ، حَتّى تَقُومَ السّاعَةُ عَلى العَصْرِ الأخِيرِ فَلا (p-١٩٧)يُخْلَقُ عَصْرٌ، فَصارَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ خَلَفًا لِلْأُمَمِ الماضِيَةِ. والثّالِثُ: جَعَلَ بَعْضَهم خَلِيفَةً لِبَعْضٍ لِيَتَآلَفُوا بِالتَّعاوُنِ. والرّابِعُ: لِأنَّهم آخِرُ الأُمَمِ وكانُوا خَلَفًا لِمَن تَقَدَّمَهُمْ، قالَ الشَّمّاخُ: ؎ تُصِيبُكم وتُخْطِئُنِي المَنايا وأُخْلَقُ في رُبُوعٍ عَنْ رُبُوعِ ﴿وَرَفَعَ بَعْضَكم فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ﴾ يَعْنِي ما خالَفَ بَيْنَهم في الغِنى بِالمالِ وشَرَفِ الآباءِ وقُوَّةِ الأجْسامِ، وهَذا، وإنِ ابْتَدَأهُ تَفَضُّلًا مِن غَيْرِ جَزاءٍ ولا اسْتِحْقاقٍ، لِحُكْمِهِ مِنهُ تَضَمَّنَتْ تَرْغِيبًا في الأعْلى وتَرْهِيبًا مِنَ الأدْنى، لِتَدُمْ لَهُ الرَّغْبَةُ والرَّهْبَةُ. وَقَدْ نَبَّهَ عَلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿لِيَبْلُوَكم في ما آتاكُمْ﴾ يَعْنِي مِنَ الغِنى والقُوَّةِ وفِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: لِيَخْتَبِرَكم بِالِاعْتِرافِ. ﴿إنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقابِ﴾ فَإنْ قِيلَ: فَكَيْفَ جَعَلَهُ سَرِيعًا وهو في الآخِرَةِ. فَعَنْهُ ثَلاثَةُ أجْوِبَةٍ: أحَدُها: أنَّ كُلَّ آتٍ قَرِيبٌ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَما أمْرُ السّاعَةِ إلا كَلَمْحِ البَصَرِ أوْ هو أقْرَبُ﴾ [النَّحْلَ: ٧٧] . والثّانِي: إنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقابِ في الدُّنْيا لِمَنِ اسْتَحَقَّ مِنهُ تَعْجِيلَ العِقابِ فِيها. والثّالِثُ: أنَّهُ إذا شاءَ عاقَبَ، فَصارَ عِقابُهُ سَرِيعًا لِأنَّهُ يَقْتَرِنُ بِمَشِيئَتِهِ، وهَذا قَوْلُ ابْنِ بَحْرٍ. ﴿وَإنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ جَمْعًا مِنهُ بَيْنَ ما يَقْتَضِي الرَّهْبَةَ مِن سُرْعَةِ العِقابِ وبَيْنَ ما يَقْتَضِي الرَّغْبَةَ مِنَ الغُفْرانِ والرَّحْمَةِ، لِأنَّ الجَمْعَ بَيْنَ الرَّغْبَةِ والرَّهْبَةِ أبْلَغُ في الِانْقِيادِ إلى الطّاعَةِ والإقْلاعِ عَنِ المَعْصِيَةِ، واللَّهُ عَزَّ وجَلَّ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب