الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿مَن جاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثالِها ومَن جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إلا مِثْلَها﴾ في الحَسَنَةِ والسَّيِّئَةِ هُنا قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّ الحَسَنَةَ الإيمانُ، والسَّيِّئَةَ الكُفْرُ، قالَهُ أبُو صالِحٍ. والثّانِي: أنَّهُ عَلى العُمُومِ في الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ أنْ جَعَلَ جَزاءَ الحَسَنَةِ عَشْرَ أمْثالِها تَفَضُّلًا، وجَعَلَ جَزاءَ السَّيِّئَةِ مِثْلَها عَدْلًا، قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أبْعَدَ اللَّهُ مَن غَلَبَتْ واحِدَتُهُ عَشْرًا» . ثُمَّ في ذَلِكَ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ عامٌّ في جَمِيعِ النّاسِ. والثّانِي: أنَّهُ خاصٌّ في الأعْرابِ إذا جاءَ أحَدُهم بِحَسَنَةٍ فَلَهُ عَشْرُ أمْثالِها، فَأمّا غَيْرُهم مِنَ المُهاجِرِينَ فَلِمَن جاءَ مِنهم بِحَسَنَةٍ سَبْعُمِائَةٍ، قالَهُ ابْنُ عُمَرَ، وأبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ. (p-١٩٤)فَأمّا مُضاعَفَةُ الحَسَنَةِ بِعَشْرِ أمْثالِها فَلِأنَّ اللَّهَ فَرَضَ عُشْرَ أمْوالِهِمْ، وكانُوا يَصُومُونَ في كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أيّامٍ وهي البِيضُ مِنهُ، فَكانَ آخِرُ العُشْرِ مِنَ المالِ آخِرَ جَمِيعِ المالِ، وآخِرُ الثَّلاثَةِ الأيّامِ آخَرُ جَمِيعِ الشَّهْرِ. وَأمّا مُضاعَفَةُ ذَلِكَ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ فَلِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوالَهم في سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ في كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ واللَّهُ يُضاعِفُ لِمَن يَشاءُ﴾ [البَقَرَةَ: ٢٦١]، فَضاعَفَ اللَّهُ الحَسَنَةَ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وكانَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ يَقْرَأُ: ﴿فَلَهُ عَشْرُ أمْثالِها﴾ بِالتَّنْوِينِ، ووَجْهُهُ في العَرَبِيَّةِ صَحِيحٌ. وَحَكى ابْنُ بَحْرٍ في الآيَةِ تَأْوِيلًا يَخْرُجُ عَنْ عُمُومِ الظّاهِرِ، وهو أنَّ الحَسَنَةَ اسْمٌ عامٌّ يُطْلَقُ عَلى كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الإيمانِ ويَنْطَلِقُ عَلى عُمُومِهِ، فَإنِ انْطَلَقَتِ الحَسَنَةُ عَلى نَوْعٍ واحِدٍ مِنهُ، فَلَيْسَ لَهُ عَلَيْها مِنَ الثَّوابِ إلّا مَثَلٌ واحِدٌ، وإنِ انْطَلَقَتْ عَلى حَسَنَةٍ تَشْتَمِلُ عَلى نَوْعَيْنِ، كانَ الثَّوابُ عَلَيْها مَثَلَيْنِ كَقَوْلِهِ: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ وآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكم كِفْلَيْنِ مِن رَحْمَتِهِ﴾ [الحَدِيدَ: ٢٨]، والكِفْلُ: النَّصِيبُ كالمَثَلِ، فَجَعَلَ لِمَنِ اتَّقى وآمَنَ بِالرَّسُولِ نَصِيبَيْنِ، نَصِيبًا لِتَقْوى اللَّهِ، ونَصِيبًا لِإيمانِهِ بِرَسُولِهِ، فَدَلَّ عَلى أنَّ الحَسَنَةَ الَّتِي جَعَلَتْ لَها عَشْرَ أمْثالِها هي الَّتِي جَمَعَتْ عَشَرَةَ أنْواعٍ مِنَ الحَسَناتِ، وهو الإيمانُ الَّذِي جَمَعَ اللَّهُ في صِفَتِهِ عَشَرَةَ أنْواعٍ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ المُسْلِمِينَ والمُسْلِماتِ والمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وَأجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحْزابَ: ٣٥]، فَكانَتْ هَذِهِ الأنْواعُ العَشَرَةُ الَّتِي ثَوابُها عَشَرَةُ أمْثالِها، فَيَكُونُ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنها مِثْلٌ، وهَذا تَأْوِيلٌ فاسِدٌ، لِخُرُوجِهِ عَنْ عُمُومِ الظّاهِرِ، لِما لا يَحْتَمِلُهُ تَخْصِيصُ العُمُومِ، لِأنَّ ما جَمَعَ عَشَرَةَ أنْواعٍ فَهو عَشْرُ حَسَناتٍ، فَلَيْسَ يُجْزِي عَنْ حَسَنَةٍ إلّا مِثْلُها، وبَطَلَ أنْ يَكُونَ جَزاءُ الحَسَنَةِ عَشْرَ أمْثالِها. وَذَكَرَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ تَأْوِيلًا ثالِثًا: أنَّ لَهُ عَشْرَ أمْثالِها في النَّعِيمِ والزِّيادَةِ لا في عَظِيمِ المَنزِلَةِ، لِأنَّ مَنزِلَةَ التَّعْظِيمِ لا تُنالُ إلّا بِالطّاعَةِ، وهَذِهِ مُضاعَفَةُ تَفْضِيلٍ كَما قالَ: ﴿لِيُوَفِّيَهم أُجُورَهم ويَزِيدَهم مِن فَضْلِهِ﴾ [فاطِرَ: ٣٠]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب