الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿قُلْ تَعالَوْا أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكم عَلَيْكُمْ﴾ وهَذا أمْرٌ مِنَ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ ﷺ، أنْ يَدْعُوَ النّاسَ إلَيْهِ لِيَتْلُوَ عَلَيْهِمْ ما حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وما أحَلَّهُ لَهم لِيُقْلِعُوا عَمّا كانَتِ الجاهِلِيَّةُ عَلَيْهِ مِن تَحْرِيمِ المُباحِ وإباحَةِ الحَرامِ. والتِّلاوَةُ: هي القِراءَةُ، والفَرْقُ بَيْنَ التِّلاوَةِ والمَتْلُوِّ، والقِراءَةِ والمَقْرُوءِ أنَّ التِّلاوَةَ والقِراءَةَ لِلْمَرَّةِ الأُولى، والمَتْلُوَّ والمَقْرُوءَ لِلثّانِيَةِ وما بَعْدَها، ذَكَرَهُ عَلِيُّ بْنُ عِيسى، والَّذِي أراهُ مِنَ الفَرْقِ بَيْنَهُما أنَّ التِّلاوَةَ والقِراءَةَ يَتَناوَلُ اللَّفْظَ، والمَتْلُوَّ والمَقْرُوءَ يَتَناوَلُ المَلْفُوظَ. ثُمَّ إنَّ اللَّهَ أخَذَ فَيِما حَرَّمَ فَقالَ: ﴿ألا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ يَحْتَمِلُ ثَلاثَةَ أوْجُهٍ: أحَدُها: ألّا تُشْرِكُوا بِعِبادَتِهِ عِبادَةَ غَيْرِهِ مِن شَيْطانٍ أوْ وثَنٍ. والثّالِثُ: أنْ يَحْمِلَ الأمْرَيْنِ مَعًا. ثُمَّ قالَ: ﴿وَبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا﴾ تَقْدِيرُهُ: وأُوصِيكم بِالوالِدَيْنِ إحْسانًا، والإحْسانُ تَأْدِيَةُ حُقُوقِهِما ومُجانَبَةُ عُقُوقِهِما والمُحافَظَةُ عَلى بَرِّهِما. ﴿وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكم مِن إمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكم وإيّاهُمْ﴾ وذَلِكَ أنَّهم كانُوا في الجاهِلِيَّةِ يَقْتُلُونَ أوْلادَهم خَشْيَةَ الإمْلاقِ. وَفي الإمْلاقِ قَوْلانِ: (p-١٨٦)أحَدُهُما: أنَّهُ الإفْلاسُ، ومِنهُ المَلْقُ لِأنَّهُ اجْتِهادُ المُفْلِسِ في التَّقْرِيبِ إلى الغِنى طَمَعًا في تَأْجِيلِهِ. والثّانِي: أنَّ الإمْلاقَ ومَعْناهُما قَرِيبٌ وإنْ كانَ بَيْنَهُما فَرْقٌ، وهَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ، وقَتادَةَ، والسُّدِّيِّ، والضَّحّاكِ، وابْنِ جُرَيْجٍ. ثُمَّ ذَكَرَ فَسادَ اعْتِقادِهِمْ في الإمْلاقِ بِأنْ قالَ: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكم وإيّاهُمْ﴾ لِأنَّ رِزْقَ العِبادِ كُلِّهِمْ، مِن كَفِيلٍ ومَكْفُولٍ، عَلى خالِقِهِمْ. ثُمَّ قالَ: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وما بَطَنَ﴾ وفِيها أرْبَعَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: أنَّ ذَلِكَ عامٌّ في جَمِيعِ الفَواحِشِ سِرِّها وعَلانِيَتِها، قالَهُ قَتادَةُ. والثّانِي: أنَّهُ خاصٌّ في الزِّنى، ما ظَهَرَ مِنها: ذَواتُ الحَوانِيتِ، وما بَطَنَ: ذَواتُ الِاسْتِسْرارِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والحَسَنُ، والسُّدِّيُّ. والثّالِثُ: ما ظَهَرَ مِنها: نِكاحُ المُحَرَّماتِ، وما بَطَنَ: الزِّنى، قالَهُ مُجاهِدٌ، وابْنُ جُبَيْرٍ. والرّابِعُ: أنَّ ما ظَهَرَ مِنها: الخَمْرُ، وما بَطَنَ مِنها: الزِّنى، قالَهُ الضَّحّاكُ. وَقَدْ ذَكَرْنا فِيهِ احْتِمالَ تَأْوِيلٍ خامِسٍ: أنَّ ما ظَهَرَ مِنها أفْعالُ الجَوارِحِ، وما بَطَنَ مِنها اعْتِقادُ القُلُوبِ. ثُمَّ قالَ: ﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالحَقِّ﴾ والنُّفُوسُ المُحَرَّمَةُ: نَفْسُ مُسْلِمٍ، أوْ مُعاهِدٍ، والحَقُّ الَّذِي تُقْتَلُ بِهِ النَّفْسُ ما بَيَّنَهُ النَّبِيُّ ﷺ بِقَوْلِهِ: «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلّا بِإحْدى ثَلاثٍ: كُفْرٌ بَعْدَ إيمانٍ، أوْ زِنًى بَعْدَ إحْصانٍ، أوْ قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ» . ثُمَّ قالَ: ﴿ذَلِكم وصّاكم بِهِ﴾ يَعْنِي أنَّ اللَّهَ وصّى عِبادَهُ بِذَلِكَ، ووَصِيَّةُ اللَّهِ واجِبَةٌ. (p-١٨٧)ثُمَّ قالَ: ﴿لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: تَعْقِلُونَ تَحْرِيمَ ذَلِكَ عَلَيْكم وتَعْلَمُونَهُ. والثّانِي: تَعْمَلُونَ عَمَلَ مَن يَعْقِلُ وهو تَرْكُ ما أوْجَبَ العِقابَ مِن هَذِهِ المُحَرَّماتِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب