﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَن حادَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: مَن حارَبَ اللَّهَ ورَسُولَهُ، قالَهُ قَتادَةُ والفَرّاءُ.
الثّانِي: مَن خالَفَ اللَّهَ ورَسُولَهُ، قالَهُ الكَلْبِيُّ.
الثّالِثُ: مَن عادى اللَّهَ ورَسُولَهُ، قالَهُ مُقاتِلٌ.
﴿وَلَوْ كانُوا آباءَهم أوْ أبْناءَهم أوْ إخْوانَهم أوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ اخْتُلِفَ فِيمَن نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِيهِ عَلى ثَلاثَةِ أقاوِيلَ:
أحَدُها: ما قالَهُ ابْنُ شَوْذَبٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في أبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الجَرّاحِ قَتَلَ أباهُ الجَرّاحَ يَوْمَ بَدْرٍ، جَعَلَ يَتَصَدّى لَهُ، وجَعَلَ أبُو عُبَيْدَةَ يَحِيدُ عَنْهُ، فَلَمّا أكْثَرَ قَصَدَ إلَيْهِ أبُو عُبَيْدَةَ فَقَتَلَهُ.
(p-٤٩٦)وَرَوى سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ أنَّهُ قالَ: لَوْ كانَ أبُو عُبَيْدَةَ حَيًّا لاسْتَخارَهُ، قالَ سَعِيدٌ: وفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.
وَفِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ خارِجٌ مَخْرَجَ النَّهْيِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أنْ يُوادُّوا مَن حادَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ.
الثّانِي: أنَّهُ خارِجٌ مَخْرَجَ الصِّفَةِ لَهم والمَدْحِ بِأنَّهم لا يُوادُّونَ مَن حادَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ، وكانَ هَذا مَدْحًا.
﴿أُولَئِكَ كَتَبَ في قُلُوبِهِمُ الإيمانَ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: مَعْناهُ جَعَلَ في قُلُوبِهِمُ الإيمانَ وأثْبَتَهُ، قالَ السُّدِّيُّ: فَصارَ كالمَكْتُوبِ.
الثّانِي: كَتَبَ في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ أنَّ في قُلُوبِهِمُ الإيمانَ.
الثّالِثُ: حَكَمَ لِقُلُوبِهِمْ بِالإيمانِ.
الرّابِعُ: أنَّهُ جَعَلَ في قُلُوبِهِمْ سِمَةً لِلْإيمانِ عَلى أنَّهم مِن أهْلِ الإيمانِ، حَكاهُ ابْنُ عِيسى.
﴿وَأيَّدَهم بِرُوحٍ مِنهُ﴾ فِيهِ خَمْسَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: أعانَهم بِرَحْمَتِهِ، قالَهُ السُّدِّيُّ.
الثّانِي: أيَّدَهم بِنَصْرِهِ حَتّى ظَفَرُوا.
الثّالِثُ: رَغَّبَهم في القُرْآنِ حَتّى آمَنُوا.
الرّابِعُ: قَوّاهم بِنُورِ الهُدى حَتّى صَبَرُوا.
الخامِسُ: قَوّاهم بِجِبْرِيلَ يَوْمَ بَدْرٍ.
﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ يَعْنِي في الدُّنْيا بِطاعَتِهِمْ.
﴿وَرَضُوا عَنْهُ﴾ فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: رَضُوا عَنْهُ في الآخِرَةِ بِالثَّوابِ.
الثّانِي: رَضُوا عَنْهُ في الدُّنْيا بِما قَضاهُ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَكْرَهُوهُ.
﴿أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ﴾ فِيهِمْ وجْهانِ: (p-٤٩٧)أحَدُهُما: أنَّهم مِن عُصْبَةِ اللَّهِ فَلا تَأْخُذُهم لَوْمَةُ لائِمٍ.
الثّانِي: أنَّهم أنْصارُ حَقِّهِ ورُعاةُ خَلْقِهِ وهو مُحْتَمَلٌ.
القَوْلُ الثّانِي: ما رَوى ابْنُ جُرَيْجٍ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وقَدْ «سَمِعَ أباهُ أبا قُحافَةَ يَسُبُّ النَّبِيَّ ﷺ فَصَكَّهُ أبُو بَكْرٍ صَكَّةً فَسَقَطَ عَلى وجْهِهِ، فَقالَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقالَ: (أوَفَعَلْتَهُ؟ لا تَعُدْ إلَيْهِ يا أبا بَكْرٍ) فَقالَ واللَّهِ لَوْ كانَ السَّيْفُ قَرِيبًا مِنِّي لَضَرَبْتُهُ بِهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.
»
القَوْلُ الثّالِثُ: ما حَكى الكَلْبِيُّ ومُقاتِلٌ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في حاطِبِ بْنِ أبِي بَلْتَعَةَ وقَدْ كَتَبَ إلى أهْلِ مَكَّةَ يُنْذِرُهم بِمَسِيرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلَيْهِمْ عامَ الفَتْحِ.
{"ayahs_start":20,"ayahs":["إِنَّ ٱلَّذِینَ یُحَاۤدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ فِی ٱلۡأَذَلِّینَ","كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِیۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِیٌّ عَزِیزࣱ","لَّا تَجِدُ قَوۡمࣰا یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ یُوَاۤدُّونَ مَنۡ حَاۤدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوۤا۟ ءَابَاۤءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَاۤءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَ ٰنَهُمۡ أَوۡ عَشِیرَتَهُمۡۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَتَبَ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِیمَـٰنَ وَأَیَّدَهُم بِرُوحࣲ مِّنۡهُۖ وَیُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۚ رَضِیَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُوا۟ عَنۡهُۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ أَلَاۤ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ"],"ayah":"لَّا تَجِدُ قَوۡمࣰا یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ یُوَاۤدُّونَ مَنۡ حَاۤدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوۤا۟ ءَابَاۤءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَاۤءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَ ٰنَهُمۡ أَوۡ عَشِیرَتَهُمۡۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَتَبَ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِیمَـٰنَ وَأَیَّدَهُم بِرُوحࣲ مِّنۡهُۖ وَیُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۚ رَضِیَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُوا۟ عَنۡهُۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ أَلَاۤ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ"}