الباحث القرآني

﴿وَأنْفِقُوا مِمّا جَعَلَكم مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ تَحْتَمِلُ هَذِهِ النَّفَقَةُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنْ تَكُونَ الزَّكاةُ المَفْرُوضَةُ. والثّانِي: أنْ يَكُونَ غَيْرُها مِن وُجُوهِ الطّاعاتِ. وَفِي ﴿مِمّا جَعَلَكم مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ قَوْلانِ: أحَدُهُما: يَعْنِي مِمّا جَعَلَكم مُعَمِّرِينَ فِيهِ بِالرِّزْقِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّانِي: مِمّا جَعَلَكم مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ بِوِراثَتِكم لَهُ عَمَّنْ قَبْلَكم، قالَهُ الحَسَنُ. وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: مِمّا جَعَلَكم مُسْتَخْلَفِينَ عَلى القِيامِ بِأداءِ حُقُوقِهِ. ﴿وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: مَعْناهُ ولِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ. الثّانِي: أنَّهُما راجِعانِ إلَيْهِ بِانْقِباضِ مَن فِيهِما كَرُجُوعِ المِيراثِ إلى المُسْتَحِقِّ. ﴿لا يَسْتَوِي مِنكم مَن أنْفَقَ مِن قَبْلِ الفَتْحِ وقاتَلَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: لا يَسْتَوِي مَن أسْلَمَ مِن قَبْلِ فَتْحِ مَكَّةَ وقاتَلَ ومَن أسْلَمَ بَعْدَ فَتْحِها وقاتَلَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ. الثّانِي: يَعْنِي مَن أنْفَقَ مالَهُ في الجِهادِ وقاتَلَ، قالَهُ قَتادَةُ. وَفي هَذا الفَتْحِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: فَتْحُ مَكَّةَ، قالَهُ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ. الثّانِي: فَتْحُ الحُدَيْبِيَةِ، قالَهُ الشَّعْبِيُّ، قالَ قَتادَةُ: كانَ قِتالانِ أحَدُهُما أفْضَلُ مِنَ الآخِرِ، وكانَتْ نَفَقَتانِ إحْداهُما أفْضَلُ مِنَ الأُخْرى، كانَ القِتالُ والنَّفَقَةُ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ أفْضَلُ مِنَ القِتالِ والنَّفَقَةِ بَعْدَ ذَلِكَ. ﴿وَكُلا وعَدَ اللَّهُ الحُسْنى﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّ الحُسْنى الحَسَنَةُ، قالَهُ مُقاتِلٌ. الثّانِي: الجَنَّةُ، قالَهُ مُجاهِدٌ. وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: أنَّ الحُسْنى القَبُولُ والجَزاءُ. (p-٤٧٢)﴿مَن ذا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ فِيهِ خَمْسَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّ القَرْضَ الحَسَنَ هو أنْ يَقُولَ: سُبْحانَ اللَّهِ والحَمْدُ لِلَّهِ ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللَّهِ واللَّهُ أكْبَرُ، رَواهُ سُفْيانُ عَنِ ابْنِ حَيّانَ. الثّانِي: أنَّهُ النَّفَقَةُ عَلى الأهْلِ، قالَهُ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ. الثّالِثُ: أنَّهُ التَّطَوُّعُ بِالعِباداتِ، قالَهُ الحَسَنُ. الرّابِعُ: أنَّهُ عَمَلُ الخَيْرِ، والعَرَبُ تَقُولُ لِي عِنْدَ فُلانٍ قَرْضُ صِدْقٍ أوْ قَرْضُ سُوءٍ، إذا فَعَلَ بِهِ خَيْرًا أوْ شَرًّا، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرُ ؎ وتَجْزِي سَلامًا مِن مُقَدَّمِ قَرْضِها بِما قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ وأزَلَّتْ الخامِسُ: أنَّهُ النَّفَقَةُ في سَبِيلِ اللَّهِ، قالَهُ مُقاتِلُ بْنُ حَيّانَ. وَفي قَوْلِهِ: ﴿حَسَنًا﴾ وجْهانِ: أحَدُهُما: طَيِّبَةٌ بِها نَفْسُهُ، قالَهُ مُقاتِلٌ. الثّانِي: مُحْتَسِبًا لَها عِنْدَ اللَّهِ، قالَهُ الكَلْبِيُّ، وسُمِّيَ قَرْضًا لِاسْتِحْقاقِ ثَوابِهِ، قالَهُ لَبِيدٌ ؎ وإذا جُوزِيتَ قَرْضًا فاجْزِهِ ∗∗∗ إنَّما يَجْزِي الفَتى لَيْسَ الجَمَلْ وَفِي تَسْمِيَتِهِ ﴿حَسَنًا﴾ وجْهانِ: أحَدُهُما: لِصَرْفِهِ في وُجُوهٍ حَسَنَةٍ. الثّانِي: لِأنَّهُ لا مَنٌّ فِيهِ ولا أذًى. ﴿فَيُضاعِفَهُ لَهُ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: فَيُضاعِفُ القَرْضَ لِأنَّ جَزاءَ الحَسَنَةِ عَشْرُ أمْثالِها. الثّانِي: فَيُضاعِفُ الثَّوابَ تَفَضُّلًا بِما لا نِهايَةَ لَهُ. ﴿وَلَهُ أجْرٌ كَرِيمٌ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: لَمْ يَتَذَلَّلْ في طَلَبِهِ. الثّانِي: لِأنَّهُ كَرِيمُ الخَطْرِ. الثّالِثُ: أنَّ صاحِبَهُ كَرِيمٌ. فَلَمّا سَمِعَها أبُو الدَّحْداحِ تَصَدَّقَ بِحَدِيقَةٍ فَكانَ أوَّلَ مَن تَصَدَّقَ بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ. (p-٤٧٣)وَرَوى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ «أنَّ اليَهُودَ أتَتِ النَّبِيَّ ﷺ عِنْدَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ، فَقالُوا يا مُحَمَّدُ، أفَقِيرٌ رَبُّكَ يَسْألُ عِبادَهُ القَرْضَ؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ﴾ الآيَةَ. » ﴿يَوْمَ تَرى المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهم بَيْنَ أيْدِيهِمْ وبِأيْمانِهِمْ﴾ وفي نُورِهِمْ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: أنَّهُ ضِياءٌ يُعْطِيهِمُ اللَّهُ إيّاهُ ثَوابًا وتَكْرُمَةً، وهَذا مَعْنى قَوْلِ قَتادَةَ. الثّانِي: أنَّهُ هَداهُمُ الَّذِي قَضاهُ لَهم، قالَهُ الضَّحّاكُ. الثّالِثُ: أنَّهُ نُورُ أعْمالِهِمْ وطاعَتِهِمْ. قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: ونُورُهم عَلى قَدْرِ أعْمالِهِمْ يَمُرُّونَ عَلى الصِّراطِ مِنهم مَن نُورُهُ مِثْلَ النَّخْلَةِ، وأدْناهم نُورًا مَن نُورُهُ عَلى إبْهامِ رِجْلِهِ يُوقِدُ تارَةً ويُطْفَأُ أُخْرى. وَقالَ الضَّحّاكُ: لَيْسَ أحَدٌ يُعْطى يَوْمَ القِيامَةِ نُورًا، فَإذا انْتَهَوْا إلى الصِّراطِ أُطْفِئَ نُورُ المُنافِقِينَ، فَلَمّا رَأى ذَلِكَ المُؤْمِنُونَ أشْفَقُوا أنْ يَنْطَفِئَ نُورُهم كَما طُفِئَ نُورُ المُنافِقِينَ، فَقالُوا: ﴿رَبَّنا أتْمِمْ لَنا نُورَنا﴾ وفي قَوْلِهِ ﴿بَيْنَ أيْدِيهِمْ﴾ وجْهانِ: أحَدُهُما: لِيَسْتَضِيئُوا بِهِ عَلى الصِّراطِ، قالَهُ الحَسَنُ. والثّانِي: لِيَكُونَ لَهم دَلِيلًا إلى الجَنَّةِ، قالَهُ مُقاتِلٌ. وَفي قَوْلِهِ " بِأيْمانِهِمْ " في الصَّدَقاتِ والزَّكَواتِ وسُبُلِ الخَيْرِ. الرّابِعُ: بِإيمانِهِمْ في الدُّنْيا وتَصْدِيقِهِمْ بِالجَزاءِ، قالَهُ مُقاتِلٌ. قَوْلُهُ تَعالى ﴿بُشْراكُمُ اليَوْمَ جَنّاتٌ﴾ فِيهِ وجْهانِ: (p-٤٧٤)أحَدُهُما: أنَّ نُورَهم هو بُشْراهم بِالجَنّاتِ. الثّانِي: هي بُشْرى مِنَ المَلائِكَةِ يَتَلَقَّوْنَهم بِها في القِيامَةِ، قالَهُ الضَّحّاكُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب