الباحث القرآني

﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ إنْكارٌ أنْ يُقْسِمَ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِن مَخْلُوقاتِهِ، قالَ الضَّحّاكُ: إنَّ اللَّهَ لا يُقْسِمُ بِشَيْءٍ مِن خَلْقِهِ ولَكِنَّهُ اسْتِفْتاحٌ يَفْتَتِحُ بِهِ كَلامَهُ. الثّانِي: أنَّهُ يَجُوزُ أنْ يُقْسِمَ الخالِقُ بِالمَخْلُوقاتِ تَعْظِيمًا مِنَ الخالِقِ لِما أقْسَمَ بِهِ مِن مَخْلُوقاتِهِ. فَعَلى هَذا في قَوْلِهِ: ﴿فَلا أُقْسِمُ﴾ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّ (لا) صِلَةٌ زائِدَةٌ، ومَعْناهُ أُقْسِمُ. الثّانِي: أنَّ قَوْلَهُ ﴿فَلا﴾ راجِعٌ إلى ما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، ومَعْناهُ فَلا تُكَذِّبُوا ولا تَجْحَدُوا ما ذَكَرْتُهُ مِن نِعْمَةٍ وأظْهَرْتُهُ مِن حُجَّةٍ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ كَلامَهُ فَقالَ ﴿أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ﴾ وفِيها سِتَّةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّها مَطالِعُها ومَساقِطُها، قالَهُ مُجاهِدٌ. (p-٤٦٣)الثّانِي: انْتِشارُها يَوْمَ القِيامَةِ وانْكِدارُها، قالَهُ الحَسَنُ. الثّالِثُ: أنَّ مَواقِعَ النُّجُومِ السَّماءُ، قالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ. الرّابِعُ: أنَّ مَواقِعَ النُّجُومِ الأنْواءُ الَّتِي كانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ إذا مُطِرُوا قالُوا: مُطِرْنا بِنَوْءِ كَذا، قالَهُ الضَّحّاكُ، ويَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿فَلا أُقْسِمُ﴾ مُسْتَعْمَلًا عَلى حَقِيقَتِهِ في نَفْيِ القَسَمِ بِها. الخامِسُ: أنَّها نَجُومُ القُرْآنِ أنْزَلَها اللَّهُ مِنَ اللَّوْحِ المَحْفُوظِ مِنَ السَّماءِ العُلْيا إلى السَّفَرَةِ الكِرامِ الكاتِبِينَ في السَّماءِ الدُّنْيا، فَنَجَّمَهُ السَّفَرَةُ عَلى جِبْرِيلَ عِشْرِينَ لَيْلَةً، ونَجَّمَهُ جِبْرِيلُ عَلى مُحَمَّدٍ ﷺ عِشْرِينَ سَنَةً، فَهو يُنْزِلُهُ عَلى الأحْداثِ في أُمَّتِهِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ والسُّدِّيُّ. السّادِسُ: أنَّ مَواقِعَ النُّجُومِ هو مُحْكَمُ القُرْآنِ، حَكاهُ الفَرّاءُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. ﴿وَإنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّ القُرْآنَ قَسَمٌ عَظِيمٌ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: أنَّ الشِّرْكَ بِآياتِهِ جُرْمٌ عَظِيمٌ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والضَّحّاكُ. وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: أنَّ ما أقْسَمَ اللَّهُ بِهِ عَظِيمٌ. ﴿إنَّهُ لَقُرْآنٌ﴾ يَعْنِي أنَّ هَذا القُرْآنَ كَرِيمٌ، وفِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: كَرِيمٌ عِنْدَ اللَّهِ. الثّانِي: عَظِيمُ النَّفْعِ لِلنّاسِ. الثّالِثُ: كَرِيمٌ بِما فِيهِ مِن كَرائِمِ الأخْلاقِ ومَعالِي الأُمُورِ. وَيَحْتَمِلُ أيْضًا رابِعًا: لِأنَّهُ يُكْرِمُ حافِظَهُ ويُعَظِّمُ قارِئَهُ. ﴿فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ﴾ وفِيهِ أرْبَعَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ كِتابٌ في السَّماءِ وهو اللَّوْحُ المَحْفُوظُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وجابِرُ بْنُ زَيْدٍ. الثّانِي: التَّوْراةُ والإنْجِيلُ فِيهِما ذِكْرُ القُرْآنِ وذِكْرُ مَن يَنْزِلُ عَلَيْهِ، قالَهُ عِكْرِمَةُ. الثّالِثُ: أنَّهُ الزَّبُورُ. الرّابِعُ: أنَّهُ المُصْحَفُ الَّذِي في أيْدِينا، قالَهُ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ. (p-٤٦٤)وَفِي ﴿مَكْنُونٍ﴾ وجْهانِ: أحَدُهُما: مَصُونٌ، وهو مَعْنى قَوْلِ مُجاهِدٍ. الثّانِي: مَحْفُوظٌ عَنِ الباطِلِ، قالَهُ يَعْقُوبُ بْنُ مُجاهِدٍ. وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: أنَّ مَعانِيَهِ مَكْنُونَةٌ فِيهِ. ﴿لا يَمَسُّهُ إلا المُطَهَّرُونَ﴾ تَأْوِيلُهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الكِتابِ، فَإنْ قِيلَ: إنَّهُ كِتابٌ في السَّماءِ فَفي تَأْوِيلِهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: لا يَمَسُّهُ في السَّماءِ إلّا المَلائِكَةُ المُطَهَّرُونَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. الثّانِي: لا يُنْزِلُهُ إلّا الرُّسُلُ مِنَ المَلائِكَةِ إلى الرُّسُلِ مِنَ الأنْبِياءِ، قالَهُ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ. وَإنْ قِيلَ إنَّهُ المُصْحَفُ الَّذِي في أيْدِينا فَفي تَأْوِيلِهِ سِتَّةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: لا يَمَسُّهُ بِيَدِهِ إلّا المُطَهَّرُونَ مِنَ الشِّرْكِ، قالَهُ الكَلْبِيُّ. الثّانِي: إلّا المُطَهَّرُونَ مِنَ الذُّنُوبِ والخَطايا قالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أنَسٍ. الثّالِثُ: إلّا المُطَهَّرُونَ مِنَ الأحْداثِ والأنْجاسِ، قالَهُ قَتادَةُ. الرّابِعُ: لا يَجِدُ طَعْمَ نَفْعِهِ إلّا المُطَهَّرُونَ أيِ المُؤْمِنُونَ بِالقُرْآنِ، حَكاهُ الفَرّاءُ. الخامِسُ: لا يَمَسُّ ثَوابَهُ إلّا المُؤْمِنُونَ، رَواهُ مُعاذٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. السّادِسُ: لا يَلْتَمِسْهُ إلّا المُؤْمِنُونَ، قالَهُ ابْنُ بَحْرٍ. ﴿أفَبِهَذا الحَدِيثِ أنْتُمْ مُدْهِنُونَ﴾ يَعْنِي بِهَذا الحَدِيثِ القُرْآنَ الَّذِي لا يَمَسُّهُ إلّا المُطَهَّرُونَ. وَفي قَوْلِهِ مُدْهِنُونَ أرْبَعَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: مُكَذِّبُونَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: مُعْرِضُونَ، قالَهُ الضَّحّاكُ. (p-٤٦٥)الثّالِثُ: مُمالِئُونَ الكُفّارَ عَلى الكُفْرِ بِهِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الرّابِعُ: مُنافِقُونَ في التَّصْدِيقِ بِهِ حَكاهُ ابْنُ عِيسى، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ ؎ لَبَعْضُ الغُشْمِ أبْلَغُ في أُمُورٍ تَنُوبُكَ مِن مُداهَنَةِ العَدُوِّ ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكم أنَّكم تُكَذِّبُونَ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ الِاسْتِسْقاءُ بِالأنْواءِ وهو قَوْلُ العَرَبِ مُطِرْنا بِنَوْءِ كَذا، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ ورَواهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. الثّانِي: الِاكْتِسابُ بِالسِّحْرِ، قالَهُ عِكْرِمَةُ. الثّالِثُ: هو أنْ يَجْعَلُوا شُكْرَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهم تَكْذِيبُ رُسُلِهِ والكُفْرُ بِهِ، فَيَكُونُ الرِّزْقُ الشُّكْرُ، وقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَرَأ ( وتَجْعَلُونَ شُكْرَكم أنَّكم تُكَذِّبُونَ)» ويَحْتَمِلُ رابِعًا: أنَّهُ ما يَأْخُذُهُ الأتْباعُ مِنَ الرُّؤَساءِ عَلى تَكْذِيبِ النَّبِيِّ ﷺ والصَّدِّ عَنْهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب