الباحث القرآني

(p-٣٧٦)سُورَةُ الطُّورِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿والطُّورِ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ اسْمٌ لِلْجَبَلِ بِالسُّرْيانِيَّةِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. قالَ مُقاتِلٌ: يُسَمّى هَذا الطُّورُ زَبِيرَ. الثّانِي: أنَّ الطُّورَ ما أنْبَتَ، وما لا يُنْبِتُ فَلَيْسَ بِطُورٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وقالَ الشّاعِرُ ؎ لَوْ مَرَّ بِالطُّورِ بَعْضُ ناعِقَةٍ ما أنْبَتَ الطُّورُ فَوْقَهُ ورَقَةً (p-٣٧٧)ثُمَّ في هَذا الطُّورِ الَّذِي أقْسَمَ اللَّهُ بِهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ طُورُ سَيْناءَ، قالَهُ السُّدِّيُّ. الثّانِي: أنَّهُ الطُّورُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسى، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. الثّالِثُ: أنَّهُ جَبَلٌ مُبْهَمٌ، قالَهُ الكَلْبِيُّ. وَأقْسَمَ اللَّهُ بِهِ تَذْكِيرًا بِما فِيهِ مِنَ الدَّلائِلِ. وَقالَ بَعْضُ المُتَعَمِّقَةِ: إنَّ الطُّورَ ما يُطْوى عَلى قُلُوبِ الخائِفِينَ. ﴿وَكِتابٍ مَسْطُورٍ﴾ أيْ مَكْتُوبٍ، وفِيهِ أرْبَعَةِ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ الكِتابُ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ في السَّماءِ يَقْرَؤُونَ فِيهِ ما كانَ وما يَكُونُ. الثّانِي: أنَّهُ القُرْآنُ مَكْتُوبٌ عِنْدَ اللَّهِ في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ. الثّالِثُ: هي صَحائِفُ الأعْمالِ فَمَن آخِذٌ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ، ومَن آخِذٌ كِتابَهُ بِشِمالِهِ، قالَهُ الفَرّاءُ. الرّابِعُ: التَّوْراةُ قالَهُ ابْنُ بَحْرٍ. ﴿فِي رَقٍّ مَنشُورٍ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: الصَّحِيفَةُ المَبْسُوطَةُ وهي الَّتِي تُخْرِجُ لِلنّاسِ أعْمالَهم، وكُلُّ صَحِيفَةٍ فَهي رَقٌّ لِرِقَّةِ حَواشِيها، قالَ المُتَلَمِّسُ ؎ فَكَأنَّما هي مِن تَقادُمِ عَهْدِها ∗∗∗ رَقٌّ أُتِيحَ كِتابُها مَسْطُورُ الثّانِي: هو ورَقٌ مَكْتُوبٌ، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ. الثّالِثُ: هو ما بَيْنَ الَمَشْرِقِ والمَغْرِبِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. (p-٣٧٨)﴿والبَيْتِ المَعْمُورِ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: ما رَوى قَتادَةُ عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ عَنْ مالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « (أُتِيَ بِي إلى السَّماءِ فَرُفِعَ لَنا البَيْتُ المَعْمُورُ، فَإذا هو حِيالَ الكَعْبَةِ، لَوْ خَرَّ خَّرَّ عَلَيْها، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ، إذا خَرَجُوا مِنهُ لَمْ يَعُودُوا إلَيْهِ» قالَهُ عَلِيٌّ وابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: ما قالَهُ السُّدِّيُّ: أنَّ البَيْتَ المَعْمُورَ، هو بَيْتٌ فَوْقَ سِتِّ سَمَواتٍ، ودُونَ السّابِعَةِ، يُدْعى الضُّراحَ، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ مِن قَبِيلَةِ إبْلِيسَ لا يَرْجِعُونَ إلَيْهِ أبَدًا، وهو بِحِذاءِ البَيْتِ العَتِيقِ. الثّالِثُ: ما قالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أنَسٍ، أنَّ البَيْتَ المَعْمُورَ كانَ في الأرْضِ في مَوْضِعِ الكَعْبَةِ في زَمانِ آدَمَ، حَتّى إذا كانَ زَمانُ نُوحٍ أمَرَهم أنْ يَحُجُّوا، فَأبَوْا عَلَيْهِ وعَصَوْهُ، فَلَمّا طَغى الماءُ رُفِعَ فَجُعِلَ بِحِذائِهِ في السَّماءِ الدُّنْيا، فَيُعَمِّرُهُ، فَبَوَّأ اللَّهُ لِإبْراهِيمَ الكَعْبَةَ البَيْتَ الحَرامَ حَيْثُ كانَ، قالَ اللَّهُ تَعالى ﴿وَإذْ بَوَّأْنا لإبْراهِيمَ مَكانَ البَيْتِ﴾ الآيَةَ. الرّابِعُ: ما قالَهُ الحَسَنُ أنَّ البَيْتَ المَعْمُورَ هو البَيْتُ الحَرامُ. وَفِي ﴿المَعْمُورِ﴾ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ مَعْمُورٌ بِالقَصْدِ إلَيْهِ. الثّانِي: بِالمُقامِ عَلَيْهِ، قالَ الشّاعِرُ ؎ عَمَّرَ البَيْتَ عامِرٌ ∗∗∗ إذْ أتَتْهُ جَآذِرُ ∗∗∗ مِن ظِباءٍ رَوائِحُ ∗∗∗ وظِباءٌ تُباكِرُ وَتَأوَّلَ سَهْلٌ أنَّهُ القَلْبُ، عِمارَتُهُ إخْلاصُهُ، وهو بَعِيدٌ. ﴿والسَّقْفِ المَرْفُوعِ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ السَّماءُ، قالَهُ عَلِيٌّ. الثّانِي: أنَّهُ العَرْشُ، قالَهُ الرَّبِيعُ. ﴿والبَحْرِ المَسْجُورِ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ جَهَنَّمُ، رَواهُ صَفْوانُ بْنُ يَعْلى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. الثّانِي: هو بَحْرٌ تَحْتَ العَرْشِ، رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الثّالِثُ: هو بَحْرُ الأرْضِ، وهو الظّاهِرُ. (p-٣٧٩)وَفِي قَوْلِهِ ﴿المَسْجُورِ﴾ سَبْعَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: المَحْبُوسُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ والسُّدِّيُّ. الثّانِي: أنَّهُ المُرْسَلُ، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. الثّالِثُ: المُوقَدُ نارًا، قالَهُ مُجاهِدٌ. الرّابِعُ: أنَّهُ المُمْتَلِئُ، قالَهُ قَتادَةُ. الخامِسُ: أنَّهُ المُخْتَلِطُ، قالَهُ ابْنُ بَحْرٍ. السّادِسُ: أنَّهُ الَّذِي قَدْ ذَهَبَ ماؤُهُ ويَبُسَ، رَواهُ ابْنُ أبِي وحْشِيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. السّابِعُ: هو الَّذِي لا يُشْرَبُ مِن مائِهِ ولا يُسْقى بِهِ زَرْعٌ، قالَهُ العَلاءُ بْنُ زَيْدٍ. هَذا آخِرُ القَسَمِ، وجَوابُهُ: ﴿إنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ﴾ رَوى الكَلْبِيُّ: «أنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعَمٍ قَدِمَ المَدِينَةَ لِيَفْدِي حِرِّيفًا لَهُ يُقالُ لَهُ مالِكٌ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَوَجَدَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ في صَلاةِ [المَغْرِبِ] يَقْرَأُ ﴿والطُّورِ﴾ فَجَلَسَ مُسْتَمِعًا، حَتّى بَلَغَ قَوْلَهُ تَعالى ﴿إنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ﴾ فَأسْلَمَ جُبَيْرٌ خَوْفًا مِنَ العَذابِ، وجَعَلَ يَقُولُ: ما كُنْتُ أظُنُّ أنْ أقُومَ مِن مَقامِي، حَتّى يَقَعَ بِي العَذابُ. » ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْرًا﴾ فِيهِ سَبْعَةُ تَأْوِيلاتٍ أحَدُها: مَعْناهُ تَدُورُ دَوْرًا، قالَهُ مُجاهِدٌ، قالَ طَرْفَةُ بْنُ العَبْدِ ؎ صُهابِيَّةُ العُثْنُونِ مُوجَدَةُ القَرا ∗∗∗ بَعِيدَةُ وخْدِ الرِّجْلِ مَوّارَةُ اليَدِ. الثّانِي: تَمُوجُ مَوْجًا، قالَهُ الضَّحّاكُ. الثّالِثُ: تَشَقَّقُ السَّماءُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ لِقَوْلِهِ تَعالى فَإذا بُسَّتِ الجِبالُ بَسًّا الآيَةَ. الرّابِعُ: تَجْرِي السَّماءُ جَرْيًا، ومِنهُ قَوْلُ جَرِيرٍ ؎ وما زالَتِ القَتْلى تَمُورُ دِماؤُها ∗∗∗ بِدِجْلَةَ حَتّى ماءُ دِجْلَةَ أُشْكِلَ الخامِسُ: تَتَكَفَّأُ بِأهْلِها، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ وأنْشَدَ بَيْتَ الأعْشى: (p-٣٨٠) ؎ كَأنَّ مِشْيَتَها مِن بَيْتِ جارَتِها ∗∗∗ مَوْرُ السَّحابَةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ السّادِسُ: تَنْقَلِبُ انْقِلابًا. السّابِعُ: أنَّ السَّماءَ هاهُنا الفَلَكُ، ومَوْرُهُ اضْطِرابُ نَظْمِهِ واخْتِلافُ سَيْرِهِ، قالَهُ ابْنُ بَحْرٍ. ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ فِيهِ تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: يُدْفَعُونَ دَفْعًا عَنِيفًا ومِنهُ قَوْلُ الرّاجِزِ ؎ يَدَعُهُ بِصَفْحَتِي حَيْزُومِهِ ∗∗∗ دَعِ الوَصِيَّ جانِبَيْ يَتِيمِهِ قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ والضَّحّاكُ والسُّدِّيُّ وابْنُ زَيْدٍ. الثّانِي: يُزْعَجُونَ إزْعاجًا، قالَهُ قَتادَةُ. وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: أنْ يَدْعُهم زَبانِيَتُها بِالدُّعاءِ عَلَيْهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب