الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ ولا سائِبَةٍ ولا وصِيلَةٍ ولا حامٍ﴾ يَعْنِي ما بَحَرَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ، ولا سَيَّبَ سائِبَةً، ولا وصَلَ وصِيلَةً، ولا حَمى حامِيًا. رَوى أبُو صالِحٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ لِأكْثَمَ بْنِ جُونٍ: (يا أكْثَمُ رَأيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيِّ بْنِ قَمْعَةَ بْنِ خَنْدَفٍ يَجُرُّ قُصْبَهُ في النّارِ، فَما رَأيْتُ رَجُلًا أشْبَهَ بِرَجُلٍ مِنكَ بِهِ، ولا بِهِ مِنكَ فَقالَ أكْثَمُ: أخْشى أنْ يَضُرَّنِي شَبَهُهُ يا رَسُولَ اللَّهِ، فَقالَ: (لا إنَّكَ مُؤْمِنٌ، وهو كافِرٌ، إنَّهُ أوَّلُ مَن غَيَّرَ دِينَ إسْماعِيلَ، وبَحَرَ البَحِيرَةَ، وسَيَّبَ السّائِبَةَ، وحَمى الحامِي» . ومَعْنى قَوْلِهِ يَجُرُّ قْصْبَهُ في النّارِ، يَعْنِي أمْعاءَهُ، والبَحِيرَةُ: الفَصْلَةُ مِن قَوْلِ القائِلِ، بَحَرْتُ أُذُنَ النّاقَةِ إذا شَقَّها، ومِنهُ قَوْلُ الأُبَيْرِدِ: ؎ وأمْسى فِيكم عِمْرانُ يَمْشِي كَأنَّهُ جَمَلٌ بَحِيرٌ (p-٧٣)وَقَدْ رَوى أبُو إسْحاقَ عَنْ أبِي الأحْوَصِ عَنْ أبِيهِ قالَ: «دَخَلْتُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ ﷺ: (أرَأيْتَ إبِلَكَ تَكُونُ مُسَلَّمَةً آذانُها فَتَأْخُذَ المُوسى فَتَجْدَعَها تَقُولُ هَذِهِ بَحِيرَةٌ، وتَشُقُّونَ آذانَها تَقُولُونَ هَذِهِ بَحِيرَةٌ قالَ: فَإنَّ ساعِدَ اللَّهِ أشُدُّ، ومُوسى اللَّهِ أحَدُّ، كُلُّ مالِكَ لَكَ حَلالٌ لا يَحْرُمُ عَلَيْكَ مِنهُ شَيْءٌ. » وفي البَحِيرَةِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّ البَحِيرَةَ النّاقَةُ إذا وُلِدَتْ خَمْسَةَ أبْطُنٍ، فَإنْ كانَ الخامِسُ ذَكَرًا أكَلَتْهُ الرِّجالُ دُونَ النِّساءِ، وإنْ كانَتْ أُنْثى بَحَرُوا أُذُنَها أيْ شَقُّوها، وتُرِكَتْ، فَلا يُشْرَبُ لَها لَبَنٌ، ولا تُنْحَرُ، ولا تُرْكَبُ، وإنْ كانَ مَيْتَةً اشْتَرَكَ فِيهِ الرِّجالُ والنِّساءُ، قالَهُ عِكْرِمَةُ. والقَوْلُ الثّانِي: البَحِيرَةُ النّاقَةُ الَّتِي تُنْجِبُ خَمْسَةَ أبْطُنٍ، فَكانَ آخِرُها مَيْتًا ذَكَرًا شَقُّوا أُذُنَ النّاقَةِ وخَلَوْا عَنْها، فَلا تُحْلَبُ ولاَ تُرْكَبُ تَحَرُّجًا، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ. والقَوْلُ الثّالِثُ: أنَّ البَحِيرَةَ بِنْتُ السّائِبَةِ، قالَهُ أبُو إسْحاقَ، وأمّا السّائِبَةُ، فَإنَّها المُسَيَّبَةُ المِخْلاةُ وكانَتِ العَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِبَعْضِ مَواشِيها فَتُحَرِّمُ الِانْتِفاعَ بِها عَلى أنْفُسِها تَقَرُّبًا إلى اللَّهِ تَعالى، قالَ الشّاعِرُ ؎ عَقَرْتُمْ ناقَةً كانَتْ لِرَبِّي ∗∗∗ وسائِبَةً فَقُومُوا لِلْعِقابِ وَكَذا كانَ بَعْضُ أهْلِ الإسْلامِ يُعْتِقُ عَبْدَهُ سائِبَةً، ولا يَنْتَفِعُ بِهِ ولا بِوَلائِهِ، وكانَ أبُو العالِيَةِ سائِبَةً فَلَمّا أُتِيَ مَوْلاهُ بِمِيراثِهِ فَقالَ: هو سائِبَةٌ وأبى أنْ يَأْخُذَهُ. وَأُخْرِجَتِ المُسَيَّبَةُ بِلَفْظِ السّائِبَةِ، كَما قِيلَ في عِيشَةٍ راضِيَةٍ يَعْنِي مَرْضِيَّةً، وفي السّائِبَةِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّها النّاقَةُ إذا تابَعَتْ بَيْنَ عَشْرِ إناثٍ لَيْسَ فِيهِنَّ ذَكَرٌ سُيِّبَتْ فَلَمْ يُرْكَبْ ظَهْرُها ولَمْ يُجَزَّ وبَرُها ولَمْ يَشْرَبْ لَبَنَها إلّا ضَيْفٌ، وما نَتَجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مِن أُنْثى شُقَّ أُذُنُها، وسُمِّيَتْ بَحِيرَةً، وخُلِّيَتْ مَعَ أُمِّها، قالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ. والقَوْلُ الثّانِي: أنَّهم كانُوا يُنْذِرُونَ السّائِبَةَ عِنْدَ المَرَضِ فَيُسَيِّبُ الرَّجُلُ بَعِيرَهُ (p-٧٤)وَلا يُرْكَبُ، ولا يُجْلى عَنْ ماءٍ كالبَحِيرَةِ، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ. أمّا الوَصِيلَةُ فَأجْمَعُوا عَلى أنَّها مِنَ الغَنَمِ، وفِيها ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّها الشّاةُ إذا ولَدَتْ سَبْعَةَ أبْطُنٍ نُظِرَ في البَطْنِ السّابِعِ فَإنْ كانَ جَدْيًا ذَبَحُوهُ، فَأكَلَ الرِّجالُ دُونَ النِّساءِ، فَقالُوا هَذا حَلالٌ لِذُكُورِنا، حَرامٌ عَلى أزْواجِنا ونِسائِنا، وإنْ كانَ عَناقًا سَرَحَتْ في غَنَمِ الحَيِّ، وإنْ كانَ جَدْيًا وعَناقًا، قالُوا وصَلَتْ أخاها فَسُمِّيَتْ وصِيلَةً، قالَهُ عِكْرِمَةُ. القَوْلُ الثّانِي: أنَّها الشّاةُ إذا أتْأمَتْ عَشْرَ إناثٍ في خَمْسَةِ أبْطُنٍ لَيْسَ فِيهِنَّ ذَكَرٌ، جُعِلَتْ وصِيلَةً، فَقالُوا قَدْ وصَلَتْ، وكانَ ما ولَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِلذُّكُورِ دُونَ الإناثِ قالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ. والقَوْلُ الثّالِثُ: أنَّ العَرَبَ كانَتْ إذا ولَدَتِ الشّاةُ لَهم ذَكَرًا قالُوا هَذا لِآلِهَتِنا فَيَتَقَرَّبُونَ بِهِ، وإذا ولَدَتْ أُنْثى قالُوا هَذِهِ لَنا، وإذا ولَدَتْ ذَكَرًا وأُنْثى قالُوا: وصَلَتْ أخاها فَلَمْ يَذْبَحُوهُ لِمَكانِها، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ. وَأمّا الحامُ فَفِيهِ قَوْلٌ واحِدٌ أجْمَعُوا عَلَيْهِ وهو البَعِيرُ يَنْتِجُ مِن صُلْبِهِ عَشْرَةَ أبْطُنٍ، فَيُقالُ حَمى ظَهْرُهُ ويُخَلّى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب