الباحث القرآني
(p-٣٠٩)سُورَةُ الفَتْحِ
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ فِيهِ قَوْلانِ:
أحَدُهُما: إنّا أعْلَمْناكَ عِلْمًا مُبِينًا فِيما أنْزَلْناهُ عَلَيْكَ مِنَ القُرْآنِ وأمَرْناكَ بِهِ مِنَ الدِّينِ.
وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنِ العِلْمِ بِالفَتْحِ كَقَوْلِهِ ﴿وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيْبِ﴾ [الأنْعامِ: ٥٩] أيْ عِلْمُ الغَيْبِ، قالَهُ ابْنُ بَحْرٍ.
وَكَقَوْلِهِ ﴿إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ﴾ [الأنْفالِ: ١٩] أيْ إنْ أرَدْتُمُ العِلْمَ فَقَدْ جاءَكُمُ العِلْمُ.
الثّانِي: إنّا قَضَيْنا لَكَ قَضاءً بَيِّنًا فِيما فَتَحْناهُ عَلَيْكَ مِنَ البِلادِ.
وَفي المُرادِ بِهَذا الفَتْحِ قَوْلانِ:
أحَدُهُما: فَتْحُ مَكَّةَ، وعَدَهُ اللَّهُ عامَ الحُدَيْبِيَةِ عِنْدَ انْكِفائِهِ مِنها.
الثّانِي: هو ما كانَ مِن أمْرِهِ بِالحُدَيْبِيَةِ.
قالَ الشَّعْبِيُّ: نَزَلَتْ ﴿إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ [الفَتْحِ: ١] في وقْتِ الحُدَيْبِيَةِ أصابَ فِيها ما لَمْ يُصِبْ في غَيْرِها.
بُويِعَ بَيْعَةَ الرِّضْوانِ، وأُطْعِمُوا نَخْلَ خَيْبَرَ، وظَهَرَتِ الرُّومُ عَلى فارِسَ تَصْدِيقًا لِخَبَرِهِ، وبَلَغَ (p-٣١٠)الهَدْيُ مَحِلَّهُ، فَعَلى هَذا في الَّذِي أرادَهُ بِالفَتْحِ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ، قالَ جابِرٌ: ما كُنّا نَعُدُّ فَتْحَ مَكَّةَ إلّا يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ.
الثّانِي: أنَّهُ بَيْعَةُ الرِّضْوانِ.
قالَ البَراءُ بْنُ عازِبٍ: أنْتُمْ تَعُدُّونَ الفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ ونَحْنُ نَعُدُّ الفَتْحَ بَيْعَةَ الرِّضْوانِ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ.
الثّالِثُ: أنَّهُ نَحْرُهُ وحَلْقُهُ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ حَتّى بَلَغَ الهَدْيُ مَحِلَّهَ بِالنَّحْرِ.
والحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ، وفِيها تَمَضْمَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وقَدْ غارَتْ فَجاشَتْ بِالرِّواءِ.
﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأخَّرَ﴾ فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ اسْتِكْمالًا لِنِعَمِهِ عِنْدَكَ.
الثّانِي: يُصَبِّرُكَ عَلى أذى قَوْمِكَ.
وَفِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ:
أحَدُها: ما تَقَدَّمَ قَبْلَ الفَتْحِ وما تَأخَّرَ بَعْدَ الفَتْحِ.
الثّانِي: ما تَقَدَّمَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وما تَأخَّرَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ.
الثّالِثُ: ما وقَعَ وما لَمْ يَقَعْ عَلى طَرِيقِ الوَعْدِ بِأنَّهُ مَغْفُورٌ إذا كانَ.
وَيَحْتَمِلُ رابِعًا: ما تَقَدَّمَ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ وما تَأخَّرَ بَعْدَها.
﴿وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ:
أحَدُهُما: بِفَتْحِ مَكَّةَ والطّائِفِ وخَيْبَرَ.
الثّانِي: بِخُضُوعِ مَنِ اسْتَكْبَرَ.
وَطاعَةِ مَن تَجَبَّرَ.
﴿وَيَهْدِيَكَ صِراطًا مُسْتَقِيمًا﴾ ﴿وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ الأسْرُ والغَنِيمَةُ كَما كانَ يَوْمَ بَدْرٍ.
الثّانِي: أنَّهُ الظَّفَرُ والإسْلامُ وفَتْحُ مَكَّةَ.
وَسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ، ما حَكاهُ الضَّحّاكُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ «أنَّهُ لَمّا نَزَلَ قَوْلُهُ: ﴿وَما أدْرِي ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ﴾ قالَ أهْلُ مَكَّةَ: يا مُحَمَّدُ كَيْفَ نَدْخُلُ في دِينِكَ وأنْتَ لا تَدْرِي ما يُفْعَلُ بِكَ ولا بِمَنِ اتَّبَعَكَ فَهَلّا أخْبَرَكَ بِما يُفْعَلُ بِكَ وبِمَنِ اتَّبَعَكَ كَما (p-٣١١)أخْبَرَ عِيسى بْنُ مَرْيَمَ؟ فاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلى النَّبِيِّ ﷺ وعَلى أصْحابِهِ حَتّى قَدِمَ المَدِينَةَ، فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولَ - رَأْسُ المُنافِقِينَ - لِلْأنْصارِ: كَيْفَ تَدْخُلُونَ في دِينِ رَجُلٍ لا يَدْرِي ما يُفْعَلُ بِهِ ولا بِمَنِ اتَّبَعَهُ؟ هَذا واللَّهِ الضَّلالُ المُبِينُ.
فَقالَ أبُو بَكْرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، يا رَسُولَ اللَّهِ ألا تَسْألُ رَبَّكَ يُخْبِرُكَ بِما يُفْعَلُ بِكَ وبِمَنِ اتَّبَعَكَ؟ فَقالَ: إنَّ لَهُ أجَلًا فَأبْشِرا بِما يَقِرُّ اللَّهُ بِهِ أعْيُنُكُما.
إلى أنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيُ وهو في دارِ أبِي الدَّحْداحِ عَلى طَعامٍ مَعَ أبِي بَكْرٍ وعُمَرَ فَخَرَجَ وقَرَأها عَلى أصْحابِهِ، قالَ قائِلٌ مِنهُمْ: هَنِيئًا مَرِيئًا يا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَنا ما يُفْعَلُ بِكَ، فَماذا يُفْعَلُ بِنا؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ ﴿لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها ويُكَفِّرَ عَنْهم سَيِّئاتِهِمْ﴾ الآيَةَ.
»
{"ayahs_start":1,"ayahs":["إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحࣰا مُّبِینࣰا","لِّیَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَیُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَیۡكَ وَیَهۡدِیَكَ صِرَ ٰطࣰا مُّسۡتَقِیمࣰا","وَیَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصۡرًا عَزِیزًا"],"ayah":"إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحࣰا مُّبِینࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











