قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿فارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ﴾ في ارْتَقِبْ وجْهانِ:
أحَدُهُما: مَعْناهُ فانْتَظِرْ يا مُحَمَّدُ بِهَؤُلاءِ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ، قالَهُ قَتادَةُ.
(p-٢٤٧)الثّانِي: مَعْناهُ فاحْفَظْ يا مُحَمَّدُ قَوْلَهم هَذا لِتَشْهَدَ عَلَيْهِمْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ، ولِذَلِكَ سُمِّيَ الحافِظُ رَقِيبًا، قالَ الأعْشى
؎ عَلَيَّ رَقِيبٌ لَهُ حافِظٌ فَقُلْ في امْرِئٍ غِلْقٍ مُرْتَهِنٍ
وَفِي قَوْلِهِ تَعالى ﴿يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ﴾ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ:
أحَدُها: ما أصابَ أهْلَ مَكَّةَ مِن شِدَّةِ الجُوعِ حَتّى صارَ بَيْنَهم وبَيْنَ السَّماءِ كَهَيْئَةِ الدُّخانِ لَمّا دَعا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في إبْطائِهِمْ عَنِ الإيمانِ وقَصْدِهِمْ لَهُ بِالأذى، فَقالَ: « (اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ)» قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ.
قالَ أبُو عُبَيْدَةَ والدُّخانُ الجَدْبُ.
وَقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: سُمِّيَ دُخانًا لِيُبْسِ الأرْضِ مِنهُ حَتّى يَرْتَفِعَ مِنها الدُّخانُ.
الثّانِي: أنَّهُ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ لَمّا حَجَبَتِ السَّماءُ الغُيُومَ، قالَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأعْرَجِ.
الثّالِثُ: أنَّهُ دُخانٌ يَهِيجُ بِالنّاسِ يَوْمَ القِيامَةِ يَأْخُذُ المُؤْمِنَ مِنهُ كالزَّكْمَةِ، ويَنْفُخُ الكافِرَ حَتّى يَخْرُجَ مِن كُلِّ مَسْمَعٍ مِنهُ، رَواهُ أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ مَرْفُوعًا.
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿رَبَّنا اكْشِفْ عَنّا العَذابَ إنّا مُؤْمِنُونَ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ:
أحَدُها: أنَّهُ الدُّخانُ، قالَهُ قَتادَةُ.
الثّانِي: الجُوعُ: قالَهُ النَّقّاشُ.
الثّالِثُ: أنَّهُ الثَّلْجُ وهَذا لا وجْهَ لَهُ لِأنَّ هَذا إمّا أنْ يَكُونَ في الآخِرَةِ أوْ في أهْلِ مَكَّةَ، ولَمْ تَكُنْ مَكَّةُ مِن بِلادِ الثَّلْجِ غَيْرَ أنَّهُ مَقُولٌ فَحَكَيْناهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿إنّا كاشِفُو العَذابِ قَلِيلا إنَّكم عائِدُونَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ:
أحَدُهُما: أيْ عائِدُونَ إلى نارِ جَهَنَّمَ.
الثّانِي: إلى الشِّرْكِ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ.
فَلَمّا كُشِفَ ذَلِكَ عَنْهم بِاسْتِسْقاءِ النَّبِيِّ ﷺ لَهم عادُوا إلى تَكْذِيبِهِ. (p-٢٤٨)
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرى﴾ والبَطْشَةُ الكُبْرى هي العُقُوبَةُ الكُبْرى، وفِيها قَوْلانِ:
أحَدُهُما: القَتْلُ بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ومُجاهِدٌ والضَّحّاكُ.
الثّانِي: عَذابُ جَهَنَّمَ يَوْمَ القِيامَةِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ والحَسَنُ.
وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: أنَّها قِيامُ السّاعَةِ لِأنَّها خاتِمَةُ بَطَشاتِهِ في الدُّنْيا.
﴿إنّا مُنْتَقِمُونَ﴾ أيْ مِن أعْدائِنا.
وَفي الفَرْقِ بَيْنَ النِّقْمَةِ والعُقُوبَةِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: أنَّ العُقُوبَةَ بَعْدَ المَعْصِيَةِ لِأنَّها مِنَ العاقِبَةِ، والنِّقْمَةُ قَدْ تَكُونُ قَبْلَها، قالَهُ ابْنُ عِيسى.
الثّانِي: أنَّ العُقُوبَةَ قَدْ تَكُونَ في المَعاصِي، والنِّقْمَةُ قَدْ تَكُونُ في خَلْقِهِ لِأجْلِهِ.
الثّالِثُ: أنَّ العُقُوبَةَ ما تَقَدَّرَتْ، والِانْتِقامُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ.
{"ayahs_start":9,"ayahs":["بَلۡ هُمۡ فِی شَكࣲّ یَلۡعَبُونَ","فَٱرۡتَقِبۡ یَوۡمَ تَأۡتِی ٱلسَّمَاۤءُ بِدُخَانࣲ مُّبِینࣲ","یَغۡشَى ٱلنَّاسَۖ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِیمࣱ","رَّبَّنَا ٱكۡشِفۡ عَنَّا ٱلۡعَذَابَ إِنَّا مُؤۡمِنُونَ","أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكۡرَىٰ وَقَدۡ جَاۤءَهُمۡ رَسُولࣱ مُّبِینࣱ","ثُمَّ تَوَلَّوۡا۟ عَنۡهُ وَقَالُوا۟ مُعَلَّمࣱ مَّجۡنُونٌ","إِنَّا كَاشِفُوا۟ ٱلۡعَذَابِ قَلِیلًاۚ إِنَّكُمۡ عَاۤىِٕدُونَ","یَوۡمَ نَبۡطِشُ ٱلۡبَطۡشَةَ ٱلۡكُبۡرَىٰۤ إِنَّا مُنتَقِمُونَ"],"ayah":"بَلۡ هُمۡ فِی شَكࣲّ یَلۡعَبُونَ"}