الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَمَن يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: يُعْرِضُ، قالَهُ قَتادَةُ. الثّانِي: يَعْمى، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّالِثُ: أنَّهُ السَّيْرُ في الظُّلْمَةِ، مَأْخُوذٌ مِنَ العَشْوِ وهو البَصَرُ الضَّعِيفُ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرُ ؎ لَنِعْمَ الفَتى تَعْشُو إلى ضَوْءِ نارِهِ إذا الرِّيحُ هَبَّتْ والمَكانُ جَدِيبُ (p-٢٢٦)وَفِي قَوْلِهِ ﴿عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ﴾ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، قالَهُ قَتادَةُ. الثّانِي: عَمّا بَيَّنَهُ اللَّهُ مِن حَلالٍ وحَرامٍ وأمْرٍ ونَهْيٍ، وهو مَعْنى قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ. الثّالِثُ: عَنِ القُرْآنِ لِأنَّهُ كَلامُ الرَّحْمَنِ، قالَهُ الكَلْبِيُّ. ﴿نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطانًا﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: نُلْقِيهِ شَيْطانًا. الثّانِي: نُعَوِّضُهُ شَيْطانًا، مَأْخُوذٌ مِنَ المُقايَضَةِ وهي المُعاوَضَةُ. ﴿فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ شَيْطانٌ يُقَيَّضُ لَهُ في الدُّنْيا يَمْنَعُهُ مِنَ الحَلالِ ويَبْعَثُهُ عَلى الحَرامِ، ويَنْهاهُ عَنِ الطّاعَةِ ويَأْمُرُهُ بِالمَعْصِيَةِ، وهو مَعْنى قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ. الثّانِي: هو أنَّ الكافِرَ إذا بُعِثَ يَوْمَ القِيامَةِ مِن قَبْرِهِ شُفِعَ بِيَدِهِ شَيْطانٌ فَلَمْ يُفارِقْهُ حَتّى يَصِيرَ بِهِما اللَّهُ إلى النّارِ، قاَلَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿حَتّى إذا جاءَنا﴾ قَرَأ عَلى التَّوْحِيدِ أبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وحَفْصٌ، يَعْنِي ابْنَ آدَمَ، وقَرَأ الباقُونَ (جاءانا) عَلى التَّثْنِيَةِ يَعْنِي ابْنَ آدَمَ وقَرِينَهُ. ﴿قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وبَيْنَكَ بُعْدَ المَشْرِقَيْنِ﴾ هَذا قَوْلُ ابْنِ آدَمَ لِقَرِينِهِ وفي المَشْرِقَيْنِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ المَشْرِقُ والمَغْرِبُ فَغُلِّبَ أحَدُهُما عَلى الآخَرِ كَما قِيلَ: سُنَّةُ العُمَرَيْنِ، كَقَوْلِ الشّاعِرِ ؎ أخَذْنا بِآفاقِ السَّماءِ عَلَيْكم ∗∗∗ لَنا قَمَراها والنُّجُومُ الطَّوالِعُ الثّانِي: أنَّهُ مَشْرِقُ الشِّتاءِ ومَشْرِقُ الصَّيْفِ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿رَبُّ المَشْرِقَيْنِ ورَبُّ المَغْرِبَيْنِ﴾ قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿فَإمّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإنّا مِنهم مُنْتَقِمُونَ﴾ وهَذا خِطابٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ، وفِيهِ قَوْلانِ: (p-٢٢٧)أحَدُهُما: إمّا نُخْرِجَنَّكَ مِن مَكَّةَ مِن أذى قُرَيْشٍ فَإنّا مِنهم مُنْتَقِمُونَ بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ. الثّانِي: فَإمّا نَقْبِضُ رُوحَكَ إلَيْنا فَإنّا مُنْتَقِمُونَ مِن أُمَّتِكَ فِيما أحْدَثُوا بَعْدَكَ. وَرُوِيَ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ أُرِيَ ما لَقِيَتْ أُمَّتُهُ بَعْدَهُ فَما زالَ مُنْقَبِضًا ما انْبَسَطَ ضاحِكًا حَتّى لَقِيَ اللَّهَ تَعالى. » قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ ولِقَوْمِكَ﴾ يَعْنِي القُرْآنَ ذِكْرٌ لَكَ [وَلِقَوْمِكَ] . وفي ﴿لَذِكْرٌ﴾ قَوْلانِ: أحَدُهُما: الشَّرَفُ، أيْ شَرَفٌ لَكَ ولِقَوْمِكَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: أنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ ولِقَوْمِكَ تَذْكُرُونَ بِهِ أمْرَ الدِّينِ وتَعْمَلُونَ بِهِ، حَكاهُ ابْنُ عِيسى. ﴿وَلِقَوْمِكَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: مَنِ اتَّبَعَكَ مِن أُمَّتِكَ، قالَهُ قَتادَةُ. الثّانِي: لِقَوْمِكَ مِن قُرَيْشٍ فَيُقالُ: مِمَّنْ هَذا الرَّجَلُ؟ فَيُقالُ: مِنَ العَرَبِ، فَيُقالُ: مِن أيِّ العَرَبِ؟ فَيُقالُ: مِن قُرَيْشٍ، قالَهُ مُجاهِدٌ. ﴿وَسَوْفَ تُسْألُونَ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: عَنِ الشُّكْرِ، قالَهُ مُقاتِلٌ. الثّانِي: أنْتَ ومَن مَعَكَ عَمّا أتاكَ، قالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ. وَحَكى ابْنُ أبِي سَلَمَةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ مالِكِ بْنِ أنَسٍ في قَوْلِهِ ﴿وَإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ ولِقَوْمِكَ﴾ أنَّهُ قَوْلُ الرَّجُلِ حَدَّثَنِي أبِي عَنْ جَدِّي. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿واسْألْ مَن أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رُسُلِنا﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: (p-٢٢٨)أحَدُها: يَعْنِي الأنْبِياءَ الَّذِينَ جَمَعُوا لَهُ لَيْلَةَ الإسْراءِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ زَيْدٍ، وكانُوا سَبْعِينَ نَبِيًّا مِنهم إبْراهِيمُ ومُوسى وعِيسى عَلَيْهِمُ السَّلامُ، فَلَمْ يَسْألْهم لِأنَّهُ كانَ أعْلَمَ بِاللَّهِ مِنهم، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: أهْلُ الكِتابَيْنِ التَّوْراةِ والإنْجِيلِ، قالَهُ قَتادَةُ، والضَّحّاكُ، ويَكُونُ تَقْدِيرُهُ سَلْ أُمَمَ مَن أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رُسُلِنا. الثّالِثُ: جِبْرِيلُ، ويَكُونُ تَقْدِيرُهُ. واسْألْ عَمّا أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رُسُلِنا، حَكاهُ النَّقّاشُ. ﴿أجَعَلْنا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ وسَبَبُ هَذا الأمْرِ بِالسُّؤالِ أنَّ اليَهُودَ والمُشْرِكِينَ قالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ: إنَّ ما جِئْتَ بِهِ مُخالِفٌ لِمَن كانَ قَبْلَكَ، فَأمَرَهُ اللَّهُ بِسُؤالِهِمْ لا لِأنَّهُ كانَ في شِكٍّ مِنهُ. واخْتُلِفَ في سُؤالِ النَّبِيِّ ﷺ لَهم عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهُ سَألَهم، فَقالَتِ الرُّسُلُ بُعِثْنا بِالتَّوْحِيدِ، قالَهُ الواقِدِيُّ. الثّانِي: أنَّهُ لَمْ يَسْألْ لِيَقِينِهِ بِاللَّهِ تَعالى، حَتّى حَكى ابْنُ زَيْدٍ أنَّ مِيكائِيلَ قالَ لِجِبْرِيلَ: هَلْ سَألَكَ مُحَمَّدٌ ذَلِكَ؟ فَقالَ جِبْرِيلُ: هو أشَدُّ إيمانًا وأعْظَمُ يَقِينًا مِن أنْ يَسْألَنِي عَنْ ذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب