الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أنَّهم آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إلَيْكَ وما أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أنْ يَتَحاكَمُوا إلى الطّاغُوتِ وقَدْ أُمِرُوا أنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾ اخْتُلِفَ فِيمَن نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّها نَزَلَتْ في رَجُلٍ مِنَ المُنافِقِينَ ورَجُلٍ مِنَ اليَهُودِ كانَ بَيْنَهُما خُصُومَةٌ، فَقالَ اليَهُودِيُّ: أُحاكِمُكَ إلى أهْلِ دِينِكَ لِأنِّي أعْلَمُ أنَّهم لا يَقْبَلُونَ الرِّشْوَةَ، وقالَ المُنافِقُ: أُحاكِمُكَ إلى اليَهُودِ مِنهم كَعْبُ بْنُ الأشْرَفِ، لِأنَّهُ عَلِمَ أنَّهم يَقْبَلُونَ الرِّشْوَةَ، فاصْطَلَحا أنْ يَتَحاكَما إلى كاهِنٍ مِن جُهَيْنَةَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ فِيهِما هَذِهِ الآيَةَ ﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أنَّهم آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إلَيْكَ﴾ يَعْنِي المُنافِقَ ﴿وَما أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ﴾ يَعْنِي اليَهُودِيَّ.
﴿يُرِيدُونَ أنْ يَتَحاكَمُوا إلى الطّاغُوتِ﴾ يَعْنِي الكاهِنَ، وهَذا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ ومُجاهِدٍ.
والثّانِي: أنَّها نَزَلَتْ في رَجُلَيْنِ مِن بَنِي النَّضِيرِ وبَنِي قُرَيْظَةَ، وكانَتْ بَنُو (p-٥٠٢)
قُرَيْظَةَ في الجاهِلِيَّةِ إذا قَتَلَتْ رَجُلًا مِن بَنِي النَّضِيرِ أقادُوا مِنَ القاتِلِ، وكانَتْ بَنُو النَّضِيرِ في الجاهِلِيَّةِ إذا قَتَلَتْ رَجُلًا مِن بَنِي قُرَيْظَةَ لَمْ تُقِدْ مِنَ القاتِلِ وأعْطَوْا دِيَتَهُ سِتِّينَ وسْقًا مِن تَمْرٍ، فَلَمّا أسْلَمَ ناسٌ مِن بَنِي قُرَيْظَةَ وبَنِي النَّضِيرِ، قَتَلَ رَجُلٌ مِن بَنِي النَّضِيرِ رَجُلًا مِن بَنِي قُرَيْظَةَ فَتَحاكَمُوا إلى النَّبِيِّ ﷺ، فَقالَ النَّضِيرِيُّ لِرَسُولِ اللَّهِ: إنّا كُنّا في الجاهِلِيَّةِ نُعْطِيهِمُ الدِّيَةَ سِتِّينَ وسْقًا مِن تَمْرٍ، فَنَحْنُ نُعْطِيهِمُ اليَوْمَ ذَلِكَ، وقالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ: نَحْنُ إخْوانٌ في النَّسَبِ والدِّينِ وإنَّما كانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ الجاهِلِيَّةُ وقَدْ جاءَ الإسْلامُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى يُعَيِّرُهم بِما فَعَلُوا ﴿وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [المائِدَةِ: ٤٥]، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ بَنِي النَّضِيرِ ﴿أفَحُكْمَ الجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾ [المائِدَةِ: ٥٠] ثُمَّ أخَذَ النَّضِيرِيَّ فَقَتَلَهُ بِالقُرَظِيِّ، فَتَفاخَرَتِ النَّضِيرُ وقُرَيْظَةُ ودَخَلُوا المَدِينَةَ، فَتَحاكَمُوا إلى أبِي بُرْدَةَ الأسْلَمِيِّ الكاهِنِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ في ذَلِكَ ﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أنَّهم آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إلَيْكَ﴾ [النِّساءِ: ٦٠] يَعْنِي في الحالِ، ﴿وَما أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ﴾ يَعْنِي حِينَ كانُوا يَهُودًا.
﴿يُرِيدُونَ أنْ يَتَحاكَمُوا إلى الطّاغُوتِ﴾ يَعْنِي أبا بُرْدَةَ الأسْلَمِيَّ الكاهِنَ، وهَذا قَوْلُ السُّدِّيِّ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَكَيْفَ إذا أصابَتْهم مُصِيبَةٌ﴾ الآيَةَ.
فِي سَبَبِ نُزُولِها قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّ عُمَرَ قَتَلَ مُنافِقًا لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَجاءَ إخْوانُهُ مِنَ المُنافِقِينَ يُطالِبُونَ بِدَمِهِ، وحَلَفُوا بِاللَّهِ أنَّنا ما أرَدْنا في المُطالَبَةِ بِدَمِهِ إلّا إحْسانًا إلى النِّساءِ، وما يُوافِقُ الحَقَّ في أمْرِنا.
والثّانِي: أنَّ المُنافِقِينَ بَعْدَ القَوَدِ مِن صاحِبِهِمُ اعْتَذَرُوا إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في مُحاكَمَتِهِمْ إلى غَيْرِهِ بَأنْ قالُوا: ما أرَدْنا في عُدُولِنا عَنْكَ إلّا تَوْفِيقًا بَيْنَ الخُصُومِ وإحْسانًا بِالتَّقْرِيبِ في الحُكْمِ دُونَ الحَمْلِ عَلى مُرِّ الحَقِّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما في قُلُوبِهِمْ﴾ يَعْنِي مِنَ النِّفاقِ الَّذِي يُضْمِرُونَهُ.
﴿فَأعْرِضْ عَنْهم وعِظْهُمْ﴾ وفي الجَمْعِ بَيْنَ الإعْراضِ والوَعْظِ مَعَ تَنافِي اجْتِماعِهِما في الظّاهِرِ - ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: أعْرِضْ عَنْهم بِالعَداوَةِ لَهم وعِظْهم فِيما بَدا مِنهم.
والثّانِي: أعْرِضْ عَنْ عِقابِهِمْ وعِظْهم. (p-٥٠٣)
والثّالِثُ: أعْرِضْ عَنْ قَبُولِ الأعْذارِ مِنهم وعِظْهم.
﴿وَقُلْ لَهم في أنْفُسِهِمْ قَوْلا بَلِيغًا﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنْ يَقُولَ لَهُمْ: إنْ أظْهَرْتُمْ ما في قُلُوبِكم قَتَلَكم، فَإنَّهُ يَبْلُغُ مِن نُفُوسِهِمْ كُلَّ مَبْلَغٍ، وهَذا قَوْلُ الحَسَنِ.
والثّانِي: أنْ يَزْجُرَهم عَمّا هم عَلَيْهِ بِأبْلَغِ الزَّواجِرِ.
{"ayahs_start":60,"ayahs":["أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ یَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُوا۟ بِمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ وَمَاۤ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ یُرِیدُونَ أَن یَتَحَاكَمُوۤا۟ إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوۤا۟ أَن یَكۡفُرُوا۟ بِهِۦۖ وَیُرِیدُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ أَن یُضِلَّهُمۡ ضَلَـٰلَۢا بَعِیدࣰا","وَإِذَا قِیلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡا۟ إِلَىٰ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَیۡتَ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ یَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودࣰا","فَكَیۡفَ إِذَاۤ أَصَـٰبَتۡهُم مُّصِیبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیهِمۡ ثُمَّ جَاۤءُوكَ یَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنۡ أَرَدۡنَاۤ إِلَّاۤ إِحۡسَـٰنࣰا وَتَوۡفِیقًا","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ یَعۡلَمُ ٱللَّهُ مَا فِی قُلُوبِهِمۡ فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَعِظۡهُمۡ وَقُل لَّهُمۡ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ قَوۡلَۢا بَلِیغࣰا"],"ayah":"فَكَیۡفَ إِذَاۤ أَصَـٰبَتۡهُم مُّصِیبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیهِمۡ ثُمَّ جَاۤءُوكَ یَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنۡ أَرَدۡنَاۤ إِلَّاۤ إِحۡسَـٰنࣰا وَتَوۡفِیقًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق