الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهم قَوْمُ نُوحٍ﴾ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ القَوْمَ بِلَفْظِ التَّأْنِيثِ، واخْتَلَفَ أهْلُ العَرَبِيَّةِ في تَأْنِيثِهِ عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهُ قَدْ يَجُوزُ فِيهِ التَّأْنِيثُ والتَّذْكِيرُ. الثّانِي: أنَّهُ مُذَكَّرُ اللَّفْظِ لا يَجُوزُ تَأْنِيثُهُ إلّا أنْ يَقَعَ المَعْنى عَلى العَشِيرَةِ فَيُغَلَّبُ في اللَّفْظِ حُكْمُ المَعْنى المُضْمَرِ تَنْبِيهًا عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿كَلا إنَّها تَذْكِرَةٌ﴾ ﴿فَمَن شاءَ ذَكَرَهُ﴾ ولَمْ يَقُلْ ذَكَرَها لِأنَّهُ لَمّا كانَ المُضْمَرُ فِيهِ مَذْكُورًا ذَكَّرَهُ وإنْ كانَ اللَّفْظُ مُقْتَضِيًا لِلتَّأْنِيثِ. ﴿وَعادٌ﴾ وهم قَوْمُ هُودٍ كانُوا بِالأحْقافِ مِن أرْضِ اليَمَنِ، قالَ ابْنُ إسْحاقَ: كانُوا أصْحابَ أصْنامٍ يَعْبُدُونَها، وكانَتْ ثَلاثَةً يُقالُ لِأحَدِها هَدَرُ ولِلْآخَرِ صَمُورُ ولِلْآخَرِ الهَنا، فَأمَرَهم هُودٌ أنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ سُبْحانَهُ ولا يَجْعَلُوا مَعَهُ إلَهًا غَيْرَهُ ويَكُفُّوا عَنْ ظُلْمِ النّاسِ ولَمْ يَأْمُرْهم إلّا بِذَلِكَ. (p-٨١)﴿وَفِرْعَوْنُ ذُو الأوْتادِ﴾ وفي تَسْمِيَتِهِ بِذِي الأوْتادِ أرْبَعَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ كانَ كَثِيرَ البُنْيانِ، والبُنْيانُ يُسَمّى أوْتادًا، قالَهُ الضَّحّاكُ. الثّانِي: أنَّهُ كانَتْ لَهُ مَلاعِبُ مِن أوْتادٍ يَلْعَبُ عَلَيْها، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وقَتادَةُ. الثّالِثُ: لِأنَّهُ كانَ يُعَذِّبُ النّاسَ بِالأوْتادِ، قالَهُ السُّدِّيُّ. والرّابِعُ: أنَّهُ يُرِيدُ ثابِتَ المُلْكِ شَدِيدَ القُوَّةِ كَثُبُوتِ ما يُشَجُّ بِالأوْتادِ كَما قالَ الأسْوَدُ بْنُ يَعْفُرَ: ؎ ولَقَدْ غَنَوْا فِيها بِأنْعَمِ عِيشَةٍ في ظِلِّ مُلْكٍ ثابِتِ الأوْتادِ ﴿وَثَمُودُ﴾ وهم عَرَبٌ وحَكى مُقاتِلٌ أنَّ عادًا وثَمُودَ أبْناءُ عَمٍّ، وكانَتْ مَنازِلُ ثَمُودَ بِالحِجْرِ بَيْنَ الحِجازِ والشّامِ مِنها وادِي القُرى، بَعَثَ اللَّهُ إلَيْهِمْ صالِحًا، واخْتُلْفَ في إيمانِهِمْ بِهِ، فَذَكَرَ ابْنُ عَبّاسٍ أنَّهم آمَنُوا ثُمَّ ماتَ فَرَجَعُوا بَعْدَهُ عَنِ الإيمانِ فَأحْياهُ اللَّهُ تَعالى وبَعَثَهُ إلَيْهِمْ وأعْلَمَهم أنَّهُ صالِحٌ فَكَذَّبُوهُ وقالُوا قَدْ ماتَ صالِحٌ فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ فَأتاهُمُ اللَّهُ النّاقَةَ، فَكَفَرُوا وعَقَرُوها، فَأهْلَكَهُمُ اللَّهُ. وَقالَ ابْنُ إسْحاقَ: إنَّ اللَّهَ بَعَثَ صالِحًا شابًّا فَدَعاهم حَتّى صارَ شَيْخًا، فَعَقَرُوا النّاقَةَ ولَمْ يُؤْمِنُوا حَتّى هَلَكُوا. ﴿وَقَوْمُ لُوطٍ﴾ لَمْ يُؤْمِنُوا حَتّى أهْلَكَهُمُ اللَّهُ تَعالى. قالَ مُجاهِدٌ: وكانُوا أرْبَعَمِائَةَ ألْفِ بَيْتٍ في كُلِّ بَيْتٍ عَشَرَةٌ. وَقالَ عَطاءٌ ما مِن أحَدٍ مِنَ الأنْبِياءِ إلّا يَقُومُ مَعَهُ يَوْمَ القِيامَةِ قَوْمٌ مِن أُمَّتِهِ إلّا آلَ لُوطٍ فَإنَّهُ يَقُومُ القِيامَةَ وحْدَهُ. ﴿وَأصْحابُ الأيْكَةِ﴾ بَعَثَ اللَّهُ إلَيْهِمْ شُعَيْبًا. وَفي ﴿الأيْكَةِ﴾ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّها الغَيْضَةُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: أنَّهُ المُلْتَفُّ مِنَ النَّبْعِ والسِّدْرِ قالَهُ أبُو عَمْرِو بْنُ العَلاءِ. قالَ قَتادَةُ: بُعِثَ شُعَيْبٌ إلى أُمَّتَيْنِ مِنَ النّاسِ إلى أصْحابِ الأيْكَةِ وإلى مَدْيَنَ، وعُذِّبَتا بِعَذابَيْنِ. ﴿أُولَئِكَ الأحْزابُ﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أحْزابٌ عَلى الأنْبِياءِ بِالعَداوَةِ. الثّانِي: أحْزابُ الشَّياطِينِ بِالمُوالاةِ. (p-٨٢)قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَما يَنْظُرُ هَؤُلاءِ﴾ يَعْنِي كُفّارَ هَذِهِ الأُمَّةِ. ﴿إلا صَيْحَةً واحِدَةً﴾ يَعْنِي النَّفْخَةَ الأُولى. ﴿ما لَها مِن فَواقٍ﴾ قَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ بِضَمِّ الفاءِ، والباقُونَ بِفَتْحِها، واخْتُلِفَ في الضَّمِّ والفَتْحِ عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهُ بِالفَتْحِ مِنَ الإفاضَةِ وبِالضَّمِّ فُواقُ النّاقَةِ وهو قَدْرُ ما بَيْنَ الحَلْبَتَيْنِ تَقْدِيرًا لِلْمُدَّةِ. الثّانِي: مَعْناهُما واحِدٌ، وفي تَأْوِيلِهِ سَبْعَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: مَعْناهُ ما لَها مِن تَرْدادٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: ما لَها مِن حَبْسٍ، قالَهُ حَمْزَةُ بْنُ إسْماعِيلَ. الثّالِثُ: مِن رُجُوعٍ إلى الدُّنْيا، قالَهُ الحَسَنُ وقَتادَةُ. الرّابِعُ: مِن رَحْمَةٍ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا. الخامِسُ: ما لَها مِن راحَةٍ، حَكاهُ أبانُ بْنُ تَغْلِبَ. السّادِسُ: ما لَها مِن تَأْخِيرٍ لِسُرْعَتِها قالَ الكَلْبِيُّ، ومِنهُ قَوْلُ أبِي ذُؤَيْبٍ: ؎ إذا ماتَتْ عَنِ الدُّنْيا حَياتِي ∗∗∗ فَيا لَيْتَ القِيامَةُ عَنْ فَواقِ السّابِعُ: ما لَهم بَعْدَها مِن إقامَةٍ، وهو بِمَعْنى قَوْلِ السُّدِّيِّ. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا﴾ الآيَةَ. فِيهِ خَمْسَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: مَعْنى ذَلِكَ عَجِّلْ لَنا حَظَّنا مِنَ الجَنَّةِ الَّتِي وعَدْتَنا، قالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ. الثّانِي: عَجِّلْ لَنا نَصِيبَنا مِنَ العَذابِ الَّذِي وعَدْتَنا اسْتِهْزاءً مِنهم بِذَلِكَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّالِثُ: عَجِّلْ لَنا رِزْقَنا، قالَهُ إسْماعِيلُ بْنُ أبِي خالِدٍ. الرّابِعُ: أرِنا مَنازِلَنا، قالَهُ السُّدِّيُّ. الخامِسُ: عَجِّلْ لَنا في الدُّنْيا كِتابَنا في الآخِرَةِ وهو قَوْلُهُ ﴿فَأمّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ ﴿وَأمّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ﴾ اسْتِهْزِاَءً مِنهم بِذَلِكَ. وَأصْلُ القِطِّ القَطْعُ، ومِنهُ قَطَّ القَلَمَ وقَوْلُهم ما رَأيْتُهُ قَطُّ أيْ قَطَعَ الدَّهْرُ بَيْنِي وبَيْنَهُ وأُطْلِقَ عَلى النَّصِيبِ (p-٨٣)والكِتابِ والرَّزْقِ لِقَطْعِهِ مِن غَيْرِهِ إلّا أنَّهُ في الكِتابِ أكْثَرُ اسْتِعْمالًا وأقْوى حَقِيقَةً، قالَ أُمَيَّةُ بْنُ أبِي الصَّلْتِ: ؎ قَوْمٌ لَهم ساحَةُ العِراقِ وما ∗∗∗ يُجْبى إلَيْهِ والقَطُّ والقَلَحُ وَفِيهِ لِمَن قالَ بِهَذا قَوْلانِ: أحَدُهُما أنَّهُ يَنْطَلِقُ عَلى كُلِّ كِتابٍ يُتَوَثَّقُ بِهِ. الثّانِي: أنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالكِتابِ الَّذِي فِيهِ عَطِيَّةٌ وصِلَةٌ، قالَهُ ابْنُ بَحْرٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب