الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿أذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلا أمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ﴾ والنُّزُلُ العَطاءُ الوافِرُ ومِنهُ إقامَةُ الإنْزالِ، وقِيلَ ما يُعَدُّ لِلضَّيْفِ والعَسْكَرِ. وَشَجَرَةُ الزَّقُّومِ هي شَجَرَةٌ في النّارِ يَقْتاتُها أهْلُ النّارِ، مُرَّةُ الثَّمَرِ خَشِنَةُ اللَّمْسِ مُنْتِنَةُ الرِّيحِ. واخْتُلِفَ فِيها هَلْ هي مِن شَجَرِ الدُّنْيا الَّتِي يَعْرِفُها العَرَبُ أوْ لا؟ عَلى قَوْلَيْنِ: (p-٥١)أحَدُهُما: أنَّها مَعْرُوفَةٌ مِن شَجَرِ الدُّنْيا، ومَن قالَ بِهَذا اخْتَلَفُوا فِيها فَقالَ قُطْرُبٌ: إنَّها شَجَرَةٌ مُرَّةٌ تَكُونُ بِتِهامَةَ مِن أخْبَثِ الشَّجَرِ، وقالَ غَيْرُهُ: بَلْ كُلُّ نَباتٍ قاتِلٍ. القَوْلُ الثّانِي: أنَّها لا تُعْرَفُ في شَجَرِ الدُّنْيا، فَلَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في شَجَرَةِ الزَّقُّومِ قالَ كُفّارُ قُرَيْشٍ: ما نَعْرِفُ هَذِهِ الشَّجَرَةَ، فَقالَ ابْنُ الزَّبْعَرِي: الزَّقُّومُ بِكَلامِ البَرْبَرِ: الزُّبْدُ والتَّمْرُ فَقالَ أبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ: يا جارِيَةُ ابْغِينا تَمْرًا وزُبْدًا ثُمَّ قالَ لِأصْحابِهِ تَزَقَّمُوا هَذا الَّذِي يُخَوِّفُنا بِهِ مُحَمَّدٌ يَزْعُمُ أنَّ النّارَ تُنْبِتُ الشَّجَرَ، والنّارُ تَحْرِقُ الشَّجَرَ. ﴿إنّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظّالِمِينَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّ النّارَ تُحْرِقُ الشَّجَرَ فَكَيْفَ يَنْبُتُ فِيها الشَّجَرُ وهَذا قَوْلُ أبِي جَهْلٍ إنَّما الزَّقُّومُ التَّمْرُ والزُّبْدُ أتَزَقَّمُهُ فَكانَ هَذا هو الفِتْنَةُ لِلظّالِمِينَ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّانِي: أنَّ شِدَّةَ عَذابِهِمْ بِها هي الفِتْنَةُ الَّتِي جُعِلَتْ لَهم، حَكاهُ ابْنُ عِيسى. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿إنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أصْلِ الجَحِيمِ﴾ فَكانَ المَقْصُودُ بِهَذا الذِّكْرِ أمْرَيْنِ: أحَدُهُما: وصْفُها لَهم لِاخْتِلافِهِمْ فِيها. الثّانِي: لِيُعْلِمَهم جَوازَ بَقائِها في النّارِ لِأنَّها تَنْبُتُ مِنَ النّارِ. قالَ يَحْيى بْنُ سَلّامٍ: وبَلَغَنِي أنَّها في البابِ السّادِسِ وأنَّها تَحْيا بِلَهَبِ النّارِ كَما يَحْيا شَجَرُكم بِبَرْدِ الماءِ. ﴿طَلْعُها كَأنَّهُ رُءُوسُ الشَّياطِينِ﴾ يَعْنِي بِالطَّلْعِ الثَّمَرَ، فَإنْ قِيلَ فَكَيْفَ شَبَّهَها بِرُؤُوسِ الشَّياطِينِ وهم ما رَأوْها ولا عَرَفُوها؟ قِيلَ: عَنْ هَذا أرْبَعَةُ أجْوِبَةٍ: أحَدُها: أنَّ قُبْحَ صُورَتِها مُسْتَقِرٌّ في النُّفُوسِ، وإنْ لَمْ تُشاهَدْ فَجازَ أنْ يَنْسِبَها بِذَلِكَ لِاسْتِقْرارِ قُبْحِها في نُفُوسِهِمْ كَما قالَ امْرُؤُ القَيْسِ: ؎ أيَقْتُلُنِي والمَشْرَفِيُّ مُضاجِعِي ومَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كَأنْيابِ أغْوالِ (p-٥٢)فَشَبَّبَها بِأنْيابِ الأغْوالِ وإنْ لَمْ يَرَها النّاسُ. الثّانِي: أنَّهُ أرادَ رَأْسَ حَيَّةٍ تُسَمّى عِنْدَ العَرَبِ شَيْطانًا وهي قَبِيحَةُ الرَّأْسِ. الثّالِثُ: أنَّهُ أرادَ شَجَرًا يَكُونُ بَيْنَ مَكَّةَ واليَمَنِ يُسَمّى رُؤُوسَ الشَّياطِينِ، قالَهُ مُقاتِلٌ. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ثُمَّ إنَّ لَهم عَلَيْها لَشَوْبًا مِن حَمِيمٍ﴾ يَعْنِي لَمَزاجًا مِن حَمِيمٍ والحَمِيمُ الحارُّ الدّانِي مِنَ الإحْراقِ قالَ الشّاعِرُ: ؎ كَأنَّ الحَمِيمَ عَلى مَتْنِها ∗∗∗ إذا اغْتَرَفَتْهُ بِأطْساسِها ∗∗∗ جُمانٌ يَجُولُ عَلى فِضَّةٍ ∗∗∗ عَلَتْهُ حَدائِدُ دَوّاسِها وَمِنهُ سُمِّيَ القَرِيبُ حَمِيمًا لِقُرْبِهِ مِنَ القَلْبِ، وسُمِّيَ المَحْمُومَ لِقُرْبِ حَرارَتِهِ مِنَ الإحْراقِ، قالَ الشّاعِرُ: ؎ أحَمَّ اللَّهُ ذَلِكَ مِن لِقاءٍ ∗∗∗ آحادَ آحادَ في الشَّهْرِ الحَلالِ أيْ أدْناهُ فَيُمْزَجُ لَهُمُ الزَّقُّومُ بِالحَمِيمِ لِيَجْمَعَ لَهم بَيْنَ مَرارَةِ الزَّقُّومِ وحَرارَةِ الحَمِيمِ تَغْلِيظًا لِعَذابِهِمْ وتَشْدِيدًا لِبَلاتِهِمْ. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ثُمَّ إنَّ مَرْجِعَهم لإلى الجَحِيمِ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: يَعْنِي بِأنَّ مَأْواهم لَإلى الجَحِيمِ، قالَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ. الثّانِي: أنَّ مُنْقَلَبِهِمْ لَإلى الجَحِيمِ، قالَهُ سُفْيانُ. الثّالِثُ: يَعْنِي أنَّ مَرْجِعَهم بَعْدَ أكْلِ الزَّقُّومِ إلى عَذابِ الجَحِيمِ، قالَهُ ابْنُ زِيادٍ. الرّابِعُ: أنَّهم فِيها كَما قالَ اللَّهُ تَعالى ﴿يَطُوفُونَ بَيْنَها وبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾ ثُمَّ يَرْجِعُونَ إلى مَواضِعِهِمْ، قالَهُ يَحْيى بْنُ سَلّامٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب