الباحث القرآني

أحَدُهُما: أنَّهُ قالَ عِنْدَ إلْقائِهِ في النّارِ، وفِيهِ عَلى هَذا القَوْلِ تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: إنِّي ذاهِبٌ إلى ما قَضىَ بِهِ عَلَيَّ رَبِّي. الثّانِي: إنِّي مَيِّتٌ كَما يُقالُ لِمَن ماتَ قَدْ ذَهَبَ إلى اللَّهِ تَعالى لِأنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ تَصَوَّرَ أنَّهُ يَمُوتُ بِإلْقائِهِ في النّارِ عَلى المَعْهُودِ مِن حالِها في تَلَفِ ما يُلْقى فِيها إلى أنْ قِيلَ لَها كُونِي بَرْدًا وسَلامًا، فَحِينَئِذٍ سَلِمَ إبْراهِيمُ مِنها. وَفي قَوْلِهِ: ﴿سَيَهْدِينِ﴾ عَلى هَذا القَوْلِ تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: سَيَهْدِينِ إلى الخَلاصِ مِنَ النّارِ. الثّانِي: إلى الجَنَّةِ. فاحْتَمَلَ ما قالَهُ إبْراهِيمُ مِن هَذا وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّ بِقَوْلِهِ لِمَن يُلْقِيهِ في النّارِ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَخْوِيفًا لَهم. الثّانِي: أنَّ بِقَوْلِهِ لِمَن شاهَدَهُ مِنَ النّاسِ الحُضُورِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنهُ إنْذارًا لَهم، فَهَذا تَأْوِيلُ ذَلِكَ عَلى قَوْلِ مَن ذَكَرَ أنَّهُ قالَ قَبْلَ إلْقائِهِ في النّارِ. والقَوْلُ الثّانِي: أنَّهُ قالَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنَ النّارِ. ﴿إنِّي ذاهِبٌ إلى رَبِّي﴾ وفي هَذا القَوْلِ ثَلاثَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: إنِّي مُنْقَطِعٌ إلى اللَّهِ بِعِبادَتِي، حَكاهُ النَّقّاشُ. الثّانِي: ذاهِبٌ إلَيْهِ بِقَلْبِي ودِينِي وعَمَلِي، قالَهُ قَتادَةُ. الثّالِثُ: مُهاجِرٌ إلَيْهِ بِنَفْسِي فَهاجَرَ مِن أرْضِ العِراقِ. قالَ مُقاتِلٌ: هو أوَّلُ مَن هاجَرَ مِنَ الخَلْقِ مَعَ لُوطٍ وسارَةَ. وَفِي البَلَدِ الَّذِي هاجَرَ إلَيْهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: إلى أرْضِ الشّامِ. الثّانِي: إلى أرْضِ حَرّانَ، حَكاهُ النَّسائِيُّ. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿سَيَهْدِينِ﴾ عَلى هَذا القَوْلِ تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: سَيَهْدِينِ إلى قَوْلِ: حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، قالَهُ سُلَيْمانُ. الثّانِي: إلى طَرِيقِ الهِجْرَةِ، قالَهُ يَحْيى. (p-٦٠)واحْتَمَلَ هَذا القَوْلُ مِنهُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّ بِقَوْلِهِ لِمَن فارَقَهُ مِن قَوْمِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَوْبِيخًا لَهم. الثّانِي: أنَّ بِقَوْلِهِ لِمَن هاجَرَ مَعَهُ مِن أهْلِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنهُ تَرْغِيبًا. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ﴾ أيْ: وقُورٍ. قالَ الحَسَنُ: ما سَمِعْتُ اللَّهَ يُحِلُّ عِبادَهُ شَيْئًا أجَلَّ مِنَ الحِلْمِ. وَفِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ إسْحاقُ، ولَمْ يُثْنِ اللَّهُ تَعالى عَلى أحَدٍ بِالحِلْمِ إلّا عَلى إسْحاقَ وإبْراهِيمَ قالَهُ قَتادَةُ. الثّانِي: إسْماعِيلُ وبُشِّرَ بِنُبُوَّةِ إسْحاقَ بَعْدَ ذَلِكَ، قالَهُ عامِرٌ الشَّعْبِيُّ. قالَ الكَلْبِيُّ وكانَ إسْماعِيلُ أكْبَرَ مِن إسْحاقَ بِثَلاثِ عَشْرَةَ سَنَةً. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: يَمْشِي مَعَ أبِيهِ، قالَهُ قَتادَةُ. الثّانِي: أدْرَكَ مَعَهُ العَمَلَ، قالَهُ عِكْرِمَةُ. الثّالِثُ: أنَّهُ سَعَيُ العَمَلِ الَّذِي تَقُومُ بِهِ الحُجَّةُ، قالَهُ الحَسَنُ. الرّابِعُ: أنَّهُ السَّعْيُ في العِبادَةِ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: صامَ وصَلّى، ألَمْ تَسْمَعِ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿وَسَعى لَها سَعْيَها﴾ [الإسْراءِ: ١٩] قالَ الفَرّاءُ والكَلْبِيُّ، وكانَ يَوْمَئِذٍ ابْنَ ثَلاثِ عَشْرَةَ سَنَةً. ﴿قالَ يا بُنَيَّ إنِّي أرى في المَنامِ أنِّي أذْبَحُكَ﴾ فَرَوى سِماكٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ « (رُؤْيا الأنْبِياءِ في المَنامِ وحْيٌ)» . ﴿فانْظُرْ ماذا تَرى﴾ لَمْ يَقُلْ لَهُ ذَلِكَ عَلى وجْهِ المُؤامَرَةِ في أمْرِ اللَّهِ سُبْحانَهُ، وفِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٌ (p-٦١)أحَدُها: أنَّهُ قالَهُ إخْبارًا بِما أمَرَهُ اللَّهُ تَعالى بِهِ لِيَكُونَ أطْوَعَ لَهُ. الثّانِي: أنَّهُ قالَهُ امْتِحانًا لِصَبْرِهِ عَلى أمْرِ اللَّهِ تَعالى. الثّالِثُ: أيْ ماذا تُرِينِي مِن صَبْرِكَ أوْ جَزَعِكَ، قالَهُ الفَرّاءُ. ﴿قالَ يا أبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ﴾ الآيَةَ. فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: عَلى الذَّبْحِ، قالَهُ مُقاتِلٌ. الثّانِي: عَلى القَضاءِ، حَكاهُ الكَلْبِيُّ، فَوَجَدَهُ في الِامْتِحانِ صادِقَ الطّاعَةِ سَرِيعَ الإجابَةِ قَوِيَّ الدِّينِ. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿فَلَمّا أسْلَما﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: اتَّفَقا عَلى أمْرٍ واحِدٍ، قالَهُ أبُو صالِحٍ. الثّانِي: سَلَّما لِلَّهِ تَعالى الأمْرَ، وهو قَوْلُ السُّدِّيِّ. قالَ قَتادَةُ: سَلَّمَ إسْماعِيلُ نَفْسَهَ لِلَّهِ، وسَلَّمَ إبْراهِيمُ ابْنَهُ لِلَّهِ تَعالى. ﴿وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: مَعْناهُ صَرَعَهُ عَلى جَبِينِهِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والجَبِينُ ما عَنْ يَمِينِ الجَبْهَةِ وشِمالِها، قالَ الشّاعِرُ: ؎ وتَلَّهُ أبُو حَكَمٍ لِلْجَبِينِ فَصارَ إلى أُمِّهِ الهاوِيَةِ الثّانِي: أنَّهُ أكَبَّهُ لِوَجْهِهِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّالِثُ: أنَّهُ وضَعَ جَبِينَهُ عَلى تَلٍّ، قالَهُ قُطْرُبٌ. وَحَكى مُجاهِدٌ عَنْ إسْحاقَ أنَّهُ قالَ: يا أبَتِ اذْبَحْنِي وأنا ساجِدٌ، ولا تَنْظُرْ إلى وجْهِي فَعَسى أنْ تَرْحَمَنِي فَلا تَذْبَحَنِي. ﴿وَنادَيْناهُ أنْ يا إبْراهِيمُ﴾ ﴿قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا﴾ أيْ عَمِلْتَ ما رَأيْتَهُ في المَنامِ، وفي الَّذِي رَآهُ ثَلاثَةُ أقْاَويِلَ: أحَدُها: أنَّ الَّذِي رَآهُ أنَّهُ قَعَدَ مِنهُ مَقْعَدَ الذّابِحِ يَنْتَظِرُ الأمْرَ بِإمْضاءِ الذَّبْحِ. الثّانِي: أنَّ الَّذِي رَآهُ أنَّهُ أمَرَ بِذَبْحِهِ بِشَرْطِ التَّمْكِينِ ولَمْ يُمَكَّنْ مِنهُ لِما رُوِيَ أنَّهُ كانَ كُلَّما اعْتَمَدَ بِالشَّفْرَةِ انْقَلَبَتْ وجَعَلَ عَلى حَلْقِهِ صَفِيحَةً مِن نُحاسٍ. الثّالِثُ: أنَّ الَّذِي رَآهُ أنَّهُ ذَبَحَهُ وقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ وإنَّما وصَلَ اللَّهُ تَعالى الأوْداجَ بِلا فَصْلٍ. (p-٦٢)﴿إنّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ﴾ بِالعَفْوِ عَنْ ذَبْحِ ابْنِهِ. وَفِي الذَّبِيحِ قَوْلانِ مِثْلَ اخْتِلافِهِمْ في الحَلِيمِ الَّذِي بُشِّرَ بِهِ. أحَدُهُما: أنَّهُ إسْحاقُ، قالَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وكَعْبُ الأحْبارِ وقَتادَةُ والحَسَنُ. قالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ذَبَحَ إبْراهِيمُ ابْنَهُ إسْحاقَ وهو ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ ووَلَدَتْهُ سارَّةُ وهي بِنْتُ تِسْعِينَ سَنَةً. وَفِي المَوْضِعِ الَّذِي أرادَ ذَبْحَهُ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: بِمَكَّةَ في المَقامِ. الثّانِي: في المَنحَرِ بِمِنًى. الثّالِثُ: بِالشّامِ، قالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وهو مِن بَيْتِ المَقْدِسِ عَلى مِيلَيْنِ. وَلَمّا عَلِمَتْ سارَّةُ ما أرادَ بِإسْحاقَ بَقِيَتْ يَوْمَيْنِ وماتَتْ في اليَوْمِ. القَوْلُ الثّانِي: أنَّهُ إسْماعِيلُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ومُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وسَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ، وأنَّهُ ذَبَحَهُ بِمِنًى عِنْدَ الجِمارِ الَّتِي رَمى إبْلِيسَ في كُلِّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَياتٍ حِينَ عارَضَهُ في ذَبْحِهِ حَتّى جَمَرَ بَيْنَ يَدَيْهِ أيْ أسْرَعَ فَسُمِّيَتْ جِمارًا. وَحَكى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أنَّهُ ذَبَحَهُ عَلى الصَّخْرَةِ الَّتِي بِأصْلِ ثَبِيرٍ بِمِنًى. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿إنَّ هَذا لَهو البَلاءُ المُبِينُ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: الِاخْتِبارُ العَظِيمُ، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. الثّانِي: النِّعْمَةُ البَيِّنَةُ، قالَهُ الكَلْبِيُّ ومُقاتِلٌ وقُطْرُبٌ وأنْشَدَ قَوْلَ الحُطَيْئَةَ: ؎ وإنَّ بَلاءَهم ما قَدْ عَلِمْتُمْ ∗∗∗ عَلى الأيّامِ إنْ نَفَعَ البَلاءُ قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ فُدِيَ بِوَعْلٍ أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِن ثَبِيرٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وحَكى عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أنَّهُ كَبْشٌ رُعِيَ في الجَنَّةِ أرْبَعِينَ خَرِيفًا. الثّانِي: أنَّهُ فُدِيَ بِكَبْشٍ مِن غَنَمِ الدُّنْيا، قالَهُ الحَسَنُ. الثّالِثُ: أنَّهُ فُدِيَ بِكَبْشٍ أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنَ الجَنَّةِ وهو الكَبْشُ الَّذِي قَرَّبَهُ هابِيلُ بْنُ (p-٦٣)آدَمَ فَقُبِلَ مِنهُ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ حَدَّثَنِي مَن رَأى قَرْنَيِ الكَبْشِ الَّذِي ذَبَحَهُ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ مُعَلَّقَيْنِ بِالكَعْبَةِ. والذِّبْحُ بِالكَسْرِ هو المَذْبُوحُ، والذَّبْحُ بِالفَتْحِ هو فِعْلُ الذَّبْحِ. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿عَظِيمٍ﴾ خَمْسَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: لِأنَّهُ قَدْ رَعى في الجَنَّةِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: لِأنَّهُ ذُبِحَ بِحَقٍّ، قالَهُ الحَسَنُ. الثّالِثُ: لِأنَّهُ عَظِيمُ الشَّخْصِ. الرّابِعُ: لِأنَّهُ عَظِيمُ البَرَكَةِ. الخامِسُ: لِأنَّهُ مُتَقَبَّلٌ، قالَهُ مُجاهِدٌ. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَتَرَكْنا عَلَيْهِ في الآخِرِينَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: الثَّناءُ الحَسَنُ، قالَهُ قَتادَةُ. الثّانِي: هو السَّلامُ عَلى إبْراهِيمَ، قالَهُ عِكْرِمَةُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب