الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا بُنَيَّ إنَّها إنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِن خَرْدَلٍ﴾ وهَذا مَثَلٌ مَضْرُوبٌ لِمِثْقالِ حَبَّةٍ مِن خَرْدَلٍ. قالَ قَتادَةُ: مِن خَيْرٍ أوْ شَرٍّ. ﴿فَتَكُنْ في صَخْرَةٍ﴾ فِيها قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّها الصَّخْرَةُ الَّتِي تَحْتَ الأرْضِ السّابِعَةِ قالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أنَسٍ والسُّدِّيُّ. قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الحارِثِ وهي صَخْرَةٌ عَلى ظَهْرِ الحُوتِ، قالَ الثَّوْرِيُّ: بَلَغَنا أنَّ خُضْرَةَ السَّماءِ مِن تِلْكَ الصَّخْرَةِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هَذِهِ الصَّخْرَةُ لَيْسَتْ في (p-٣٣٨)السَّماءِ ولا في الأرْضِ. وَقِيلَ إنَّ هَذِهِ الصَّخْرَةَ هي سِجِّينٌ الَّتِي يُكْتَبُ فِيها أعْمالُ الكُفّارِ ولا تُرْفَعُ إلى السَّماءِ. الثّانِي: مَعْنى قَوْلِهِ في صَخْرَةٍ أيْ في جَبَلٍ، قالَهُ قَتادَةُ. ﴿أوْ في السَّماواتِ أوْ في الأرْضِ يَأْتِ بِها اللَّهُ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: بِجَزاءِ ما وازَنَها مِن خَيْرٍ أوْ شَرٍّ. الثّانِي: يَعْلَمُها اللَّهُ فَيَأْتِي بِها إذا شاءَ، كَذَلِكَ قَلِيلُ العَمَلِ مِن خَيْرٍ أوْ شَرٍّ يَعْلَمُهُ اللَّهُ فَيُجازِي عَلَيْهِ. ﴿إنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ﴾ بِاسْتِخْراجِها. ﴿خَبِيرٌ﴾ بِمَكانِها، قالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أنَسٍ. رَوى عَلِيُّ بْنُ رَباحٍ اللَّخْمِيُّ قالَ: لَمّا وعَظَ لُقْمانُ ابْنَهُ بِهَذا أخَذَ حَبَّةً مِن خَرْدَلٍ فَأتى بِها البَحْرَ فَألْقاها في عَرْضِهِ، ثُمَّ مَكَثَ ما شاءَ، ثُمَّ ذَكَرَها وبَسَطَ يَدَهُ، فَبَعَثَ اللَّهُ ذُبابَةً فاخْتَطَفَتْها وحَمَلَتْها حَتّى وضَعَتْها في يَدِهِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واصْبِرْ عَلى ما أصابَكَ﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: عَلى ما أصابَكَ مِنَ الأذى في الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ. الثّانِي: عَلى ما أصابَكَ مِنَ البَلْوى في نَفْسِكَ أوْ مالِكَ. ﴿إنَّ ذَلِكَ مِن عَزْمِ الأُمُورِ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: ما أمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الأُمُورِ. الثّانِي: مِن ضَبْطِ الأُمُورِ، قالَهُ المُفَضَّلُ. الثّالِثُ: مِن قَطْعِ الأُمُورِ. وَفي العَزْمِ والحَزْمِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّ مَعْناهُما واحِدٌ وإنِ اخْتَلَفَ لَفْظُهُما. الثّانِي: مَعْناهُما مُخْتَلِفٌ وفي اخْتِلافِهِما وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّ الحَزْمَ الحَذَرَ والعَزْمَ القُوَّةُ، ومِنهُ المَثَلُ: لا خَيْرَ في عَزْمٍ بِغَيْرِ حَزْمٍ. الثّانِي: أنَّ الحَزْمَ التَّأهُّبُ لِلْأمْرِ والعَزْمَ النَّفاذُ فِيهِ، ومِنهُ قَوْلُهم في بَعْضِ الأمْثالِ: رَوِّ بِحَزْمٍ فَإذا اسْتَوْضَحْتَ فاعْزِمْ. (p-٣٣٩)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنّاسِ﴾ قَرَأ أبُو عَمْرٍو وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ ونافِعٌ. ( تُصاعِرْ ) بِألِفٍ، وتَصاعَرَ تَفاعَلَ مِنَ الصَّعَرِ وفِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: أنَّهُ الكِبْرُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: المَيْلُ، قالَهُ المُفَضَّلُ. الثّالِثُ: التَّشَدُّقُ في الكَلامِ، حَكاهُ اليَزِيدِيُّ، وتُصَعِّرْ هو عَلى مَعْنى المُبالَغَةِ. وَفي مَعْنى الآيَةِ خَمْسَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: أنَّهُ إعْراضُ الوَجْهِ عَنِ النّاسِ تَكَبُّرًا، قالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ. الثّانِي: هو التَّشَدُّقُ، قالَهُ إبْراهِيمُ النَّخَعِيُّ في الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ. الثّالِثُ: أنْ يَلْوِيَ شِدْقَهُ عِنْدَ ذِكْرِ الإنْسانِ احْتِقارًا، قالَهُ أبُو الجَوْزاءِ، قالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ. ؎ وكُنّا إذا الجَبّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ أقَمْنا لَهُ مِن صَعْرِهِ فَتَقَوَّما الرّابِعُ: هو أنْ يُعْرِضَ عَمَّنْ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ إحْنَةً هَجْرًا لَهُ فَكَأنَّهُ أمَرَ بِالصَّفْحِ والعَفْوِ، قالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أنَسٍ. ﴿وَلا تَمْشِ في الأرْضِ مَرَحًا﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: يَعْنِي بِالمَعْصِيَةِ، قالَهُ الضَّحّاكُ. الثّانِي: بِالخُيَلاءِ والعَظَمَةِ، قالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ. الثّالِثُ: أنْ يَكُونَ بَطِرًا أشِرًا، قالَهُ ابْنُ شَجَرَةَ. ﴿إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: أنَّهُ المَنّانُ، قالَهُ أبُو ذَرٍّ. (p-٣٤٠)الثّانِي: المُتَكَبِّرُ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّالِثُ: البَطَرُ، قالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ. وَرَوى أبُو ذَرٍّ قالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: « (ثَلاثَةٌ يَشْنَؤُهُمُ اللَّهُ: الفَقِيرُ المُخْتالُ، والبَخِيلُ المَنّانُ، والبَيِّعُ الحَلّافُ)» . ﴿فَخُورٍ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: أنَّهُ المُتَطاوِلُ عَلى النّاسِ بِنَفْسِهِ، قالَهُ ابْنُ شَجَرَةَ. الثّانِي: أنَّهُ المُفْتَخِرُ عَلَيْهِمْ بِما يَصِفُهُ مِن مَناقِبِهِ، قالَهُ ابْنُ عِيسى. الثّالِثُ: أنَّهُ الَّذِي يُعَدِّدُ ما أعْطى ولا يَشْكُرُ اللَّهَ فِيما أعْطاهُ، قالَهُ مُجاهِدٌ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واقْصِدْ في مَشْيِكَ﴾ فِيهِ خَمْسَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: مَعْناهُ تَواضَعْ في نَفْسِكَ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّانِي: انْظُرْ في مَشْيِكَ مَوْضِعَ قَدَمِكَ، قالَهُ الضَّحّاكُ. الثّالِثُ: أسْرِعْ في مِشْيَتِكَ، قالَهُ يَزِيدُ بْنُ أبِي حَبِيبٍ. الرّابِعُ: لا تُسْرِعْ في المَشْيِ، حَكاهُ النَّقّاشُ. وَقَدْ رَوى أنَسُ بْنُ مالِكٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « (سُرْعَةُ المَشْيِ تُذْهِبُ بَهاءَ وجْهِ المَرْءِ)» . الخامِسُ: لا تَخْتَلْ في مِشْيَتِكَ، قالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ. (p-٣٤١)﴿واغْضُضْ مِن صَوْتِكَ﴾ أيِ اخْفِضْ مِن صَوْتِكَ والصَّوْتُ هو أرْفَعُ مِن كَلامِ المُخاطَبَةِ. ﴿إنَّ أنْكَرَ الأصْواتِ لَصَوْتُ الحَمِيرِ﴾ يَعْنِي شَرَّ الأصْواتِ، قالَهُ عِكْرِمَةُ وفِيهِ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: أقْبَحُ الأصْواتِ، قالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ. الثّانِي: قَدْ تَقَدَّمَ. الثّالِثُ: أشَدُّ، قالَهُ الحَسَنُ. الرّابِعُ: أبْعَدُ، قالَهُ المُبَرِّدُ. ﴿لَصَوْتُ الحَمِيرِ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّها العَطْسَةُ المُرْتَفِعَةُ، قالَهُ جَعْفَرٌ الصّادِقُ. الثّانِي: أنَّهُ صَوْتُ الحِمارِ. وَفِي تَخْصِيصِهِ بِالذِّكْرِ مِن بَيْنِ الحَيَوانِ وجْهانِ: أحَدُهُما: لِأنَّهُ أقْبَحُها في النَّفْسِ وأنْكَرَها عِنْدَ السَّمْعِ وهو عِنْدَ العَرَبِ مَضْرُوبٌ بِهِ المَثَلُ، قالَ قَتادَةُ: لِأنَّ أوَّلَهُ زَفِيرٌ وآخِرَهُ شَهِيقٌ. الثّانِي: لِأنَّ صِياحَ كُلِّ شَيْءٍ تَسْبِيحُهُ إلّا الحِمارَ فَإنَّهُ يَصِيحُ لِرُؤْيَةِ الشَّيْطانِ، قالَهُ سُفْيانُ الثَّوْرِيُّ، وقَدْ حُكِيَ عَنْ بِشْرِ بْنِ الحارِثِ أنَّهُ قالَ: نَهِيقُ الحِمارِ دُعاءٌ عَلى الظَّلَمَةِ. والسَّبَبُ في أنْ ضَرَبَ اللَّهُ صَوْتَ الحِمارِ مَثَلًا ما رَوى سُلَيْمانُ بْنُ أرْقَمَ عَنِ الحَسَنِ أنَّ المُشْرِكِينَ كانُوا في الجاهِلِيَّةِ يَتَجاهَرُونَ ويَتَفاخَرُونَ بِرَفْعِ الأصْواتِ فَمَن كانَ مِنهم أشَدَّ صَوْتًا كانَ أعَزَّ، ومَن كانَ أخْفَضَ صَوْتًا كانَ أذِلَّ، فَقالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿إنَّ أنْكَرَ الأصْواتِ لَصَوْتُ الحَمِيرِ﴾ أيْ لَوْ أنَّ شَيْئًا يُهابُ لِصَوْتِهِ لَكانَ الحِمارَ فَجَعَلَهم في المَثَلِ بِمَنزِلَتِهِ.(p-٣٤٢)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب