الباحث القرآني
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿هُوَ الَّذِي أنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتابَ﴾ يَعْنِي القُرْآنَ.
﴿مِنهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتابِ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ﴾ اخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ في تَأْوِيلِهِ عَلى سَبْعَةِ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّ المُحْكَمَ النّاسِخُ، والمُتَشابِهَ المَنسُوخُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ مَسْعُودٍ.
والثّانِي: أنَّ المُحْكَمَ ما أحْكَمَ اللَّهُ بَيانَ حَلالِهِ وحَرامِهِ فَلَمْ تَشْتَبِهْ مَعانِيهِ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
والثّالِثُ: أنَّ المُحْكَمَ ما لَمْ يَحْتَمِلْ مِنَ التَّأْوِيلِ إلّا وجْهًا واحِدًا، والمُتَشابِهَ ما احْتَمَلَ أوْجُهًا، قالَهُ الشّافِعِيُّ ومُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ.
والرّابِعُ: أنَّ المُحْكَمَ الَّذِي لَمْ تَتَكَرَّرْ ألْفاظُهُ، والمُتَشابِهَ الَّذِي تَكَرَّرَتْ ألْفاظُهُ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ.
والخامِسُ: أنَّ المُحْكَمَ الفَرائِضُ والوَعْدُ والوَعِيدُ، والمُتَشابِهَ القَصَصُ والأمْثالُ.
والسّادِسُ: أنَّ المُحْكَمَ ما عَرَفَ العُلَماءُ تَأْوِيلَهُ وفَهِمُوا مَعْناهُ وتَفْسِيرَهُ، والمُتَشابِهَ ما لَمْ يَكُنْ إلى عِلْمِهِ سَبِيلٌ مِمّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ، كَقِيامِ السّاعَةِ، وطُلُوعِ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبِها، وخُرُوجِ عِيسى ونَحْوِهِ، وهَذا قَوْلُ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.
والسّابِعُ: أنَّ المُحْكَمَ ما قامَ بِنَفْسِهِ ولَمْ يَحْتَجْ إلى اسْتِدْلالٍ. (p-٣٧٠)
وَيَحْتَمِلُ ثامِنًا: أنَّ المُحْكَمَ ما كانَتْ مَعانِي أحْكامِهِ مَعْقُولَةً، والمُتَشابِهُ ما كانَتْ مَعانِي أحْكامِهِ غَيْرَ مَعْقُولَةٍ، كَأعْدادِ الصَّلَواتِ، واخْتِصاصِ الصِّيامِ بِشَهْرِ رَمَضانَ دُونَ شَعْبانَ.
وَإنَّما جَعَلَهُ مُحْكَمًا ومُتَشابِهًا اسْتِدْعاءً لِلنَّظَرِ مِن غَيْرِ اتِّكالٍ عَلى الخَبَرِ، وقَدْ رَوى مُعاذُ بْنُ جَبَلٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: « (القُرْآنُ عَلى ثَلاثَةِ أجْزاءٍ: حَلالٍ فاتَّبِعْهُ، وحَرامٍ فاجْتَنِبْهُ، ومُتَشابِهٍ يُشْكِلُ عَلَيْكَ فَكِلْهُ إلى عالِمِهِ» . وأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هُنَّ أُمُّ الكِتابِ﴾ فَفِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أصْلُ الكِتابِ.
والثّانِي: مَعْلُومُ الكِتابِ.
وَفِيهِ تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ أرادَ الآيَ الَّتِي فِيها الفَرائِضُ والحُدُودُ، قالَهُ يَحْيى بْنُ يَعْمُرَ.
والثّانِي: أنَّهُ أرادَ فَواتِحَ السُّوَرِ الَّتِي يُسْتَخْرَجُ مِنها القُرْآنُ، وهو قَوْلُ أبِي فاخِتَةَ.
وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: أنْ يُرِيدَ بِهِ أنَّهُ مَعْقُولُ المَعانِي لِأنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَنْهُ ما شارَكَهُ في مَعْناهُ، فَيَصِيرُ الأصْلُ لِفُرُوعِهِ كالأُمِّ لِحُدُوثِها عَنْهُ، فَلِذَلِكَ سَمّاهُ أُمَّ الكِتابِ.
﴿فَأمّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾ فِيهِ تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: مَيْلٌ عَنِ الحَقِّ.
والثّانِي: شَكٌّ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
﴿فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنهُ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: أنَّهُ الأجَلُ الَّذِي أرادَتِ اليَهُودُ أنْ تَعْرِفَهُ مِنَ الحُرُوفِ المُقَطَّعَةِ مِن حِسابِ الجُمَّلِ في انْقِضاءِ مُدَّةِ النَّبِيِّ ﷺ. والثّانِي: أنَّهُ مَعْرِفَةُ عَواقِبِ القُرْآنِ في العِلْمِ بِوُرُودِ النَّسْخِ قَبْلَ وقْتِهِ. (p-٣٧١)
والثّالِثُ: أنَّ ذَلِكَ نَزَلَ في وفْدِ نَجْرانَ لَمّا حاجُّوا النَّبِيَّ ﷺ في المَسِيحِ، فَقالُوا: ألَيْسَ كَلِمَةَ اللَّهِ ورُوحَهُ؟ قالَ: (بَلى) فَقالُوا: حَسْبُنا، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿فَأمّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنهُ ابْتِغاءَ الفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ وهو قَوْلُ الرَّبِيعِ.
وَفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ابْتِغاءَ الفِتْنَةِ﴾ أرْبَعَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: الشِّرْكُ، قالَهُ السُّدِّيُّ.
والثّانِي: اللَّبْسُ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
الثّالِثُ: الشُّبُهاتُ الَّتِي حاجَّ بِها وفْدَ نَجْرانَ.
والرّابِعُ: إفْسادُ ذاتِ البَيْنِ.
﴿وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ في التَّأْوِيلِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ التَّفْسِيرُ.
والثّانِي: أنَّهُ العاقِبَةُ المُنْتَظَرَةُ.
﴿وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا اللَّهُ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: تَأْوِيلُ جَمِيعِ المُتَشابِهِ، لِأنَّ فِيهِ ما يَعْلَمُهُ النّاسُ، وفِيهِ ما لا يَعْلَمُهُ إلّا اللَّهُ، قالَهُ الحَسَنُ.
والثّانِي: أنَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ القِيامَةِ لِما فِيهِ مِنَ الوَعْدِ والوَعِيدِ، كَما قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ﴾ [الأعْرافِ: ٥٣] يَعْنِي يَوْمَ القِيامَةِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. (p-٣٧٢)
والثّالِثُ: تَأْوِيلُهُ وقْتُ حُلُولِهِ، قالَهُ بَعْضُ المُتَأخِّرِينَ.
﴿والرّاسِخُونَ في العِلْمِ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: يَعْنِي الثّابِتِينَ فِيهِ، العامِلِينَ بِهِ.
والثّانِي: يَعْنِي المُسْتَنْبِطِينَ لِلْعِلْمِ والعامِلِينَ، وفِيهِمْ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهم داخِلُونَ في الِاسْتِثْناءِ، وتَقْدِيرُهُ: أنَّ الَّذِي يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ اللَّهُ والرّاسِخُونَ في العِلْمِ جَمِيعًا.
رَوى ابْنُ أبِي نَجِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: أنا مِمَّنْ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ.
الثّانِي: أنَّهم خارِجُونَ مِنَ الِاسْتِثْناءِ، ويَكُونُ مَعْنى الكَلامِ: ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلّا اللَّهُ وحْدَهُ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقالَ: ﴿والرّاسِخُونَ في العِلْمِ﴾ ﴿يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِن عِنْدِ رَبِّنا﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَ رَبِّنا.
والثّانِي: ما فَصَلَهُ مِنَ المُحْكَمِ والمُتَشابِهِ، فَنَزَلَ مِن عِنْدِ رَبِّنا.
{"ayahs_start":5,"ayahs":["إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَخۡفَىٰ عَلَیۡهِ شَیۡءࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ","هُوَ ٱلَّذِی یُصَوِّرُكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡحَامِ كَیۡفَ یَشَاۤءُۚ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ","هُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ مِنۡهُ ءَایَـٰتࣱ مُّحۡكَمَـٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَـٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَـٰبِهَـٰتࣱۖ فَأَمَّا ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمۡ زَیۡغࣱ فَیَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَاۤءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَاۤءَ تَأۡوِیلِهِۦۖ وَمَا یَعۡلَمُ تَأۡوِیلَهُۥۤ إِلَّا ٱللَّهُۗ وَٱلرَّ ٰسِخُونَ فِی ٱلۡعِلۡمِ یَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلࣱّ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ وَمَا یَذَّكَّرُ إِلَّاۤ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ","رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَیۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ","رَبَّنَاۤ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِیَوۡمࣲ لَّا رَیۡبَ فِیهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُخۡلِفُ ٱلۡمِیعَادَ"],"ayah":"إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَخۡفَىٰ عَلَیۡهِ شَیۡءࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق