الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ﴾ اخْتُلِفَ في سَبَبِ دُعائِهِ عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّ اللَّهَ تَعالى أذِنَ لَهُ في المَسْألَةِ لِأنَّ سُؤالَ ما خالَفَ العادَةَ يُمْنَعُ مِنهُ إلّا عَنْ إذْنٍ لِتَكُونَ الإجابَةُ إعْجازًا. والثّانِي: أنَّهُ لَمّا رَأى فاكِهَةَ الصَّيْفِ في الشِّتاءِ، وفاكِهَةَ الشِّتاءِ في الصَّيْفِ طَمِعَ في رِزْقِ الوَلَدِ مِن عاقِرٍ. ﴿قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾ يَعْنِي هَبْ لِي مِن عِنْدِكَ ولَدًا مُبارَكًا، وقَصَدَ بِالذُّرِّيَّةِ الواحِدَ. ﴿إنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ﴾ أيْ تُجِيبُ الدُّعاءَ، لِأنَّ إجابَةَ الدُّعاءِ بَعْدَ سَماعِهِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَنادَتْهُ المَلائِكَةُ﴾ قَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: فَناداهُ المَلائِكَةُ، وفي مُناداتِهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ جِبْرِيلُ وحْدَهُ، وهو قَوْلُ السُّدِّيِّ. والثّانِي: جَماعَةٌ مِنَ المَلائِكَةِ. ﴿وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي في المِحْرابِ أنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى﴾ قِيلَ: إنَّما سَمّاهُ (p-٣٩٠) يَحْيى لِأنَّ اللَّهَ تَعالى أحْياهُ بِالإيمانِ، وسَمّاهُ بِهَذا الِاسْمِ قَبْلَ مَوْلِدِهِ. ﴿مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: بِكِتابٍ مِنَ اللَّهِ، وهَذا قَوْلُ أبِي عُبَيْدَةَ وأهْلِ البَصْرَةِ. والثّانِي: يَعْنِي المَسِيحَ، وهَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ، وقَتادَةَ، والرَّبِيعِ، والضَّحّاكِ، والسُّدِّيِّ. واخْتَلَفُوا في تَسْمِيَتِهِ كَلِمَةً مِنَ اللَّهِ عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهُ خَلَقَهُ بِكَلِمَتِهِ مِن غَيْرِ أبٍ. والثّانِي: أنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأنَّ النّاسَ يَهْتَدُونَ بِهِ في دِينِهِمْ كَما يَهْتَدُونَ بِكَلامِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ. ﴿وَسَيِّدًا﴾ فِيهِ خَمْسَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ الخَلِيفَةُ، وهو قَوْلُ قَتادَةَ. والثّانِي: أنَّهُ التَّقِيُّ، وهو قَوْلُ سالِمٍ. والثّالِثُ: أنَّهُ الشَّرِيفُ، وهو قَوْلُ ابْنِ زَيْدٍ. والرّابِعُ: أنَّهُ الفَقِيهُ العالِمُ، وهو قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ. والخامِسُ: سَيِّدُ المُؤْمِنِينَ، يَعْنِي بِالرِّياسَةِ عَلَيْهِمْ، وهَذا قَوْلُ بَعْضِ المُتَكَلِّمِينَ. ﴿وَحَصُورًا﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ كانَ عِنِّينًا لا ماءَ لَهُ، وهَذا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وابْنِ عَبّاسٍ، والضَّحّاكِ. والثّانِي: أنَّهُ كانَ لا يَأْتِي النِّساءَ، وهو قَوْلُ قَتادَةَ، والحَسَنِ. (p-٣٩١) والثّالِثُ: أنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ما يَأْتِي بِهِ النِّساءَ، لِأنَّهُ كانَ مَعَهُ مِثْلُ الهُدْبَةِ، وهو قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿قالَ رَبِّ أنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وقَدْ بَلَغَنِيَ الكِبَرُ﴾ وإنَّما جازَ لَهُ أنْ يَقُولَ: (وَقَدْ بَلَغَنِي الكِبَرُ) لِأنَّهُ بِمَنزِلَةِ الطّالِبِ لَهُ. ﴿وامْرَأتِي عاقِرٌ﴾ أيْ لا تَلِدُ. فَإنْ قِيلَ: فَلِمَ راجَعَ بِهَذا القَوْلِ بَعْدَ أنْ بُشِّرَ بِالوَلَدِ، فَفِيهِ جَوابانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ راجَعَ لِيَعْلَمَ عَلى أيِّ حالٍ يَكُونُ مِنهُ الوَلَدُ، بِأنْ يُرَّدَّ هو وامْرَأتُهُ إلى حالِ الشَّبابِ، أمْ عَلى حالِ الكِبَرِ، فَقِيلَ لَهُ: كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ، أيْ عَلى هَذِهِ الحالِ، وهَذا قَوْلُ الحَسَنِ. والثّانِي: أنَّهُ قالَ ذَلِكَ اسْتِعْظامًا لِمَقْدُورِ اللَّهِ وتَعَجُّبًا. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً﴾ أيْ عَلامَةً لِوَقْتِ الحَمْلِ لِيَتَعَجَّلَ السُّرُورَ بِهِ. ﴿قالَ آيَتُكَ ألا تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَةَ أيّامٍ إلا رَمْزًا﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: تَحْرِيكُ الشَّفَتَيْنِ وهو قَوْلُ مُجاهِدٍ. والثّانِي: الإشارَةُ، وهو قَوْلُ قَتادَةَ. والثّالِثُ: الإيماءُ، وهو قَوْلُ الحَسَنِ. ﴿واذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا﴾ لَمْ يُمْنَعْ مِن ذِكْرِ اللَّهِ تَعالى، وذَلِكَ هي الآيَةُ. ﴿وَسَبِّحْ بِالعَشِيِّ والإبْكارِ﴾ والعَشِيُّ: مِن حِينِ زَوالِ الشَّمْسِ إلى أنْ تَغِيبَ، وأصْلُ العَشِيِّ الظُّلْمَةُ، ولِذَلِكَ كانَ العَشى ضَعْفَ البَصَرِ، فَسُمِّيَ ما بَعْدَ الزَّوالِ عِشاءً لِاتِّصالِهِ بِالظُّلْمَةِ. وَأمّا الإبْكارُ فَمِن حِينِ طُلُوعِ الفَجْرِ إلى وقْتِ الضُّحى، وأصْلُهُ التَّعْجِيلُ، لِأنَّهُ تَعْجِيلُ الضِّياءِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب