الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ﴾ الآيَةَ. في سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّها نَزَلَتْ في قُرَيْشٍ قَبْلَ بَدْرٍ بِسَنَةٍ، فَحَقَّقَ اللَّهُ قَوْلَهُ، وصَدَّقَ رَسُولَهُ، وأنْجَزَ وعْدَهُ بِمَن قَتَلَ مِنهم يَوْمَ بَدْرٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والضَّحّاكُ. والثّانِي: أنَّها نَزَلَتْ في بَنِي قَيْنُقاعَ لَمّا هَلَكَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ بَدْرٍ، فَدَعاهُمُ النَّبِيُّ ﷺ إلى الإسْلامِ، وحَذَّرَهم مِثْلَ ما نَزَلَ بِقُرَيْشٍ، فَأبَوْا وقالُوا: لَسْنا كَقُرَيْشٍ الأغْمارِ الَّذِينَ لا يَعْرِفُونَ النّاسَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةَ، قالَهُ قَتادَةُ، وابْنُ إسْحاقَ. والثّالِثُ: أنَّها نَزَلَتْ في عامَّةِ الكُفّارِ. وَفي الغَلَبَةِ هُنا قَوْلانِ: أحَدُهُما: بِالقَهْرِ والِاسْتِيلاءِ، إنْ قِيلَ: إنَّها خاصَّةٌ. (p-٣٧٤) والثّانِي: بِظُهُورِ الحُجَّةِ، إنْ قِيلَ: إنَّها عامَّةٌ. وَفي ﴿وَبِئْسَ المِهادُ﴾ قَوْلانِ: أحَدُهُما: بِئْسَ ما مَهَّدُوا لِأنْفُسِهِمْ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والثّانِي: مَعْناهُ بِئْسَ القَرارُ، قالَهُ الحَسَنُ. وَفي (بِئْسَ) وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ البَأْسِ، وهو الشِّدَّةُ. والثّانِي: أنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ البَأْساءِ وهو الشَّرُّ. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿قَدْ كانَ لَكم آيَةٌ في فِئَتَيْنِ التَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ يَعْنِي المُؤْمِنِينَ مِن أهْلِ بَدْرٍ. ﴿وَأُخْرى كافِرَةٌ﴾ يَعْنِي مُشْرِكِي قُرَيْشٍ. ﴿يَرَوْنَهم مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ العَيْنِ﴾ وفي مِثْلَيْهِمْ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهم مِثْلانِ زائِدانِ عَلى العَدَدِ المُتَحَقِّقِ، فَيَصِيرُ العَدَدُ ثَلاثَةَ أمْثالٍ، قالَهُ الفَرّاءُ. والثّانِي: هو المَزِيدُ في الرُّؤْيَةِ، قالَهُ الزَّجّاجُ. اخْتَلَفُوا في المُخاطَبِ بِهَذِهِ الرُّؤْيَةِ عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّها الفِئَةُ المُؤْمِنَةُ الَّتِي تُقاتِلُ في سَبِيلِ اللَّهِ، بِأنْ أراهُمُ اللَّهُ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ مِثْلَيْ عَدَدِ أنْفُسِهِمْ، لِأنَّ عِدَّةَ المُسْلِمِينَ كانُوا ثَلاثَمِائَةٍ وبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وعِدَّةُ المُشْرِكِينَ في رِوايَةِ عَلِيٍّ وابْنِ مَسْعُودٍ ألْفٌ، وفي رِوايَةِ عُرْوَةَ، وقَتادَةَ، والرَّبِيعِ ما بَيْنَ تِسْعِمِائَةٍ إلى ألْفٍ، فَقَلَّلَهُمُ اللَّهُ في أعْيُنِهِمْ تَقْوِيَةً لِنُفُوسِهِمْ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، والحَسَنُ. والثّانِي: أنَّ الفِئَةَ الَّتِي أراها اللَّهُ ذَلِكَ هي الفِئَةُ الكافِرَةُ، أراهُمُ اللَّهُ المُسْلِمِينَ مِثْلَيْ عَدَدِهِمْ مُكَثِّرًا لَهم، لِتَضْعُفَ بِهِ قُلُوبُهم. والآيَةُ في الفِئَتَيْنِ هي تَقْلِيلُ الكَثِيرِ في أعْيُنِ المُسْلِمِينَ، وتَكْثِيرُ القَلِيلِ في أعْيُنِ المُشْرِكِينَ، وما تَقَدَّمَ مِنَ الوَعْدِ بِالغَلَبَةِ، فَتَحَقَّقَ، قَتْلًا، وأسْرًا، وسَبْيًا. (p-٣٧٥) ﴿واللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشاءُ﴾ يَعْنِي مِن أهْلِ طاعَتِهِ. وَفي التَّأْيِيدِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ المَعُونَةُ. والثّانِي: القُوَّةُ. ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأبْصارِ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّ في نُصْرَةِ اللَّهِ لِرَسُولِهِ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ قِلَّةِ أصْحابِهِ عِبْرَةً لِذَوِي البَصائِرِ والعُقُولِ. والثّانِي: أنَّ فِيما أبْصَرَهُ المُشْرِكُونَ مِن كَثْرَةِ المُسْلِمِينَ مَعَ قِلَّتِهِمْ عِبْرَةً لِذَوِي الأعْيُنِ والبَصائِرِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب