الباحث القرآني

(p-٢٩١)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ أرْضِي واسِعَةٌ﴾ فِيهِ خَمْسَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: أيْ جانِبُوا أهْلَ المَعاصِي بِالخُرُوجِ مِن أرْضِهِمْ، قالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ وعَطاءٌ. الثّانِي: اطْلُبُوا أوْلِياءَ اللَّهِ إذا ظَهَرُوا بِالخُرُوجِ إلَيْهِمْ، قالَهُ أبُو العالِيَةِ. الثّالِثُ: جاهِدُوا أعْداءَ اللَّهِ بِالقِتالِ لَهم، قالَهُ مُجاهِدٌ. الرّابِعُ: إنَّ رَحْمَتِي واسِعَةٌ لَكم، قالَهُ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. الخامِسُ: إنَّ رِزْقِي واسِعٌ لَكم، وهو مَرْوِيٌّ عَنْ مُطَرِّفٍ أيْضًا. ﴿فَإيّايَ فاعْبُدُونِ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: فارْهَبُونِ، قالَهُ بِلالُ بْنُ سَعْدٍ. الثّانِي: فاعْبُدُونِ بِالهِجْرَةِ إلى المَدِينَةِ، قالَهُ السُّدِّيُّ. الثّالِثُ: فاعْبُدُونِ بِألّا تُطِيعُوا أحَدًا في مَعْصِيَتِي، قالَهُ عَلِيُّ بْنُ عِيسى. قَوْلُهُ: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ المَوْتِ﴾ وفِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: يَعْنِي أنَّ كُلَّ حَيٍّ مَيِّتٌ. الثّانِي: أنَّها تَجِدُ كُرْبَهُ وشِدَّتَهُ، وفي إعْلامِهِمْ بِذَلِكَ وإنْ كانُوا يَعْلَمُونَهُ وجْهانِ: أحَدُهُما: إرْهابًا بِالمَوْتِ لِيُقْلِعُوا عَنِ المَعاصِي. الثّانِي: لِيُعْلِمَهم أنَّ أنْبِياءَ اللَّهِ وإنِ اخْتَصُّوا بِكَرامَتِهِ وتَفَرَّدُوا بِرِسالَتِهِ فَحُلُولُ المَوْتِ بِهِمْ كَحُلُولِهِ بِغَيْرِهِمْ حَتّى لا يَضِلُّوا بِمَوْتِ مَن ماتَ مِنهم، ورَوى جَعْفَرٌ (p-٢٩٢)الصّادِقُ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ قالَ «لَمّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جاءَهم آتٍ يَسْمَعُونَ حِسَّهُ ولا يَرَوْنَ شَخْصَهُ فَقالَ: السَّلامُ عَلَيْكم أهْلَ البَيْتِ ورَحْمَةُ اللَّهِ وبَرَكاتُهُ، ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ المَوْتِ﴾، إنَّ في اللَّهِ عَزاءً مَن كُلِّ مُصِيبَةٍ، وخَلَفًا مِن كُلِّ هالِكٍ ودَرَكًا مِن كُلِّ فائِتٍ; فَبِاللَّهِ فَثِقُوا، وإيّاهُ فارْجُوا، فَإنَّ المُصابَ مَن حُرِمَ الثَّوابَ. » ﴿ثُمَّ إلَيْنا تُرْجَعُونَ﴾ يُرِيدُ البَعْثَ في القِيامَةِ بَعْدَ المَوْتِ في الدُّنْيا. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَنُبَوِّئَنَّهم مِنَ الجَنَّةِ غُرَفًا﴾ قَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ ( لَنَثُوِّيَنَّهم ) بِالثّاءِ مِنَ الثِّواءِ وهو طُولُ المَقامِ وقَرَأ الباقُونَ بِالباءِ ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ﴾ مَعْناهُ لِنُسْكِنَنَّهم أعالِيَ البُيُوتِ. وَإنَّما خَصَّهم بِالغُرَفِ لِأمْرَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّ الغُرَفَ لا تَسْتَقِرُّ إلّا فَوْقَ البُيُوتِ فَصارَ فِيها جَمْعٌ بَيْنَ أمْرَيْنِ. الثّانِي: لِأنَّها أنْزَهُ مِنَ البُيُوتِ لِإشْرافِها وألَذُّ سُكْنى مِنها لِرِياحِها وجَفافِها. وَقَدْ رَوى أبُو مالِكٍ الأشْعَرِيُّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «إنَّ في الجَنَّةِ غُرَفًا يُرى ظاهِرُها مِن باطِنِها، وباطِنُها مِن ظاهِرِها، أعَدَّها اللَّهُ لِمَن أطْعَمَ الطَّعامَ وأطابَ الكَلامَ وتابَعَ الصَّلاةَ والصِّيامَ وقامَ بِاللِّيلِ والنّاسُ نِيامٌ» . قَوْلُهُ: ﴿وَكَأيِّنْ مِن دابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَها﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أقاوِيلَ: (p-٢٩٣)أحَدُها: مَعْناهُ تَأْكُلُ بِأفْواهِها ولا تَحْمِلُ شَيْئًا، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّانِي: تَأْكُلُ لِوَقْتِها ولا تَدَّخِرُ لِغَدِها، قالَهُ الحَسَنُ. الثّالِثُ: يَأْتِيها مِن غَيْرِ طَلَبٍ. الرّابِعُ: أنَّهُ النَّبِيُّ ﷺ يَأْكُلُ ولا يَدَّخِرُ، حَكاهُ النَّقّاشُ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: الدَّوابُّ هو كُلُّ ما دَبَّ مِنَ الحَيَوانِ. وَكُلُّهُ لا يَحْمِلُ رِزْقَهُ ولا يَدَّخِرُ إلّا ابْنُ آدَمَ والنَّمْلُ والفَأْرُ. ﴿اللَّهُ يَرْزُقُها وإيّاكُمْ﴾ أيْ يُسَوِّي بَيْنَ الحَرِيصِ المُتَوَكِّلِ في رِزْقِهِ وبَيْنَ الرّاغِبِ القانِعِ وبَيْنَ الجَلُودِ والعاجِزِ حَتّى لا يَغْتَرَّ الجَلْدُ أنَّهُ رُزِقَ بِجَلَدِهِ ولا يَتَصَوَّرُ العاجِزُ أنَّهُ مَمْنُوعٌ بِعَجْزِهِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ لَمّا أُذِنَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ في الهِجْرَةِ وأمَرَ المُسْلِمِينَ بِها خافُوا الضَّيْعَةَ والجُوعَ فَقالَ قَوْمٌ نُهاجِرُ إلى بَلَدٍ لَيْسَ فِيها مَعاشٌ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فَهاجَرُوا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب