الباحث القرآني

قَوْلُهُ: ﴿فَلَمّا قَضى مُوسى الأجَلَ﴾ يَعْنِي العَمَلَ الَّذِي شُرِطَ عَلَيْهِ. ﴿وَسارَ بِأهْلِهِ﴾ أيْ بِزَوْجَتِهِ. ﴿آنَسَ مِن جانِبِ الطُّورِ نارًا﴾ أيْ رَأى، وقَدْ يُعَبَّرُ عَنِ الرُّؤْيَةِ بِالعِلْمِ. ﴿قالَ لأهْلِهِ امْكُثُوا إنِّي آنَسْتُ نارًا لَعَلِّي آتِيكم مِنها بِخَبَرٍ﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: بِخَبَرِ الطَّرِيقِ الَّذِي أرادَ قَصْدَهُ هَلْ هو عَلى صَوْبِهِ أوْ مُنْحَرِفٌ عَنْهُ. الثّانِي: بِخَبَرِ النّارِ الَّتِي رَآها هَلْ هي لِخَيْرٍ يَأْنَسُ بِهِ أوْ لِشَرٍّ يَحْذَرُهُ. ﴿أوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ﴾ فِيها أرْبَعَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: الجَذْوَةُ أصْلُ الشَّجَرَةِ فِيها نارٌ، قالَهُ قَتادَةُ. الثّانِي: أنَّها عُودٌ في بَعْضِهِ نارٌ ولَيْسَ في بَعْضِهِ نارٌ، قالَهُ الكَلْبِيُّ. الثّالِثُ: أنَّها عُودٌ فِيهِ نارٌ لَيْسَ لَهُ لَهَبٌ، قالَهُ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ. الرّابِعُ: أنَّها شِهابٌ مِن نارِ ذِي لَهَبٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. قالَ الشّاعِرُ ؎ وألْقى عَلى قَبَسٍ مِنَ النّارِ جُذْوَةً شَدِيدٌ عَلَيْها حَمْيُها والتِهابُها. ﴿لَعَلَّكم تَصْطَلُونَ﴾ أيْ تَسْتَدْفِئُونَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلَمّا أتاها﴾ يَعْنِي النّارَ أيْ قَرُبَ مِنها. ﴿نُودِيَ مِن شاطِئِ الوادِ الأيْمَنِ في البُقْعَةِ المُبارَكَةِ﴾ وهي البُقْعَةُ الَّتِي قالَ اللَّهُ فِيها لِمُوسى: " اخْلَعْ نَعْلَيْكَ إنَّكَ بِالوادِ المُقَدَّسِ طُوًى " (p-٢٥١)واحْتَمَلَ وصْفُها بِالبَرَكَةِ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: لِأنَّ اللَّهَ كَلَّمَ فِيها مُوسى وخَصَّهُ فِيها بِالرِّسالَةِ. الثّانِي: أنَّها كانَتْ مِن بِقاعِ الخِصْبِ وبِلادِ الرِّيفِ. ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿مِنَ الشَّجَرَةِ أنْ يا مُوسى إنِّي أنا اللَّهُ رَبُّ العالَمِينَ﴾ فَأحَلَّ اللَّهُ كَلامَهُ في الشَّجَرَةِ حَتّى سَمِعَهُ مُوسى مِنها، لِأنَّهُ لا يَسْتَطِيعُ أنْ يَسْمَعَهُ مِنَ اللَّهِ وهَذِهِ أعْلى مَنازِلِ الأنْبِياءِ أنْ يَسْمَعُوا كَلامَ اللَّهِ مِن غَيْرِ رَسُولٍ مُبَلِّغٍ وكانَ الكَلامُ مَقْصُورًا عَلى تَعْرِيفِهِ بِأنَّهُ اللَّهُ رَبُّ العالَمِينَ إثْباتًا لِوَحْدانِيَّتِهِ ونَفْيًا لِرُبُوبِيَّةِ غَيْرِهِ، وصارَ بِهَذا الكَلامِ مِن أصْفِياءِ اللَّهِ مِن رُسُلِهِ لِأنَّهُ لا يَصِيرُ رَسُولًا إلّا بَعْدَ أمْرِهِ بِالرِّسالَةِ، والأمْرُ بِها إنَّما كانَ بَعْدَ هَذا الكَلامِ. فَإنْ قِيلَ: فَكَيْفَ أضافَ البَرَكَةَ إلى البُقْعَةِ دُونَ الشَّجَرَةِ والشَّجَرَةُ بِالبَرَكَةِ أخَصُّ لِأنَّ الكَلامَ عَنْها صَدَرَ ومِنها سُمِعَ؟ قِيلَ: عَنْهُ جَوابانِ: أحَدُهُما: أنَّ الشَّجَرَةَ لَمّا كانَتْ في البُقْعَةِ أضافَ البَرَكَةَ إلى البُقْعَةِ لِدُخُولِ الشَّجَرَةِ فِيها ولَمْ يَخُصَّ بِهِ الشَّجَرَةَ فَتَخْرُجُ البُقْعَةُ وصارَ إضافَتُها إلى البُقْعَةِ أعَمَّ. الثّانِي: أنَّ البَرَكَةَ نَفَذَتْ مِنَ الشَّجَرَةِ إلى البُقْعَةِ فَصارَتِ البُقْعَةُ بِها مُبارَكَةً فَلِذَلِكَ خَصَّها اللَّهُ بِذِكْرِ البَرَكَةِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والشَّجَرَةُ هي العَلِيقُ وهي العَوْسَجُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأنْ ألْقِ عَصاكَ﴾ الآيَةَ وإنَّما أمَرَهُ بِإلْقاءِ عَصاهُ في هَذا الحالِ لِيَكُونَ بُرْهانًا عِنْدَهُ بِأنَّ الكَلامَ الَّذِي سَمِعَهُ كَلامُ اللَّهِ ثُمَّ لِيَكُونَ بُرْهانًا لَهُ إلى مَن يُرْسَلُ إلَيْهِ مِن فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ. فَإنْ قِيلَ: فَإذا كانَتْ بُرْهانًا إلَيْهِ وبُرْهانًا لَهُ فَلِمَ ولّى مِنها هارِبًا؟ قِيلَ لِأمْرَيْنِ: أحَدُهُما: رَأى ما خالَفَ العادَةَ فَخافَ. الثّانِي: أنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَظُنَّ الأمْرَ بِإلْقائِها لِأجْلِ أذاها فَوَلّى هارِبًا حَتّى نُودِيَ فَعَلِمَ. ﴿وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: ولَمْ يَثْبُتْ، اشْتِقاقًا مِنَ العَقِبِ الَّذِي يُثَبِّتُ القَدَمَ. (p-٢٥٢)الثّانِي: ولَمْ يَتَأخَّرْ لِسُرْعَةِ مُبادَرَتِهِ. وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: أيْ لَمْ يَلْتَفِتْ إلى عَقِبِهِ لِشِدَّةِ خَوْفِهِ وسُرْعَةِ هَرَبِهِ. ﴿يا مُوسى أقْبِلْ ولا تَخَفْ إنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: الآمِنِينَ مِنَ الخَوْفِ. الثّانِي: مِنَ المُرْسَلِينَ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ المُرْسَلُونَ﴾ قالَ ابْنُ بَحْرٍ: فَصارَ عَلى هَذا التَّأْوِيلِ رَسُولًا بِهَذا القَوْلِ. وَعَلى التَّأْوِيلِ الأوَّلِ يَصِيرُ رَسُولًا بِقَوْلِهِ: ﴿فَذانِكَ بُرْهانانِ مِن رَبِّكَ إلى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ﴾ والبُرْهانانِ اليَدُ والعَصا. وَفِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿واضْمُمْ إلَيْكَ جَناحَكَ﴾ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّ الجَناحَ الجَيْبُ جَيْبُ القَمِيصِ وكانَ عَلَيْهِ مِدْرَعَةُ صُوفٍ. الثّانِي: أنَّ الجَيْبَ جَنْبُ البَدَنِ. ﴿مِنَ الرَّهْبِ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّ الرَّهْبَ الكُمُّ، قالَهُ مُوَرِّقٌ. الثّانِي: أنَّهُ مِنَ الخَوْفِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب