الباحث القرآني

(p-١٦٦)قَوْلُهُ: ﴿وَيَضِيقُ صَدْرِي﴾ أيْ أخافُ أنْ يَضِيقَ قَلْبِي وفِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: بِتَكْذِيبِهِمْ إيّايَ، قالَهُ الكَلْبِيُّ. الثّانِي: بِالضَّعْفِ عَنْ إبْلاغِ الرِّسالَةِ. ﴿وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: مِن مَهابَةِ فِرْعَوْنَ، قالَهُ الكَلْبِيُّ. الثّانِي: لِلْعُقْدَةِ الَّتِي كانَتْ بِهِ. ﴿فَأرْسِلْ إلى هارُونَ﴾ أيْ لِيَكُونَ مَعِي رَسُولًا، لِأنَّ هارُونَ كانَ بِمِصْرَ حَيْثُ بَعَثَ اللَّهُ تَعالى مُوسى نَبِيًّا. ﴿وَلَهم عَلَيَّ ذَنْبٌ﴾ فَتَكُونُ عَلَيَّ بِمَعْنى عِنْدِي، وهو قَوْلُ المُفَضَّلِ، وأنْشَدَ قَوْلَ أبِي النَّجْمِ: ؎ قَدْ أصْبَحَتْ أُمُّ الخِيارِ تَدَّعِي عَلَيَّ ذَنْبًا كُلُّهُ لَمْ أصْنَعِ والثّانِي: مَعْناهُ ولَهم عَلَيَّ عُقُوبَةُ ذَنْبٍ. ﴿فَأخافُ أنْ يَقْتُلُونِ﴾ قَدْ خافَ مُوسى أنْ يَقْتُلُوهُ بِالنَّفْسِ الَّتِي قَتَلَها، فَلا يَتِمُّ إبْلاغُ الرِّسالَةِ لِأنَّهُ يَعْلَمُ أنَّ اللَّهَ تَعالى بَعَثَهُ رَسُولًا تَكَفَّلَ بِعَوْنِهِ عَلى تَأْدِيَةِ رِسالَتِهِ. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿فَقُولا إنّا رَسُولُ رَبِّ العالَمِينَ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: مَعْناهُ أرْسَلَنا رَبُّ العالَمِينَ، حَكاهُ ابْنُ شَجَرَةَ. والثّانِي: مَعْناهُ أنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنّا رَسُولُ رَبِّ العالَمِينَ، ذَكَرَهُ ابْنُ عِيسى. والثّالِثُ: مَعْناهُ إنّا رِسالَةُ رَبِّ العالَمِينَ، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ، ومِنهُ قَوْلُ كَثِيرٍ: ؎ لَقَدْ كَذَّبَ الواشُونَ ما بُحْتُ عِنْدَهم ∗∗∗ بِسِرٍّ ولا أرْسَلْتُهم بِرَسُولِ أيْ رِسالَةٍ. (p-١٦٧)قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿قالَ ألَمْ نُرَبِّكَ فِينا ولِيدًا﴾ أيْ صَغِيرًا، لِأنَّهُ كانَ في دارِهِ لَقِيطًا. ﴿وَلَبِثْتَ فِينا مِن عُمُرِكَ سِنِينَ﴾ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ في الدُّخُولِ عَلَيْهِ سَنَةً، وخَرَجَ مِن عِنْدِهِ عَشْرَ سِنِينَ، وعادَ إلَيْهِ يَدْعُوهُ ثَلاثِينَ سَنَةً، وبَقِيَ بَعْدَ غَرَقِهِ خَمْسِينَ سَنَةً، قالَ ذَلِكَ امْتِنانًا عَلَيْهِ. ﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ﴾ يَعْنِي قَتْلَ النَّفْسِ. ﴿وَأنْتَ مِنَ الكافِرِينَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أيْ عَلى دِينِنا الَّذِي لا تَقُولُ إنَّهُ كُفْرٌ، وهو قَوْلُ السُّدِّيِّ. الثّانِي: مِنَ الكافِرِينَ لِإحْسانِي إلَيْكَ وفَضْلِي عَلَيْكَ، وهَذا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحاقَ. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿قالَ فَعَلْتُها إذًا وأنا مِنَ الضّالِّينَ﴾ يَعْنِي قَتْلَ النَّفْسِ، قالَ المُفَضَّلُ: ومَعْنى إذَنْ لِمُوجِبٍ. ﴿وَأنا مِنَ الضّالِّينَ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: مِنَ الجاهِلِينَ، وهو قَوْلُ مُجاهِدٍ لا يَعْلَمُ أنَّها تَبْلُغُ. والثّانِي: مِنَ الضّالِّينَ عَنِ النُّبُوَّةِ، لِأنَّ ذَلِكَ كانَ قَبْلَ الرِّسالَةِ، وهو مَعْنى قَوْلِ الضَّحّاكِ. الثّالِثُ: مِنَ النّاسِينَ، وهو قَوْلُ ابْنِ زَيْدٍ، كَما قالَ تَعالى: ﴿أنْ تَضِلَّ إحْداهُما فَتُذَكِّرَ إحْداهُما الأُخْرى﴾ . قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أنْ عَبَّدْتَ بَنِي إسْرائِيلَ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: مَعْناهُ أنَّ اتِّخاذَكَ بَنِي إسْرائِيلَ عَبِيدًا قَدْ أحْبَطَ نِعْمَتَكَ الَّتِي تَمُنُّ عَلَيَّ، وهَذا قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ عِيسى. (p-١٦٨)والثّانِي: مَعْناهُ أنَّكَ لَمّا ظَلَمْتَ بَنِي إسْرائِيلَ ولَمْ تَظْلِمْنِي، أعْدَدْتَ ذَلِكَ نِعْمَةً تَمُنُّ بِها عَلَيَّ؟ قالَهُ الفَرّاءُ. والثّالِثُ: أنَّهُ لَمْ تَكُنْ لِفِرْعَوْنَ عَلى مُوسى نِعْمَةٌ لِأنَّ الَّذِي رَبّاهُ بَنُو إسْرائِيلَ بِأمْرِ فِرْعَوْنَ لِاسْتِعْبادِهِ لَهم، فَأبْطَلَ مُوسى نِعْمَتَهُ لِبُطْلانِ اسْتِرْقاقِهِ. والرّابِعُ: أنَّ فِرْعَوْنَ أنْفَقَ عَلى مُوسى في تَرْبِيَتِهِ مِن أمْوالِ بَنِي إسْرائِيلَ الَّتِي أخَذَها مِن أكْسابِهِمْ حِينَ اسْتَعْبَدَهم، فَأبْطَلَ مُوسى النِّعْمَةَ وأسْقَطَ المِنَّةَ، لِأنَّها أمْوالُ بَنِي إسْرائِيلَ لا أمْوالَ فِرْعَوْنَ، وهَذا مَعْنى قَوْلِ الحَسَنِ. وَفي التَّعْبِيدِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ الحَبْسُ والإذْلالُ، حَكاهُ أبانُ بْنُ تَغْلِبَ. الثّانِي: أنَّهُ الِاسْتِرْقاقُ، فالتَّعْبِيدُ الِاسْتِرْقاقُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِما فِيهِ مِنَ الإذْلالِ، مَأْخُوذٌ مِن قَوْلِهِمْ طَرِيقٌ مُعَبَّدٌ، ومِنهُ قَوْلُ طَرَفَةَ بْنِ العَبْدِ: ؎ تَبارى عَناقًا ناجِياتٍ وأتْبَعَتْ ∗∗∗ وظِيفًا فَوْقَ مَوْرٍ مُعَبَّدِ أيْ طَرِيقٍ مُذَلَّلٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب