قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجَعَلْنا بَعْضَكم لِبَعْضٍ فِتْنَةً أتَصْبِرُونَ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أقاوِيلَ:
أحَدُها: أنَّهُ افْتِتانُ الفَقِيرِ بِالغَنِيِّ أنْ يَقُولَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَنِي مِثْلَهُ غَنِيًّا والأعْمى بِالبَصِيرِ أنْ يَقُولَ لَوْ شاءَ لَجَعَلَنِي مِثْلَهُ بَصِيرًا، والسَّقِيمِ بِالصَّحِيحِ أنْ يَقُولَ لَوْ شاءَ لَجَعَلَنِي مِثْلَهُ صَحِيحًا، قالَهُ الحَسَنُ.
الثّانِي: فِتْنَةٌ بِالعُدْوانِ في الدِّينِ، حَكاهُ ابْنُ عِيسى.
الثّالِثُ: أنَّ الفِتْنَةَ صَبْرُ الأنْبِياءِ عَلى تَكْذِيبِ قَوْمِهِمْ، قالَهُ يَحْيى بْنُ سَلّامٍ.
الرّابِعُ: أنَّها نَزَلَتْ حِينَ أسْلَمَ أبُو ذَرٍّ الغِفارِيُّ وعَمّارٌ وصُهَيْبٌ وبِلالٌ وعامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وسالِمٌ مَوْلى أبِي حُذَيْفَةَ وأمْثالُهم مِنَ الفُقَراءِ المَوالِي فَقالَ المُسْتَهْزِئُونَ مِن قُرَيْشٍ: انْظُرُوا إلى أتْباعِ مُحَمَّدٍ مِن فُقَرائِنا ومُوالِينا فَنَزَلَتْ فِيهِمُ الآيَةُ، حَكاهُ النَّقّاشُ.
وَفِي الفِتْنَةِ هُنا وجْهانِ:
أحَدُهُما: البَلاءُ.
والثّانِي: الِاخْتِبارُ.
﴿أتَصْبِرُونَ﴾ يَعْنِي عَلى ما مُحِنْتُمْ بِهِ مِن هَذِهِ الفِتْنَةِ، وفِيهِ اخْتِصارٌ وتَقْدِيرُهُ أمْ لا تَصْبِرُونَ.
(p-١٣٩)﴿وَكانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾ قالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: بَصِيرًا بِما يُصْبَرُ مِمَّنْ يَجْزَعُ.
وَيَحْتَمِلُ وجْهًا آخَرَ: بَصِيرًا بِالحِكْمَةِ فِيما جَعَلَ بَعْضَكم لِبَعْضٍ فِتْنَةً.
{"ayah":"وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِینَ إِلَّاۤ إِنَّهُمۡ لَیَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَیَمۡشُونَ فِی ٱلۡأَسۡوَاقِۗ وَجَعَلۡنَا بَعۡضَكُمۡ لِبَعۡضࣲ فِتۡنَةً أَتَصۡبِرُونَۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِیرࣰا"}