الباحث القرآني
(p-١٠٩)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا أعْمالُهم كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ﴾ أمّا السَّرابُ فَهو الَّذِي يُخَيَّلُ لِمَن رَآهُ في الفَلاةِ كَأنَّهُ الماءُ الجارِي قالَ الشّاعِرُ:
؎ فَلَمّا كَفَفْنا الحَرْبَ كانَتْ عُهُودُهم كَلَمْعِ سَرابٍ بِالفَلا مُتَألِّقٍ
والآلُ كالسَّرابِ إلّا أنَّهُ يَرْتَفِعُ عَنِ الأرْضِ في وقْتِ الضُّحى حَتّى يَصِيرَ كَأنَّهُ بَيْنَ الأرْضِ والسَّماءِ، وقِيلَ: إنَّ السَّرابَ بَعْدَ الزَّوالِ والآلَ قَبْلَ الزَّوالِ والرَّقْراقَ بَعْدَ العَصْرِ، وأمّا القِيعَةُ فَجَمْعُ قاعٍ مِثْلَ جِيرَةٍ وجارٍ، والقاعُ ما انْبَسَطَ مِنَ الأرْضِ واسْتَوى.
﴿يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً﴾ يَعْنِي العَطْشانَ يَحْسَبُ السَّرابَ ماءً.
﴿حَتّى إذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾ وهَذا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْكافِرِ يُعَوِّلُ عَلى ثَوابِ عَمَلِهِ فَإذا قَدِمَ عَلى اللَّهِ وجَدَ ثَوابَ عَمَلِهِ بِالكُفْرِ حابِطًا.
﴿وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ﴾ فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: وجَدَ أمْرَ اللَّهِ عِنْدَ حَشْرِهِ.
الثّانِي: وجَدَ اللَّهَ عِنْدَ عَرْضِهِ.
﴿فَوَفّاهُ حِسابَهُ﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: ووَجَدَ اللَّهَ عِنْدَ عَمَلِهِ فَجازاهُ عَلى كُفْرِهِ.
والثّانِي: وجَدَ اللَّهَ عِنْدَ وعِيدِهِ فَوَفّى بِعَذابِهِ ويَكُونُ الحِسابُ عَلى الوَجْهَيْنِ مَعًا مَحْمُولًا عَلى العَمَلِ، كَما قالَ امْرُؤُ القَيْسِ
؎ فَوَلّى مُدْبِرًا وأيْقَنَ ∗∗∗ أنَّهُ لاقِي الحِسابا
﴿واللَّهُ سَرِيعُ الحِسابِ﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: لِأنَّ حِسابَهُ آتٍ وكُلُّ آتٍ سَرِيعٌ.
(p-١١٠)الثّانِي: لِأنَّهُ يُحاسِبُ جَمِيعَ الخَلْقِ في وقْتٍ سَرِيعٍ.
قِيلَ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وكانَ يَتَرَهَّبُ في الجاهِلِيَّةِ ويَلْبَسُ الصُّوفَ ويَطْلُبُ الدِّينَ فَكَفَرَ في الإسْلامِ.
قَوْلُهُ: ﴿أوْ كَظُلُماتٍ في بَحْرٍ لُجِّيٍّ﴾ الظُّلُماتُ: ظُلْمَةُ البَحْرِ وظُلْمَةُ السَّحابِ وظُلْمَةُ اللَّيْلِ.
وَفي قَوْلِهِ لُجِّيٍّ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ:
أحَدُها: أنَّهُ البَحْرُ الواسِعُ الَّذِي لا يُرى ساحِلُهُ، حَكاهُ ابْنُ عِيسى.
الثّانِي: أنَّهُ البَحْرُ الكَثِيرُ المَوْجِ، قالَهُ الكَلْبِيُّ.
الثّالِثُ: أنَّهُ البَحْرُ العَمِيقُ، وهَذا قَوْلُ قَتادَةَ، ولُجَّةُ البَحْرِ وسَطُهُ، ومِنهُ ما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: « (مَن رَكِبَ البَحْرَ إذا التَجَّ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنهُ الذِّمَّةُ» يَعْنِي إذا تَوَسَّطَهُ.
﴿يَغْشاهُ مَوْجٌ مِن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِن فَوْقِهِ سَحابٌ﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: يَغْشاهُ مَوْجٌ مِن فَوْقِ المَوْجِ رِيحٌ، مِن فَوْقِ الرِّيحِ سَحابٌ فَيُجْمَعُ خَوْفُ المَوْجِ وخَوْفُ الرِّيحِ وخَوْفُ السَّحابِ.
الثّانِي: مَعْناهُ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِن بَعْدِهِ فَيَكُونُ المَعْنى المَوْجَ بَعْضُهُ يَتْبَعُ بَعْضًا حَتّى كَأنَّهُ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ، وهَذا أخْوَفُ ما يَكُونُ إذا تَوالى مَوْجُهُ وتَقارَبَ، ومِن فَوْقِ هَذا المَوْجِ سَحابٌ وهو أعْظَمُ لِلْخَوْفِ مِن وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ قَدْ يُغَطِّي النُّجُومَ الَّتِي يُهْتَدى بِها.
الثّانِي: الرِّيحُ الَّتِي تَنْشَأُ مَعَ السَّحابِ والمَطَرِ الَّذِي يَنْزِلُ مِنهُ.
﴿ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ:
(p-١١١)أحَدُهُما: أنْ يُرِيدَ الظُّلُماتِ الَّتِي بَدَأ بِذِكْرِها وهي ظُلْمَةُ البَحْرِ وظُلْمَةُ السَّحابِ وظُلْمَةُ اللَّيْلِ.
الثّانِي: يَعْنِي بِالظُّلُماتِ الشَّدائِدَ أيْ شَدائِدُ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ.
﴿إذا أخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها﴾ فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: مَعْناهُ أنَّهُ رَآها بَعْدَ أنْ كادَ لا يَراها، حَكاهُ ابْنُ عِيسى.
الثّانِي: لَمْ يَرَها ولَمْ يَكَدْ، قالَهُ الزَّجّاجُ، وهو مَعْنى قَوْلِ الحَسَنِ.
وَفي قَوْلِهِ لَمْ يَكَدْ وجْهانِ:
أحَدُهُما: لَمْ يَطْمَعْ أنْ يَراها.
الثّانِي: لَمْ يَرَها ويَكادُ صِلَةٌ زائِدَةٌ في الكَلامِ.
﴿وَمَن لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَما لَهُ مِن نُورٍ﴾ فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: ومَن لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ سَبِيلًا إلى النَّجاةِ في الآخِرَةِ فَما لَهُ مِن سَبِيلٍ إلَيْها حَكاهُ ابْنُ عِيسى.
الثّانِي: ومَن لَمْ يَهْدِهِ اللَّهُ لِلْإسْلامِ لَمْ يَهْتَدِ إلَيْهِ، قالَهُ الزَّجّاجُ.
وَقالَ بَعْضُ أصْحابِ الخَواطِرِ وجْهًا ثالِثًا: ومَن لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ نُورًا لَهُ في وقْتِ القِسْمَةِ فَما لَهُ مِن نُورٍ في وقْتِ الخِلْقَةِ.
وَيَحْتَمِلُ رابِعًا: ومَن لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ قَبُولًا في القُلُوبِ لَمْ تَقْبَلْهُ القُلُوبُ.
وَهَذا المَثَلُ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْكافِرِ، فالظُّلُماتُ ظُلْمَةُ الشِّرْكِ وظُلْمَةُ اللَّيْلِ وظُلْمَةُ المَعاصِي، والبَحْرُ اللُّجِّيُّ قَلْبُ الكافِرِ، يَغْشاهُ مِن فَوْقِهِ عَذابُ الدُّنْيا، فَوْقَهُ عَذابُ الآخِرَةِ.
{"ayahs_start":39,"ayahs":["وَٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ أَعۡمَـٰلُهُمۡ كَسَرَابِۭ بِقِیعَةࣲ یَحۡسَبُهُ ٱلظَّمۡـَٔانُ مَاۤءً حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءَهُۥ لَمۡ یَجِدۡهُ شَیۡـࣰٔا وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُۥ فَوَفَّىٰهُ حِسَابَهُۥۗ وَٱللَّهُ سَرِیعُ ٱلۡحِسَابِ","أَوۡ كَظُلُمَـٰتࣲ فِی بَحۡرࣲ لُّجِّیࣲّ یَغۡشَىٰهُ مَوۡجࣱ مِّن فَوۡقِهِۦ مَوۡجࣱ مِّن فَوۡقِهِۦ سَحَابࣱۚ ظُلُمَـٰتُۢ بَعۡضُهَا فَوۡقَ بَعۡضٍ إِذَاۤ أَخۡرَجَ یَدَهُۥ لَمۡ یَكَدۡ یَرَىٰهَاۗ وَمَن لَّمۡ یَجۡعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورࣰا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ"],"ayah":"أَوۡ كَظُلُمَـٰتࣲ فِی بَحۡرࣲ لُّجِّیࣲّ یَغۡشَىٰهُ مَوۡجࣱ مِّن فَوۡقِهِۦ مَوۡجࣱ مِّن فَوۡقِهِۦ سَحَابࣱۚ ظُلُمَـٰتُۢ بَعۡضُهَا فَوۡقَ بَعۡضٍ إِذَاۤ أَخۡرَجَ یَدَهُۥ لَمۡ یَكَدۡ یَرَىٰهَاۗ وَمَن لَّمۡ یَجۡعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورࣰا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق