الباحث القرآني

قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ مِن سُلالَةٍ مِن طِينٍ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: آدَمُ اسْتُلَّ مِن طِينٍ، وهَذا قَوْلُ قَتادَةَ، وقِيلَ: لِأنَّهُ اسْتُلَّ مِن قِبَلِ رَبِّهِ. والثّانِي: أنَّ المَعْنِيَّ بِهِ كُلُّ إنْسانٍ، لِأنَّهُ يَرْجِعُ إلى آدَمَ الَّذِي خُلِقَ مِن سُلالَةٍ مِن طِينٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، وقِيلَ: لِأنَّهُ اسْتُلَّ مِن نُطْفَةِ أبِيهِ، والسُّلالَةُ مِن كُلِّ شَيْءٍ صَفْوَتُهُ الَّتِي تُسْتَلُّ مِنهُ، قالَ الشّاعِرُ: ؎ وما هِنْدُ إلّا مُهْرَةٌ عَرَبِيَّةٌ سَلِيلَةُ أفْراسٍ تَجَلَّلَها بَغْلُ وَقالَ الزَّجّاجُ: السُّلالَةُ القَلِيلُ مِمّا يَنْسَلُّ، وقَدْ تُسَمّى المُضْغَةُ سُلالَةً والوَلَدُ سُلالَةً إمّا لِأنَّهُما صَفْوَتانِ عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ، وإمّا لِأنَّهُما يَنْسَلّانِ عَلى الوَجْهِ الثّانِي، (p-٤٨)وَحَكى الكَلْبِيُّ: أنَّ السُّلالَةَ الطِّينُ الَّذِي إذا اعْتَصَرْتَهُ بَيْنَ أصابِعِكَ خَرَجَ مِنهُ شَيْءٌ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎ طَوَتْ أحْشاءَ مُرْتِجَةٍ لِوَقْتٍ ∗∗∗ عَلى مَشْجٍ سُلالَتُهُ مَهِينُ وَحَكى أبانُ بْنُ تَغْلِبَ أنَّ السُّلالَةَ هي التُّرابُ واسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ أُمَيَّةَ بْنِ أبِي الصَّلْتِ: ؎ خَلَقَ البَرِّيَّةَ مِن سُلالَةِ مُنْتِنٍ ∗∗∗ وإلى السُّلالَةِ كُلِّها سَتَعُودُ ﴿ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً﴾ النُّطْفَةُ هي ماءُ الذَّكَرِ الَّذِي يَعْلَقُ مِنهُ الوَلَدُ، وقَدْ يَنْطَلِقُ اسْمُ النُّطْفَةِ عَلى كُلِّ ماءٍ، قالَ بَعْضُ شُعَراءِ هُذَيْلٍ ؎ وأنَّهُما لَحَرّابا حُرُوبٍ ∗∗∗ وشَرّابانِ بِالنُّطَفِ الظَّوامِي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِي قَرارٍ مَكِينٍ﴾ يَعْنِي بِالقَرارِ الرَّحِمَ، ومَكِينٍ: أيْ مُتَمَكِّنٍ قَدْ هُيِّئَ لِاسْتِقْرارِهِ فِيهِ. ﴿ثُمَّ خَلَقْنا النُّطْفَةَ عَلَقَةً﴾ العَلَقَةُ الدَّمُ الطَّرِيُّ الَّذِي خُلِقَ مِنَ النُّطْفَةِ سُمِّيَ عَلَقَةً لِأنَّهُ أوَّلُ أحْوالِ العُلُوقِ. ﴿فَخَلَقْنا العَلَقَةَ مُضْغَةً﴾ وهي قَدْرُ ما يُمْضَغُ مِنَ اللَّحْمِ. ﴿فَخَلَقْنا المُضْغَةَ عِظامًا فَكَسَوْنا العِظامَ لَحْمًا﴾ وإنَّما بَيَّنَ اللَّهُ أنَّ الإنْسانَ تَنْتَقِلُ أحْوالُ خَلْقِهِ لِيَعْلَمَ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ وحِكْمَتَهُ فِيهِ، وإنَّ بَعْثَهُ بَعْدَ المَوْتِ حَيًّا أهْوَنُ مِن إنْشائِهِ ولَمْ يَكُنْ شَيْئًا. ﴿ثُمَّ أنْشَأْناهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: يَعْنِي بِنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ، وهَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ والكَلْبِيِّ. والثّانِي: بِنَباتِ الشَّعْرِ، وهَذا قَوْلُ قَتادَةَ. والثّالِثُ: أنَّهُ ذَكَرٌ وأُنْثى، وهَذا قَوْلُ الحَسَنِ. والرّابِعُ: حِينَ اسْتَوى بِهِ شَبابُهُ، وهَذا قَوْلُ مُجاهِدٍ. وَيَحْتَمِلُ وجْهًا خامِسًا: أنَّهُ بِالعَقْلِ والتَّمْيِيزِ. (p-٤٩)رَوى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ إلى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ أنْشَأْناهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ قالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ: فَتَبارَكَ اللَّهُ أحْسَنُ الخالِقِينَ فَنَزَلَتْ: ﴿فَتَبارَكَ اللَّهُ أحْسَنُ الخالِقِينَ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب