الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوالَهم في سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أنْفَقُوا مَنًّا ولا أذًى﴾ المَنُّ في ذَلِكَ أنْ يَقُولَ: أحْسَنْتُ إلَيْكَ ونَعَّشْتُكَ، والأذى أنْ يَقُولَ: أنْتَ أبَدًا فَقِيرٌ، ومَن أبْلانِي بِكَ، مِمّا يُؤْذِي قَلْبَ المُعْطى. ﴿لَهم أجْرُهم عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ يَعْنِي ما اسْتَحَقُّوهُ فِيما وعَدَهم بِهِ عَلى نَفَقَتِهِمْ. ﴿وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ فِيهِ تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ في فَواتِ الأجْرِ. والثّانِي: لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ في أهْوالِ الآخِرَةِ. ﴿وَلا هم يَحْزَنُونَ﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: لا يَحْزَنُونَ عَلى ما أنْفَقُوهُ. والثّانِي: لا يَحْزَنُونَ عَلى ما خَلَّفُوهُ. وَقِيلَ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيما أنْفَقَهُ عَلى جَيْشِ العُسْرَةِ في غَزاةِ تَبُوكَ. (p-٣٣٨) قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ﴾ يَعْنِي قَوْلًا حَسَنًا بَدَلًا مِنَ المَنِّ والأذى ويَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنْ يُدْنِيَ إنْ أعْطى. والثّانِي: يَدْعُو إنْ مَنَعَ. ( ومَغْفِرَةٌ ) فِيها أرْبَعَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: يَعْنِي العَفْوَ عَنْ أذى السّائِلِ. والثّانِي: يَعْنِي بِالمَغْفِرَةِ السَّلامَةَ مِنَ المَعْصِيَةِ. والثّالِثُ: أنَّهُ تَرْكُ الصَّدَقَةِ والمَنعُ مِنها، قالَهُ ابْنُ بَحْرٍ. والرّابِعُ: هو يَسْتُرُ عَلَيْهِ فَقْرَهُ ولا يَفْضَحُهُ بِهِ. ﴿خَيْرٌ مِن صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أذًى﴾ يَحْتَمِلُ الأذى هُنا وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهُ المَنُّ. والثّانِي: أنَّهُ التَّعْيِيرُ بِالفَقْرِ. وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ: ﴿خَيْرٌ مِن صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أذًى﴾ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: خَيْرٌ مِنها عَلى العَطاءِ. والثّانِي: خَيْرٌ مِنها عِنْدَ اللَّهِ. رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: « (المَنّانُ بِما يُعْطِي لا يُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيامَةِ ولا يَنْظُرُ إلَيْهِ ولا يُزَكِّيهِ ولَهُ عَذابٌ ألِيمٌ)» . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكم بِالمَنِّ والأذى﴾ يُرِيدُ إبْطالَ الفَضْلِ دُونَ الثَّوابِ. وَيَحْتَمِلُ وجْهًا ثانِيًا: إبْطالَ مَوْقِعِها في نَفْسِ المُعْطى. ﴿كالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النّاسِ ولا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ﴾ القاصِدُ بِنَفَقَتِهِ (p-٣٣٩) الرِّياءَ غَيْرُ مُثابٍ، لِأنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ وجْهَ اللَّهِ، فَيَسْتَحِقُّ ثَوابَهُ، وخالَفَ صاحِبُ المَنِّ والأذى القاصِدَ وجْهَ اللَّهِ المُسْتَحِقَّ ثَوابَهُ، وإنْ كَرَّرَ عَطاءَهُ وأبْطَلَ فَضْلَهُ. ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ﴾ الصَّفْوانُ: جَمْعُ صَفْوانَةٍ، وفِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ الحَجَرُ الأمْلَسُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِصَفائِهِ. والثّانِي: أنَّهُ ألْيَنُ مِنَ الحِجارَةِ، حَكاهُ أبانُ بْنُ تَغْلِبَ. ﴿فَأصابَهُ وابِلٌ﴾ وهو المَطَرُ العَظِيمُ القَطْرِ، العَظِيمُ الوَقْعِ. ﴿فَتَرَكَهُ صَلْدًا﴾ الصَّلْدُ مِنَ الحِجارَةِ ما صَلُبَ، ومِنَ الأرْضِ ما لَمْ يُنْبِتْ، تَشْبِيهًا بِالحَجَرِ الَّذِي لا يُنْبِتُ. ﴿لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمّا كَسَبُوا﴾ يَعْنِي مِمّا أنْفَقُوا، فَعَبَّرَ عَنِ النَّفَقَةِ بِالكَسْبِ، لِأنَّهم قَصَدُوا بِها الكَسْبَ، فَضَرَبَ هَذا مَثَلًا لِلْمُرائِي في إبْطالِ ثَوابِهِ، ولِصاحِبِ المَنِّ والأذى في إبْطالِ فَضْلِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب