الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذْ قالَ إبْراهِيمُ رَبِّ أرِنِي كَيْفَ تُحْيِ المَوْتى﴾ اخْتَلَفُوا لِمَ سَألَهُ عَنْ ذَلِكَ؟ عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهُ رَأى جِيفَةً تُمَزِّقُها السِّباعُ فَقالَ ذَلِكَ، وهَذا قَوْلُ الحَسَنِ، وقَتادَةَ، والضَّحّاكِ.
والثّانِي: لِمُنازَعَةِ النُّمْرُودِ لَهُ في الإحْياءِ، قالَهُ ابْنُ إسْحاقَ.
وَلِأيِّ الأمْرَيْنِ كانَ، فَإنَّهُ أحَبَّ أنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ عِلْمَ عِيانٍ بَعْدَ عِلْمِ الِاسْتِدْلالِ.
وَلِذَلِكَ قالَ اللَّهُ تَعالى لَهُ: ﴿أوَلَمْ تُؤْمِن قالَ بَلى ولَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: (p-٣٣٤)
أحَدُها: يَعْنِي لِيَزْدادَ يَقِينًا إلى يَقِينِهِ، هَكَذا قالَ الحَسَنُ، وقَتادَةُ، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، والرَّبِيعُ، ولا يَجُوزُ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي بِالعِلْمِ بَعْدَ الشَّكِّ، لِأنَّ الشَّكَّ في ذَلِكَ كُفْرٌ لا يَجُوزُ عَلى نَبِيٍّ.
والثّانِي: أرادَ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي أنَّكَ أجَبْتَ مَسْألَتِي، واتَّخَذْتَنِي خَلِيلًا كَما وعَدْتَنِي، وهَذا قَوْلُ ابْنِ السّائِبِ.
والثّالِثُ: أنَّهُ لَمْ يُرِدْ رُؤْيَةَ القَلْبِ، وإنَّما أرادَ رُؤْيَةَ العَيْنِ، قالَهُ الأخْفَشُ.
وَنَفَرَ بَعْضُ مَن قالَ بِغَوامِضِ المَعانِي مِن هَذا الِالتِزامِ وقالَ: إنَّما أرادَ إبْراهِيمُ مِن رَبِّهِ أنْ يُرِيَهُ كَيْفَ يُحْيِي القُلُوبَ بِالإيمانِ، وهَذا التَّأْوِيلُ فاسِدٌ بِما يَعْقُبُهُ مِنَ البَيانِ.
وَلَيْسَتِ الألِفُ في قَوْلِهِ: ﴿أوَلَمْ تُؤْمِن﴾ ألِفَ اسْتِفْهامٍ وإنَّما هي ألِفُ إيجابٍ كَقَوْلِ جَرِيرٍ:
؎ ألَسْتُمْ خَيْرَ مَن رَكِبَ المَطايا وأنْدى العالَمِينَ بُطُونَ راحِ
﴿قالَ فَخُذْ أرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ﴾ فِيها قَوْلانِ: أحَدُهُما: هُنَّ: الدِّيكُ، والطّاوُسُ، والغُرابُ، والحَمامُ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
والثّانِي: أرْبَعَةٌ مِنَ الشَّقانِينِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
﴿فَصُرْهُنَّ إلَيْكَ﴾ قَرَأتِ الجَماعَةُ بِضَمِّ الصّادِ، وقَرَأ حَمْزَةُ وحْدَهُ بِكَسْرِها، واخْتُلِفَ في الضَّمِّ والكَسْرِ عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّ مَعْناهُ مُتَّفِقٌ ولَفْظَهُما مُخْتَلِفٌ، فَعَلى هَذا في تَأْوِيلِ ذَلِكَ أرْبَعَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: مَعْناهُ انْتُفْهُنَّ بِرِيشِهِنَّ ولُحُومِهِنَّ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
والثّانِي: قَطِّعْهُنَّ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، والحَسَنُ.
قالَ الضَّحّاكُ: هي بِالنَّبَطِيَّةِ صَرْتا، وهي التَّشَقُّقُ. (p-٣٣٥)
والثّالِثُ: اضْمُمْهُنَّ إلَيْكَ، قالَهُ عَطاءٌ، وابْنُ زَيْدٍ.
والرّابِعُ: أمِلْهُنَّ إلَيْكَ، والصَّوَرُ: المَيْلُ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ في وصْفِ إبِلٍ:
؎ تَظَلُّ مُعَقَّلاتِ السُّوقِ خُرْسًا ∗∗∗ تُصَوِّرُ أُنُوفَها رِيحُ الجَنُوبِ
والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ مَعْنى الضَّمِّ والكَسْرِ مُخْتَلِفٌ، وفي اخْتِلافِهِما قَوْلانِ: أحَدُهُما: قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ أنَّ مَعْناهُ بِالضَّمِّ: اجْمَعْهُنَّ، وبِالكَسْرِ: قَطِّعْهُنَّ.
والثّانِي: قالَهُ الكِسائِيُّ ومَعْناهُ بِالضَّمِّ أمِلْهُنَّ، وبِالكَسْرِ: أقْبِلْ بِهِنَّ.
﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنهُنَّ جُزْءًا﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّها كانَتْ أرْبَعَةَ جِبالٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والحَسَنُ، وقَتادَةُ.
والثّانِي: أنَّها كانَتْ سَبْعَةً، قالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، والسُّدِّيُّ.
والثّالِثُ: كُلُّ جَبَلٍ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
والرّابِعُ: أنَّهُ أرادَ جِهاتِ الدُّنْيا الأرْبَعَ، وهي المَشْرِقُ والمَغْرِبُ والشَّمالُ والجَنُوبُ، فَمَثَّلَها بِالجِبالِ، قالَهُابْنُ بَحْرٍ.
واخْتَلَفُوا هَلْ قَطَّعَ إبْراهِيمُ الطَّيْرَ أعْضاءً صِرْنَ بِهِ أمْواتًا، أمْ لا؟ عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهُ قَطَّعَهُنَّ أعْضاءً صِرْنَ بِهِ أمْواتًا، ثُمَّ دَعاهُنَّ فَعُدْنَ أحْياءً لِيَرى كَيْفَ يُحْيِي اللَّهُ المَوْتى كَما سَألَ رَبَّهُ، وهو قَوْلُ الأكْثَرِينَ.
والثّانِي: أنَّهُ فَرَّقَهُنَّ أحْياءً، ثُمَّ دَعاهُنَّ فَأجَبْنَهُ وعُدْنَ إلَيْهِ، يَسْتَدِلُّ بِعَوْدِهِنَّ إلَيْهِ بِالدُّعاءِ، عَلى عَوْدِ الأمْواتِ بِدُعاءِ اللَّهِ أحْياءً، ولا يَصِحُّ مِن إبْراهِيمَ أنْ يَدْعُوَ أمْواتًا لَهُ، قالَهُ ابْنُ بَحْرٍ.
والجُزْءُ مِن كُلِّ شَيْءٍ هو بَعْضُهُ سَواءٌ كانَ مُنْقَسِمًا عَلى صِحَّةٍ أوْ غَيْرِ مُنْقَسِمٍ، والسَّهْمُ هو المُنْقَسِمُ عَلَيْهِ جَمِيعِهِ عَلى صِحَّةٍ.
فَإنْ قِيلَ: فَكَيْفَ أُجِيبَ إبْراهِيمُ إلى آياتِ الآخِرَةِ دُونَ مُوسى في قَوْلِهِ: ﴿رَبِّ أرِنِي أنْظُرْ إلَيْكَ﴾ [الأعْرافِ: ١٤٣] فَعَنْهُ جَوابانِ: أحَدُهُما: أنَّ ما سَألَهُ مُوسى لا يَصِحُّ مَعَ بَقاءِ التَّكْلِيفِ، وما سَألَهُ إبْراهِيمُ خاصٌّ يَصِحُّ. (p-٣٣٦)
والثّانِي: أنَّ الأحْوالَ تَخْتَلِفُ، فَيَكُونُ الأصْلَحُ في بَعْضِ الأوْقاتِ الإجابَةَ، وفي بَعْضِ وقْتٍ آخَرَ المَنعَ فِيما لَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهِ إذْنٌ.
قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أمَرَ اللَّهُ إبْراهِيمَ بِهَذا قَبْلَ أنْ يُولَدَ لَهُ، وقَبْلَ أنْ يُنَزِّلَ عَلَيْهِ الصُّحُفَ.
وَحُكِيَ: أنَّ إبْراهِيمَ ذَبَحَ الأرْبَعَةَ مِنَ الطَّيْرِ، ودَقَّ أجْسامَهُنَّ في الهاوُنِ لا رُوحَهُنَّ، وجَعَلَ المُخْتَلِطَ مِن لُحُومِهِنَّ عَشَرَةَ أجْزاءٍ عَلى عَشَرَةِ جِبالٍ، ثُمَّ جَعَلَ مَناقِيرَها بَيْنَ أصابِعِهِ، ثُمَّ دَعاهُنَّ فَأتَيْنَ سَعْيًا، تَطايَرَ اللَّحْمُ إلى اللَّحْمِ، والجِلْدُ إلى الجِلْدِ، والرِّيشُ إلى الرِّيشِ، فَذَهَبَ بَعْضُ مَن يَتَفَقَّهُ مِنَ المُفَسِّرِينَ إلى مَن وصّى بِجُزْءٍ مِن مالِهِ لِرَجُلٍ أنَّها وصِيَّةٌ بِالعُشْرِ، لِأنَّ إبْراهِيمَ وضَعَ أجْزاءَ الطَّيْرِ عَلى عَشَرَةِ جِبالٍ.
{"ayah":"وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَ ٰهِـۧمُ رَبِّ أَرِنِی كَیۡفَ تُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰۖ قَالَ أَوَلَمۡ تُؤۡمِنۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّیَطۡمَىِٕنَّ قَلۡبِیۖ قَالَ فَخُذۡ أَرۡبَعَةࣰ مِّنَ ٱلطَّیۡرِ فَصُرۡهُنَّ إِلَیۡكَ ثُمَّ ٱجۡعَلۡ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلࣲ مِّنۡهُنَّ جُزۡءࣰا ثُمَّ ٱدۡعُهُنَّ یَأۡتِینَكَ سَعۡیࣰاۚ وَٱعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق