الباحث القرآني

ثُمَّ أخْبَرَ أنَّ مَعَ هَذِهِ الآياتِ الباهِرَةِ لِذَوِي العُقُولِ ﴿وَمِنَ النّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أنْدادًا﴾ والأنْدادُ الأمْثالُ، واحِدُها نِدٌّ، والمُرادُ بِهِ الأصْنامُ الَّتِي كانُوا يَتَّخِذُونَها آلِهَةً يَعْبُدُونَها كَعِبادَةِ اللَّهِ تَعالى مَعَ عَجْزِها عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ في آياتِهِ الدّالَّةِ عَلى وحْدانِيَّتِهِ. ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿يُحِبُّونَهم كَحُبِّ اللَّهِ﴾ يَعْنِي أنَّهم مَعَ عَجْزِ الأصْنامِ يُحِبُّونَهم كَحُبِّ اللَّهِ مَعَ قُدْرَتِهِ. ﴿والَّذِينَ آمَنُوا أشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ يَعْنِي مِن حُبِّ أهْلِ الأوْثانِ لِأوْثانِهِمْ، ومَعْناهُ أنَّ المُخْلِصِينَ لِلَّهِ تَعالى هُمُ المُحِبُّونَ حَقًّا. (p-٢١٩) قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إذْ تَبَرَّأ الَّذِينَ اتُّبِعُوا﴾ فِيهِمْ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّ الَّذِينَ اتُّبِعُوا هُمُ السّادَةُ والرُّؤَساءُ تَبَرَّؤُوا مِمَّنِ اتَّبَعَهم عَلى الكُفْرِ، وهَذا قَوْلُ عَطاءٍ. والثّانِي: أنَّهُمُ الشَّياطِينُ تَبَرَّؤُوا مِنَ الإنْسِ، وهَذا قَوْلُ السُّدِّيِّ. ﴿وَرَأوُا العَذابَ﴾ يَعْنِي بِهِ المَتْبُوعِينَ والتّابِعِينَ. وَفي رُؤْيَتِهِمْ لِلْعَذابِ وجْهانِ مُحْتَمَلانِ: أحَدُهُما: تَيَقُّنُهم لَهُ عِنْدَ المُعايَنَةِ في الدُّنْيا. والثّانِي: أنَّ الأمْرَ بِعَذابِهِمْ عِنْدَ العَرْضِ والمُساءَلَةِ في الآخِرَةِ. ﴿وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسْبابُ﴾ فِيهِ خَمْسَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: أنَّ الأسْبابَ تَواصُلُهم في الدُّنْيا، وهو قَوْلُ مُجاهِدٍ وقَتادَةَ. والثّانِي: المَنازِلُ الَّتِي كانَتْ لَهم في الدُّنْيا، وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: أنَّها الأرْحامُ، وهو رِوايَةُ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والرّابِعُ: أنَّها الأعْمالُ الَّتِي كانُوا يَعْمَلُونَها في الدُّنْيا، وهو قَوْلُ السُّدِّيِّ. والخامِسُ: أنَّها العُهُودُ والحِلْفُ الَّذِي كانَ بَيْنَهم في الدُّنْيا. ﴿وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأ مِنهم كَما تَبَرَّءُوا مِنّا﴾ يُرِيدُ بِذَلِكَ أنَّ الأتْباعَ قالُوا لِلْمَتْبُوعِينَ لَوْ أنَّ لَنا كَرَّةً أيْ رَجْعَةً إلى الدُّنْيا فَنَتَبَرَّأُ مِنكم فِيها كَما تَبَرَّأْتُمْ مِنّا في الآخِرَةِ. ﴿كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أعْمالَهم حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ﴾ يُرِيدُ المَتْبُوعِينَ والأتْباعَ، والحَسْرَةُ شِدَّةُ النَّدامَةِ عَلى مَحْزُونٍ فائِتٍ. وَفي ﴿أعْمالَهم حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ﴾ وجْهانِ: أحَدُهُما: بِرُّهُمُ الَّذِي حَبِطَ بِكُفْرِهِمْ، لِأنَّ الكافِرَ لا يُثابُ مَعَ كُفْرِهِ. والثّانِي: ما نَقَصَتْ بِهِ أعْمارُهم في أعْمالِ المَعاصِي أنْ لا تَكُونَ مَصْرُوفَةً إلى طاعَةِ اللَّهِ. ﴿وَما هم بِخارِجِينَ مِنَ النّارِ﴾ يُرِيدُ بِهِ أمْرَيْنِ: أحَدُهُما: فَواتُ الرَّجْعَةِ. (p-٢٢٠) والثّانِي: خُلُودُهم في النّارِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب