الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿شَيْئًا فَرِيًّا﴾ فِيهِ خَمْسَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: أنَّهُ القَبِيحُ مِنَ الِافْتِراءِ، قالَهُ الكَلْبِيُّ. الثّانِي: أنَّهُ العَمَلُ العَجِيبُ، قالَهُ الأخْفَشُ. الثّالِثُ: العَظِيمُ مِنَ الأمْرِ، قالَهُ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، والسُّدِّيُّ. الرّابِعُ: أنَّهُ المُتَصَنَّعُ مَأْخُوذٌ مِنَ الفِرْيَةِ وهو الكَذِبُ، قالَهُ اليَزِيدِيُّ. الخامِسُ: أنَّهُ الباطِلُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أُخْتَ هارُونَ﴾ وفي هَذا الَّذِي نُسِبَتْ إلَيْهِ أرْبَعَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ كانَ رَجُلًا صالِحًا مِن بَنِي إسْرائِيلَ يُنْسَبُ إلَيْهِ مَن يُعْرَفُ بِالصَّلاحِ، قالَهُ مُجاهِدٌ وكَعْبٌ، والمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ يَرْفَعُهُ لِلنَّبِيِّ ﷺ. (p-٣٦٩)الثّانِي: أنَّهُ هارُونُ أخُو مُوسى فَنُسِبَتْ إلَيْهِ لِأنَّها مِن ولَدِهِ كَما يُقالُ يا أخا بَنِي فُلانٍ، قالَهُ السُّدِّيُّ. الثّالِثُ: أنَّهُ كانَ أخاها لِأبِيها وأُمِّها، قالَهُ الضَّحّاكُ. الرّابِعُ: أنَّهُ كانَ رَجُلًا فاسِقًا مُعْلِنًا بِالفِسْقِ ونُسِبَتْ إلَيْهِ، قالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ. ﴿وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ أيْ زانِيَةً. وَسُمِّيَتِ الزّانِيَةُ بَغِيًّا لِأنَّها تَبْغِي الزِّنا أيْ تَطْلُبُهُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأشارَتْ إلَيْهِ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أشارَتْ إلى اللَّهِ فَلَمْ يَفْهَمُوا إشارَتَها، قالَهُ عَطاءٌ. الثّانِي: أنَّها أشارَتْ إلى عِيسى وهو الأظْهَرُ، إمّا عَنْ وحْيِ اللَّهِ إلَيْها، وإمّا لِثِقَتِها بِنَفْسِها في أنَّ اللَّهَ تَعالى سَيُظْهِرُ بَراءَتَها، فَأشارَتْ إلى اللَّهِ إلَيْها، فَأشارَتْ إلى عِيسى أنْ كَلِّمُوهُ فاحْتَمَلَ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّها أحالَتِ الجَوابَ عَلَيْهِ اسْتِكْفاءً. الثّانِي: أنَّها عَدَلَتْ إلَيْهِ لِيَكُونَ كَلامُهُ لَها بُرْهانًا بِبَراءَتِها. ﴿قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كانَ في المَهْدِ﴾ وفي ﴿كانَ﴾ في هَذا المَوْضِعِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّها بِمَعْنى يَكُونُ تَقْدِيرُهُ مَن يَكُونُ في المَهْدِ صَبِيًّا قالَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ. الثّانِي: أنَّها صِلَةٌ زائِدَةٌ وتَقْدِيرُهُ مَن هو في المَهْدِ، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. وَفي ﴿المَهْدِ﴾ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ سَرِيرُ الصَّبِيِّ المَعْهُودُ لِمَنامِهِ. (p-٣٧٠)الثّانِي: إنَّهُ حِجْرُها الَّذِي تُرَبِّيهِ فِيهِ، قالَهُ قَتادَةُ. وَقِيلَ إنَّهم غَضِبُوا وقالُوا: لَسُخْرِيَتُها بِنا أعْظَمُ مِن زِناها، قالَهُ السُّدِّيُّ. فَلَمّا تَكَلَّمَ قالُوا: إنَّ هَذا لَأمْرٌ عَظِيمٌ. ﴿قالَ إنِّي عَبْدُ اللَّهِ﴾ وإنَّما قَدَّمَ إقْرارَهُ بِالعُبُودِيَّةِ لِيُبْطِلَ بِهِ قَوْلَ مَنِ ادَّعى فِيهِ الرُّبُوبِيَّةَ وكانَ اللَّهُ هو الَّذِي أنْطَقَهُ بِذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِما يَتَقَوَّلُهُ الغالُونَ فِيهِ. ﴿آتانِيَ الكِتابَ﴾ أيْ سَيُؤْتِينِي الكِتابَ. ﴿وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: وسَيَجْعَلُنِي نَبِيًّا، والكَلامُ في المَهْدِ مِن مُقَدِّماتِ نُبُوَّتِهِ. الثّانِي: أنَّهُ كانَ في حالِ كَلامِهِ لَهم في المَهْدِ نَبِيًّا كامِلَ العَقْلِ ولِذَلِكَ كانَتْ لَهُ هَذِهِ المُعْجِزَةُ، قالَهُ الحَسَنُ. وَقالَ الضَّحّاكُ: تَكَلَّمَ وهو ابْنُ أرْبَعِينَ. [يَوْمًا] . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجَعَلَنِي مُبارَكًا أيْنَ ما كُنْتُ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: نَبِيًّا، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّانِي: آمِرًا بِالمَعْرُوفِ وناهِيًا عَنِ المُنْكَرِ. الثّالِثُ: مُعَلِّمًا لِلْخَيْرِ، قالَهُ سُفْيانُ. الرّابِعُ: عارِفًا بِاللَّهِ وداعِيًا إلَيْهِ. ﴿وَأوْصانِي بِالصَّلاةِ﴾ فِيها وجْهانِ: أحَدُهُما: الدُّعاءُ والإخْلاصُ. الثّانِي: الصَّلَواتُ ذاتُ الرُّكُوعِ والسُّجُودِ. وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: أنَّ الصَّلاةَ الِاسْتِقامَةُ مَأْخُوذٌ مِن صَلاةِ العُودِ إذا قُوِّمَ اعْوِجاجُهُ بِالنّارِ. ﴿والزَّكاةِ﴾ فِيها وجْهانِ: أحَدُهُما: زَكاةُ المالِ. الثّانِي: التَّطْهِيرُ مِنَ الذُّنُوبِ. (p-٣٧١)وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: أنَّ الزَّكاةَ الِاسْتِكْثارُ مِنَ الطّاعَةِ؛ لِأنَّ الزَّكاةَ في اللُّغَةِ النَّماءُ والزِّيادَةُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَبَرًّا بِوالِدَتِي﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: بِما بَرَّأها بِهِ مِنَ الفاحِشَةِ. الثّانِي: بِما تَكَفَّلَ لَها مِنَ الخِدْمَةِ. ﴿وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبّارًا شَقِيًّا﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّ الجَبّارَ الجاهِلُ بِأحْكامِهِ، الشَّقِيُّ المُتَكَبِّرُ عَنْ عِبادَتِهِ. الثّانِي: أنَّ الجَبّارَ الَّذِي لا يُنْصَحُ، والشَّقِيَّ الَّذِي لا يَقْبَلُ النَّصِيحَةَ. وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: أنَّ الجَبّارَ الظّالِمُ لِلْعِبادِ، والشَّقِيَّ الرّاغِبُ في الدُّنْيا. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والسَّلامُ عَلَيَّ﴾ الآيَةِ. فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: يَعْنِي بِالسَّلامِ السَّلامَةَ، يَعْنِي في الدُّنْيا، ﴿وَيَوْمَ أمُوتُ﴾ يَعْنِي في القَبْرِ، ﴿وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ يَعْنِي في الآخِرَةِ؛ لِأنَّ لَهُ أحْوالًا ثَلاثًا: في الدُّنْيا حَيًّا، وفي القَبْرِ مَيْتًا، وفي الآخِرَةِ مَبْعُوثًا، فَسَلِمَ في أحْوالِهِ كُلِّها، وهو مَعْنى قَوْلِ الكَلْبِيِّ. الثّانِي: يَعْنِي بِالسَّلامِ ﴿يَوْمَ وُلِدْتُ﴾ سَلامَتَهُ مِن هَمْزَةِ الشَّيْطانِ فَإنَّهُ لَيْسَ مَوْلُودٌ يُولَدُ إلّا هَمَزَهُ الشَّيْطانُ وذَلِكَ حِينَ يَسْتَهِلُّ، غَيْرَ عِيسى فَإنَّ اللَّهَ عَصَمَهُ مِنها. وَهو مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإنِّي أُعِيذُها بِكَ وذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ﴾ ﴿وَيَوْمَ أمُوتُ﴾ يَعْنِي سَلامَتَهُ مِن ضَغْطَةِ القَبْرِ لِأنَّهُ غَيْرُ مَدْفُونٍ في الأرْضِ ﴿وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ لَمْ أرَ فِيهِ عَلى هَذا الوَجْهِ ما يُرْضِي. (p-٣٧٢)وَيُحْتَمَلُ أنَّ تَأْوِيلَهُ عَلى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ سَلامَتُهُ مِنَ العَرْضِ والحِسابِ لِأنَّ اللَّهَ ما رَفَعَهُ إلى السَّماءِ إلّا بَعْدَ خَلاصِهِ مِنَ الذُّنُوبِ والمَعاصِي. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ثُمَّ انْقَطَعَ كَلامُهُ حَتّى بَلَغَ مَبْلَغَ الغِلْمانِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب