الباحث القرآني
(p-٣٥٢)سُورَةُ مَرْيَمَ
﴿كهيعص﴾ ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّا﴾ ﴿إذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا﴾ ﴿قالَ رَبِّ إنِّي وهَنَ العَظْمُ مِنِّي واشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ولَمْ أكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ ﴿وَإنِّي خِفْتُ المَوالِيَ مِن ورائِي وكانَتِ امْرَأتِي عاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَدُنْكَ ولِيًّا﴾ ﴿يَرِثُنِي ويَرِثُ مِن آلِ يَعْقُوبَ واجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كهيعص﴾ فِيهِ سِتَّةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ اسْمٌ مِن أسْماءِ القُرْآنِ، قالَهُ قَتادَةُ.
الثّانِي: أنَّهُ اسْمٌ مِن أسْماءِ اللَّهِ، قالَهُ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ.
الثّالِثُ: أنَّهُ اسْتِفْتاحُ السُّورَةِ، قالَهُ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ.
الرّابِعُ: أنَّهُ اسْمُ السُّورَةِ، قالَهُ الحَسَنُ.
الخامِسُ: أنَّهُ مِن حُرُوفِ الجُمَّلِ تَفْسِيرُ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ؛ لِأنَّ الكافَ
(p-٣٥٣)عِشْرُونَ والهاءَ خَمْسَةٌ والياءَ عَشَرَةٌ والعَيْنَ سَبْعُونَ والصّادَ تِسْعُونَ.
كَذَلِكَ عَدَدُ حُرُوفِ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، حَكاهُ أبانُ بْنُ تَغْلِبَ.
السّادِسُ: أنَّها حُرُوفُ أسْماءِ اللَّهِ.
فَأمّا الكافُ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيها مِن أيِّ اسْمٍ هي عَلى ثَلاثَةِ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّها مِن كَبِيرٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
الثّانِي: أنَّها مِن كافٍ، قالَهُ الضَّحّاكُ.
الثّالِثُ: أنَّها مِن كِرِيمٍ، قالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ.
وَأمّا الهاءُ فَإنَّها مِن هادٍ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ.
وَأمّا الياءُ فَفِيها أرْبَعَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّها مِن يَمُنُّ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
الثّانِي: مِن حَكِيمٍ قالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ.
الثّالِثُ: أنَّها مِن ياسِينَ حَكاهُ سالِمٌ.
الرّابِعُ: أنَّها مِن يا لِلنِّداءِ وفِيهِ عَلى هَذا وجْهانِ: أحَدُهُما: يا مَن يُجِيبُ مَن دَعاهُ ولا يَخِيبُ مَن رَجاهُ لِما تَعَقَبَهُ مِن دُعاءِ زَكَرِيّا.
الثّانِي: يا مَن يُجِيرُ ولا يُجارُ عَلَيْهِ، قالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أنَسٍ.
وَأمّا العَيْنُ فَفِيها ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّها مِن عَزِيزٍ، قالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ.
الثّانِي: أنَّها مِن عالِمٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
الثّالِثُ: مِن عَدْلٍ، قالَهُ الضَّحّاكُ.
وَأمّا الصّادُ فَإنَّها مِن صادِقٍ في قَوْلِ جَمِيعِهِمْ فَهَذا بَيانٌ لِلْقَوْلِ السّادِسِ.
وَيَحْتَمِلُ سابِعًا: أنَّها حُرُوفٌ مِن كَلامٍ أُغْمِضَتْ مَعانِيهِ ونُبِّهَ عَلى مُرادِهِ فِيهِ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ: كَفى وهَدى مَن لا يُعْصَ فَتَكُونُ الكافُ مِن كَفى والهاءُ مِن هَدى
(p-٣٥٤)والباقِي حُرُوفُ يَعْصِي لِأنَّ تَرْكَ المَعاصِي يَبْعَثُ عَلى امْتِثالِ الأوامِرِ واجْتِنابِ النَّواهِي، فَصارَ تَرْكُها كافِيًا مِنَ العِقابِ وهادِيًا إلى الثَّوابِ وهَذا أوْجَزُ وأعْجَزُ مِن كُلِّ كَلامٍ مُوجَزٍ لِأنَّهُ قَدْ جَمَعَ في حُرُوفِ كَلِمَةٍ مَعانِيَ كَلامٍ مَبْسُوطٍ وتَعْلِيلَ أحْكامٍ وشُرُوطٍ.
ثُمَّ ذَكَرَ حالَ مَن كَفاهُ وهَداهُ فَقالَ: ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّا﴾ فَذِكْرُ رَحْمَتِهِ حِينَ أجابَهُ إلى ما سَألَهُ فاحْتَمَلَ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهُ رَحِمَهُ بِإجابَتِهِ لَهُ.
الثّانِي: أنَّهُ إجابَةٌ لِرَحْمَتِهِ لَهُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿نِداءً خَفِيًّا﴾ [فِيهِ قَوْلانِ] . أحَدُهُما: قالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، سِرًّا لا رِياءَ فِيهِ.
قالَ قَتادَةُ: إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ القَلْبَ النَّقِيَّ ويَسْمَعُ الصَّوْتَ الخَفِيَّ فَأخْفى زَكَرِيّا نِداءَهُ لِئَلّا يُنْسَبَ إلى الرِّياءِ فِيهِ.
الثّانِي: قالَهُ مُقاتِلٌ، إنَّما أخْفى لِئَلّا يَهْزَأ النّاسُ بِهِ، فَيَقُولُونَ انْظُرُوا إلى هَذا الشَّيْخِ يَسْألُ الوَلَدَ.
وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: أنَّ إخْفاءَ الدُّعاءِ أخْلَصُ لِلدُّعاءِ وأرْجى لِلْإجابَةِ لِلسُّنَّةِ الوارِدَةِ فِيهِ: إنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ لَيْسَ بِأصَمَّ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنِّي وهَنَ العَظْمُ مِنِّي﴾ أيْ ضَعُفَ وفي ذِكْرِهِ وهَنَ العَظْمُ دُونَ اللَّحْمِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ لَمّا وهَنَ العَظْمُ الَّذِي هو أقْوى كانَ وهْنُ اللَّحْمِ والجِلْدِ أوْلى.
الثّانِي: أنَّهُ اشْتَكى ضَعْفَ البَطْشِ، والبَطْشُ إنَّما يَكُونُ بِالعَظْمِ دُونَ اللَّحْمِ.
(p-٣٥٥)﴿واشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾ هَذا مِن أحْسَنِ الِاسْتِعارَةِ لِأنَّهُ قَدْ يُنْشَرُ فِيهِ الشَّيْبُ كَما يُنْشَرُ في الحَطَبِ شُعاعُ النّارِ.
﴿وَلَمْ أكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ أيْ خائِبًا، أيْ كُنْتَ لا تُخَيِّبُنِي إذا دَعَوْتُكَ ولا تَحْرِمُنِي إذا سَألْتُكَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنِّي خِفْتُ المَوالِيَ﴾ فِيهِمْ أرْبَعَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: العُصْبَةُ، قالَهُ مُجاهِدٌ وأبُو صالِحٍ.
الثّانِي: الكَلالَةُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
الثّالِثُ: الأوْلِياءُ أنْ يَرِثُوا عِلْمِي دُونَ مَن كانَ مَن نَسْلِي قالَ لَبِيدٌ:
؎ ومَوْلًى قَدْ دَفَعْتُ الضَّيْمَ عَنْهُ وقَدْ أمْسى بِمَنزِلَةِ المُضِيمِ
الرّابِعُ: بَنُو العَمِّ لِأنَّهم كانُوا شِرارَ بَنِي إسْرائِيلَ.
وَسُمُّوا مَوالِي لِأنَّهم يَلُونَهُ في النَّسَبِ لِعَدَمِ الصُّلْبِ.
وَفِيما خافَهم عَلَيْهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ خافَهم عَلى الفَسادِ في الأرْضِ.
الثّانِي: أنَّهُ خافَهم عَلى نَفْسِهِ في حَياتِهِ وعَلى أشْيائِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ خافَهم عَلى تَبْدِيلِ الدِّينِ وتَغْيِيرِهِ.
رَوى كَثِيرُ بْنُ كَلْثَمَةَ أنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ الحُسَيْنِ عَلَيْهِما السَّلامُ يَقْرَأُ: ﴿وَإنِّي خِفْتُ﴾ بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنى قَلَّتْ.
وَفي قَوْلِهِ: ﴿مِن ورائِي﴾ وجْهانِ: أحَدُهُما: مِن قُدّامِي وهو قَوْلُ الأخْفَشِ.
الثّانِي: بَعْدَ مَوْتِي، قالَهُ مُقاتِلٌ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَهَبْ لِي مِن لَدُنْكَ ولِيًّا﴾ ﴿يَرِثُنِي ويَرِثُ مِن آلِ يَعْقُوبَ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: يَرِثُنِي مالِي ويَرِثُ مِن آلِ يَعْقُوبَ النُّبُوَّةَ، قالَهُ أبُو صالِحٍ.
(p-٣٥٦)الثّانِي: يَرِثُنِي ويَرِثُ مِن آلِ يَعْقُوبَ العِلْمَ والنُّبُوَّةَ، قالَهُ الحَسَنُ.
الثّالِثُ: يَرِثُنِي النُّبُوَّةَ ويَرِثُ مِن آلِ يَعْقُوبَ الأخْلاقَ، قالَهُ عَطاءٌ.
الرّابِعُ: يَرِثُنِي العِلْمَ ويَرِثُ مِن آلِ يَعْقُوبَ المُلْكَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
فَأجابَهُ اللَّهُ إلى وِراثَةِ العِلْمِ ولَمْ يُجِبْهُ إلى وارِثَةِ المُلْكِ.
قالَ الكَلْبِيُّ: وكانَ آلُ يَعْقُوبَ أخْوالَهُ وهو يَعْقُوبُ بْنُ ماثانَ، وكانَ فِيهِمُ المُلْكُ، وكانَ زَكَرِيّا مِن ولَدِ هارُونَ بْنِ عِمْرانَ أخِي مُوسى.
قالَ مُقاتِلٌ: ويَعْقُوبُ بْنُ ماثانَ هو أخُو عِمْرانَ أبِي مَرْيَمَ؛ لِأنَّ يَعْقُوبَ وعِمْرانَ ابْنا ماثانَ، فَرَوى قَتادَةُ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: « (يَرْحَمُ اللَّهُ زَكَرِيّا ما كانَ عَلَيْهِ مِن ورَثَتِهِ)» . ﴿واجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: مَرْضِيًّا في أخْلاقِهِ وأفْعالِهِ.
الثّانِي: راضِيًا بِقَضائِكَ وقَدَرِكَ.
وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: أنْ يُرِيدَ نَبِيًّا.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["كۤهیعۤصۤ","ذِكۡرُ رَحۡمَتِ رَبِّكَ عَبۡدَهُۥ زَكَرِیَّاۤ","إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥ نِدَاۤءً خَفِیࣰّا","قَالَ رَبِّ إِنِّی وَهَنَ ٱلۡعَظۡمُ مِنِّی وَٱشۡتَعَلَ ٱلرَّأۡسُ شَیۡبࣰا وَلَمۡ أَكُنۢ بِدُعَاۤىِٕكَ رَبِّ شَقِیࣰّا","وَإِنِّی خِفۡتُ ٱلۡمَوَ ٰلِیَ مِن وَرَاۤءِی وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِی عَاقِرࣰا فَهَبۡ لِی مِن لَّدُنكَ وَلِیࣰّا","یَرِثُنِی وَیَرِثُ مِنۡ ءَالِ یَعۡقُوبَۖ وَٱجۡعَلۡهُ رَبِّ رَضِیࣰّا"],"ayah":"ذِكۡرُ رَحۡمَتِ رَبِّكَ عَبۡدَهُۥ زَكَرِیَّاۤ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق