الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿أقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ أمّا دُلُوكُ الشَّمْسِ فَفِيهِ تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ غُرُوبُها، وأنَّ الصَّلاةَ المَأْمُورُ بِها صَلاةُ المَغْرِبِ، ومِنهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ: ؎ مَصابِيحُ لَيْسَتْ بِاللَّواتِي تَقُودُها نُجُومٌ ولا بِالآفِلاتِ الدَّوالِكِ قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وابْنُ زَيْدٍ، ورَواهُ مُجاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وهو مَذْهَبُ أبِي حَنِيفَةَ. الثّانِي: أنَّهُ زَوالُها، والصَّلاةُ المَأْمُورُ بِها صَلاةُ الظُّهْرِ، وهَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ في رِوايَةِ الشَّعْبِيِّ عَنْهُ، وهو قَوْلُ أبِي بُرْدَةَ والحَسَنِ وقَتادَةَ ومُجاهِدٍ، وهو مَذْهَبُ الشّافِعِيِّ ومالِكٍ لِرِوايَةِ أبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وعُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ قالا: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « (أتانِي جِبْرِيلُ لِدُلُوِكِ الشَّمْسِ حِينَ زالَتْ فَصَلّى بِيَ الظُّهْرَ)» وقالَ الشّاعِرُ:(p-٢٦٣) ؎ هَذا مُقامُ قَدَمَيْ رَباحِ ∗∗∗ ذَيَّبَ حَتّى دَلَكَتْ بَراحُ وَبَراحُ اسْمُ الشَّمْسِ، والباءُ الَّتِي فِيهِ مِن أصْلِ الكَلِمَةِ، وذَهَبَ بَعْضُ أهْلِ العَرَبِيَّةِ إلى أنَّ الباءَ الَّتِي فِيها باءُ الجَرِّ، واسْمُ الشَّمْسِ راحُ. فَمَن جَعَلَ الدُّلُوكَ اسْمًا لِغُرُوبِها فَلِأنَّ الإنْسانَ يُدَلِّكُ عَيْنَيْهِ بِراحَتِهِ لِتَبَيُّنِها، ومَن جَعَلَهُ اسْمًا لِزَوالِها فَلِأنَّهُ يُدَلِّكُ عَيْنَيْهِ بِراحَتِهِ لِشِدَّةِ شُعاعِها. وَقِيلَ إنَّ أصْلَ الدُّلُوكِ في اللُّغَةِ هو المَيْلُ، والشَّمْسُ تَمِيلُ عِنْدَ زَوالِها وغُرُوبِها فَلِذَلِكَ انْطَلَقَ عَلى كُلِّ واحِدٍ مِنهُما. وَأمّا ﴿غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ فَفِيهِ تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ ظُهُورُ ظَلامِهِ، قالَهُ الفَرّاءُ وابْنُ عِيسى، ومِنهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ: ؎ ظَلَّتْ تَجُودُ يَداها وهْيَ لاهِيَةٌ ∗∗∗ حَتّى إذا جَنَحَ الإظْلامُ والغَسَقُ الثّانِي: أنَّهُ دُنُوُّ اللَّيْلِ وإقْبالُهُ، وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ وقَتادَةَ. قالَ الشّاعِرُ: ؎ إنَّ هَذا اللَّيْلَ قَدْ غَسَقا ∗∗∗ ... ... ... وَفِي الصَّلاةِ المَأْمُورِ بِها قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّها صَلاةُ المَغْرِبِ، وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ ومُجاهِدٍ وقَتادَةَ والضَّحّاكِ. الثّانِي: هي صَلاةُ العِشاءِ الآخِرَةِ، قالَهُ أبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ. ثُمَّ قالَ ﴿وَقُرْآنَ الفَجْرِ إنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودًا﴾ في "قُرْآنَ" تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: أقِمِ القِراءَةَ في صَلاةِ الفَجْرِ، وهَذا قَوْلُ أبِي جَعْفَرٍ الطَّبَرِيِّ. الثّانِي: مَعْناهُ صَلاةُ الفَجْرِ، فَسَمّاها قُرْآنًا لِتَأْكِيدِ القِراءَةِ في الصَّلاةِ، وهَذا قَوْلُ أبِي إسْحاقَ الزَّجّاجِ. ﴿إنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودًا﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: إنَّ مِنَ الحِكْمَةِ أنْ تَشْهَدَهُ بِالحُضُورِ إلَيْهِ في المَساجِدِ، قالَهُ ابْنُ بَحْرٍ. الثّانِي: أنَّ المُرادَ بِهِ ما رَواهُ أبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: « (تَشْهَدُهُ مَلائِكَةُ (p-٢٦٤)اللَّيْلِ ومَلائِكَةُ النَّهارِ)» وفي هَذا دَلِيلٌ عَلى أنَّها لَيْسَتْ مِن صَلاةِ اللَّيْلِ ولا مِن صَلاةِ النَّهارِ. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ﴾ أمّا الهُجُودُ فَمِن أسْماءِ الأضْدادِ، ويَنْطَلِقُ عَلى النَّوْمِ وعَلى السَّهَرِ، وشاهِدُ انْطِلاقِهِ عَلى السَّهَرِ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎ ألا زارَتْ وأهْلُ مِنًى هُجُودُ ∗∗∗ ولَيْتَ خَيالَها بِمِنًى يَعُودُ وَشاهِدُ انْطِلاقِهِ عَلى النَّوْمِ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎ ألا طَرَقَتْنا والرِّفاقُ هُجُودُ ∗∗∗ فَباتَتْ بِعَلّاتِ النَّوالِ تَجُودُ أمّا التَّهَجُّدُ فَهو السَّهَرُ، وفِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: السَّهَرُ بِالتَّيَقُّظِ لِما يَنْفِي النَّوْمَ، سَواءٌ كانَ قَبْلَ النَّوْمِ أوْ بَعْدَهُ. الثّانِي: أنَّهُ السَّهَرُ بَعْدَ النَّوْمِ، قالَهُ الأسْوَدُ بْنُ عَلْقَمَةَ. وَفي الكَلامِ مُضْمَرٌ مَحْذُوفٌ وتَقْدِيرُهُ: فَتَهَجَّدْ بِالقُرْآنِ وقِيامِ اللَّيْلِ نافِلَةً أيْ فَضْلًا وزِيادَةً عَلى الفَرْضِ. وَفي تَخْصِيصِ النَّبِيِّ ﷺ بِأنَّها نافِلَةٌ لَهُ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: تَخْصِيصًا لَهُ بِالتَّرْغِيبِ فِيها والسَّبْقِ إلى حِيازَةِ فَضْلِها، لِاخْتِصاصِها بِكَرامَتِهِ، قالَهُ عَلِيُّ بْنُ عِيسى. الثّانِي: لِأنَّها فَضِيلَةٌ لَهُ، ولِغَيْرِهِ كَفّارَةٌ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّالِثُ: لِأنَّها عَلَيْهِ مَكْتُوبَةٌ ولِغَيْرِهِ مُسْتَحَبَّةٌ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. ﴿عَسى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحْمُودًا﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: (p-٢٦٥)أحَدُها: أنَّ المَقامَ المَحْمُودَ الشَّفاعَةُ لِلنّاسِ يَوْمَ القِيامَةِ، قالَهُ حُذَيْفَةُ بْنُ اليَمانِ. الثّانِي: أنَّهُ إجْلاسُهُ عَلى عَرْشِهِ يَوْمَ القِيامَةِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. (p-٢٦٦)الثّالِثُ: أنَّهُ إعْطاؤُهُ لِواءَ الحَمْدِ يَوْمَ القِيامَةِ. وَيَحْتَمِلُ قَوْلًا رابِعًا: أنْ يَكُونَ المَقامُ المَحْمُودُ شَهادَتَهُ عَلى أُمَّتِهِ بِما أجابُوهُ مِن تَصْدِيقٍ أوْ تَكْذِيبٍ، كَما قالَ تَعالى: ﴿وَجِئْنا بِكَ عَلى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ [النِّساءِ: ٤١] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب