الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الأسْماءُ الحُسْنى﴾ في سَبَبِ نُزُولِها قَوْلانِ: أحَدُهُما: قالَهُ الكَلْبِيُّ. أنَّ ذِكْرَ الرَّحْمَنِ كانَ في القُرْآنِ قَلِيلًا وهو في التَّوْراةِ كَثِيرٌ، فَلَمّا أسْلَمَ ناسٌ مِنَ اليَهُودِ مِنهُمُ ابْنُ سَلامٍ وأصْحابُهُ ساءَهم قِلَّةُ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ في القُرْآنِ، وأحَبُّوا أنْ يَكُونَ كَثِيرًا فَنَزَلَتْ. (p-٢٨١)الثّانِي: ما قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ أنَّهُ «كانَ النَّبِيُّ ﷺ ساجِدًا يَدْعُو (يا رَحْمَنُ يا رَحِيمُ) فَقالَ المُشْرِكُونَ: هَذا يَزْعُمُ أنَّ لَهُ إلَهًا واحِدًا وهو يَدْعُو مُثَنّى، فَنَزَلَتِ الآيَةُ. » ﴿وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ولا تُخافِتْ بِها وابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ عَنى بِالصَّلاةِ الدُّعاءَ، ومَعْنى ذَلِكَ: ولا تَجْهَرْ بِدُعائِكَ ولا تُخافِتْ بِهِ، وهَذا قَوْلُ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها ومَكْحُولٍ. قالَ إبْراهِيمُ: لَيَنْتَهِيَنَّ أقْوامٌ يُشْخِصُونَ بِأبْصارِهِمْ إلى السَّماءِ في الصَّلاةِ أوْ لا تَرْجِعُ إلَيْهِمْ أبْصارُهم. الثّانِي: أنَّهُ عَنى بِذَلِكَ الصَّلاةَ المَشْرُوعَةَ، واخْتَلَفَ قائِلُو ذَلِكَ فِيما نَهى عَنْهُ مِنَ الجَهْرِ بِها والمُخافَتَةِ فِيها عَلى خَمْسَةِ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ نَهى عَنِ الجَهْرِ بِالقِراءَةِ فِيها لِأنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِمَكَّةَ كانَ يَجْهَرُ بِالقِراءَةِ جَهْرًا شَدِيدًا، فَكانَ إذا سَمِعَهُ المُشْرِكُونَ سَبُّوهُ، فَنَهاهُ اللَّهُ تَعالى عَنْ شِدَّةِ الجَهْرِ، وأنْ لا يُخافِتَ بِها حَتّى لا يَسْمَعَهُ أصْحابُهُ، ويَبْتَغِيَ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: أنَّهُ نَهى عَنِ الجَهْرِ بِالقِراءَةِ في جَمِيعِها وعَنِ الإسْرارِ بِها في جَمِيعِها وأنْ يَجْهَرَ في صَلاةِ اللَّيْلِ ويُسِرَّ في صَلاةِ النَّهارِ. الثّالِثُ: أنَّهُ نُهِيَ عَنِ الجَهْرِ بِالتَّشَهُّدِ في الصَّلاةِ، قالَهُ ابْنُ سِيرِينَ. الرّابِعُ: أنَّهُ نُهِيَ عَنِ الجَهْرِ بِفِعْلِ الصَّلاةِ لِأنَّهُ كانَ يَجْهَرُ بِصَلاتِهِ، بِمَكَّةَ فَتُؤْذِيَهُ قُرَيْشٌ، فَخافَتَ بِها واسْتَسَرَّ، فَأمَرَهُ اللَّهُ ألّا يَجْهَرَ بِها كَما كانَ، ولا يُخافِتَ بِها كَما صارَ، ويَبْتَغِي بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا، قالَهُ عِكْرِمَةُ. الخامِسُ: يَعْنِي لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ تُحْسِنُها مُرائِيًا بِها في العَلانِيَةِ، ولا تُخافِتْ بِها تُسِيئُها في السَّرِيرَةِ، قالَ الحَسَنُ: تُحْسِنُ عَلانِيَتَها وتُسِيءُ سَرِيرَتَها. وَقِيلَ: لا تُصَلِّها رِياءً ولا تَتْرُكْها حَياءً. والأوَّلُ أظْهَرُ. رُوِيَ «أنَّ أبا بَكْرٍ الصَّدِيقَ كانَ إذا صَلّى خَفَّضَ مِن صَوْتِهِ فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ (لِمَ تَفْعَلُ هَذا؟) قالَ: أُناجِي رَبِّي وقَدْ عَلِمَ حاجَتِي، فَقالَ ﷺ (أحْسَنْتَ) . (p-٢٨٢)وَكانَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: (لِمَ تَفْعَلُ هَذا؟) فَقالَ: أُوقِظُ الوَسْنانَ وأطْرُدُ الشَّيْطانَ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: (أحْسَنْتَ) . فَلَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قالَ لِأبِي بَكْرٍ: (ارْفَعْ شَيْئًا) وقالَ لِعُمَرَ: (أخْفِضْ شَيْئًا)» . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ ولَدًا﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أمَرَهُ بِالحَمْدِ لِتَنْزِيهِ اللَّهِ تَعالى عَنِ الوَلَدِ. الثّانِي: لِبُطْلانِ ما قَرَنَهُ المُشْرِكُونَ بِهِ مِنَ الوَلَدِ. ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ في المُلْكِ﴾ لِأنَّهُ واحِدٌ لا شَرِيكَ لَهُ في مُلْكٍ ولا عِبادَةٍ. ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ولِيٌّ مِنَ الذُّلِّ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: لَمْ يُحالِفْ أحَدًا. الثّانِي: لا يَبْتَغِي نَصْرَ أحَدٍ. الثّالِثُ: لَمْ يَكُنْ لَهُ ولِيٌّ مِنَ اليَهُودِ والنَّصارى لِأنَّهم أذَلُّ النّاسَ، قالَهُ الكَلْبِيُّ. ﴿وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: صِفْهُ بِأنَّهُ أكْبَرُ مِن كُلِّ شَيْءٍ. الثّانِي: كَبِّرْهُ تَكْبِيرًا عَنْ كُلِّ ما لا يَجُوزُ في صِفَتِهِ. الثّالِثُ: عَظِّمْهُ تَعْظِيمًا واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب