الباحث القرآني
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَجاءَ إخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ﴾ الآيَةِ.
قالَ ابْنُ إسْحاقَ والسُّدِّيُّ: وإنَّما جاءُوا لِيَمْتارُوا مِن مِصْرَ في سِنِي القَحْطِ الَّتِي ذَكَرَها يُوسُفُ في تَفْسِيرِ الرُّؤْيا، ودَخَلُوا عَلى يُوسُفَ لِأنَّهُ كانَ هو الَّذِي يَتَوَلّى بَيْعَ الطَّعامِ لِعِزَّتِهِ.
﴿فَعَرَفَهُمْ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ عَرَفَهم حِينَ دَخَلُوا عَلَيْهِ مِن غَيْرِ تَعْرِيفٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
(p-٥٤)الثّانِي: ما عَرَفَهم حَتّى تَعَرَّفُوا إلَيْهِ فَعَرَفَهم، قالَهُ الحَسَنُ.
وَقِيلَ بَلْ عَرَفَهم بِلِسانِهِمُ العِبْرانِيِّ حِينَ تَكَلَّمُوا بِهِ.
قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إنَّما سُمِّيَتْ عِبْرانِيَّةً لِأنَّ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ عَبَرَ بِهِمْ فِلَسْطِينَ فَنَزَلَ مِن وراءِ نَهْرِ الأُرْدُنِ فَسُمُّوا العِبْرانِيَّةُ.
﴿وَهم لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ لِأنَّهُ فارَقُوهُ صَغِيرًا فَكَبِرَ، وفَقِيرًا فاسْتَغْنى، وباعُوهُ عَبْدًا فَصارَ مَلِكًا، فَلِذَلِكَ أنْكَرُوهُ، ولَمْ يَتَعَرَّفْ إلَيْهِمْ لِيَعْرِفُوهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَلَمّا جَهَّزَهم بِجَهازِهِمْ﴾ وذَلِكَ أنَّهُ كالَ لَهُمُ الطَّعامَ، قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وحَمَّلَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنهم بَعِيرًا بِعِدَّتِهِمْ.
﴿قالَ ائْتُونِي بِأخٍ لَكم مِن أبِيكُمْ﴾ قالَ قَتادَةُ: يَعْنِي بِنْيامِينَ وكانَ أخا يُوسُفَ لِأبِيهِ وأُمِّهِ.
قالَ السُّدِّيُّ: أدْخَلَهُمُ الدّارَ وقالَ: قَدِ اسْتَرَبْتُ بِكم -تَنَكَّرُ عَلَيْهِمْ- فَأخْبِرُونِي مَن أنْتُمْ فَإنِّي أخافُ أنْ تَكُونُوا عُيُونًا ؟ فَذَكَرُوا حالَ أبِيهِمْ وحالَهَمْ وحالَ يُوسُفَ وحالَ أخِيهِ وتَخَلُّفِهِ مَعَ أبِيهِ، فَقالَ: إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فائْتُونِي بِهَذا الأخِ الَّذِي لَكم مِن أبِيكم، وأظْهَرَ لَهم أنَّهُ يُرِيدُ أنْ يَسْتَبْرِئَ بِهِ أحْوالَهم.
وَقِيلَ: بَلْ وصَفُوا لَهُ أنَّهُ أحَبُّ إلى أبِيهِمْ مِنهم، فَأظْهَرَ لَهم مَحَبَّةَ رُؤْيَتِهِ.
﴿ألا تَرَوْنَ أنِّي أُوفِي الكَيْلَ﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهُ أرْخَصَ لَهم في السِّعْرِ فَصارَ زِيادَةً في الكَيْلِ.
الثّانِي: أنَّهُ كالَ لَهم بِمِكْيالٍ وافٍ.
﴿وَأنا خَيْرُ المُنْزِلِينَ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: يَعْنِي خَيْرُ المُضِيفِينَ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
الثّانِي: وهو مُحْتَمَلٌ، خَيْرُ مَن نَزَلْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ المَأْمُونِينَ.
فَهو عَلى التَّأْوِيلِ الأوَّلِ مَأْخُوذٌ مِنَ النُّزُلِ وهو الطَّعامُ، وعَلى التَّأْوِيلِ الثّانِي مَأْخُوذٌ مِنَ المَنزِلِ وهو الدّارُ.
(p-٥٥)قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿فَإنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكم عِنْدِي﴾ يَعْنِي فِيما بَعْدُ؛ لِأنَّهُ قَدْ وفّاهم كَيْلَهم في هَذِهِ الحالِ.
﴿وَلا تَقْرَبُونِ﴾ أيْ لا أُنْزِلُكم عِنْدِي مَنزِلَةَ القَرِيبِ.
وَلَمْ يُرِدْ أنْ يَبْعُدُوا مِنهُ ولا يَعُودُوا إلَيْهِ لِأنَّهُ عَلى العَوْدِ حَثَّهم.
قالَ السُّدِّيُّ: وطَلَبُ مِنهم رَهِينَةً حَتّى يَرْجِعُوا، فارْتَهَنَ شَمْعُونَ عِنْدَهُ.
قالَ الكَلْبِيُّ: إنَّما اخْتارَ شَمْعُونَ مِنهم لِأنَّهُ يَوْمَ الجُبِّ كانَ أجْمَلَهم قَوْلًا وأحْسَنَهم رَأْيًا.
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أباهُ﴾ والمُراوَدَةُ الِاجْتِهادُ في الطَّلَبِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الإرادَةِ.
﴿وَإنّا لَفاعِلُونَ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: وإنّا لَفاعِلُونَ مُراوَدَةَ أبِيهِ وطَلَبَهُ مِنهُ.
الثّانِي: وإنّا لَفاعِلُونَ لِلْعَوْدِ إلَيْهِ بِأخِيهِمْ، قالَهُ ابْنُ إسْحاقَ.
فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ اسْتَجازَ يُوسُفُ إدْخالَ الحُزْنِ عَلى أبِيهِ بِطَلَبِ أخِيهِ؟ قِيلَ عَنْ هَذا أرْبَعَةُ أجْوِبَةٍ: أحَدُها: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ أمَرَهُ بِذَلِكَ ابْتِلاءً لِيَعْقُوبَ لِيُعَظِّمَ لَهُ الثَّوابَ فاتَّبَعَ أمْرَهُ فِيهِ.
الثّانِي: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ أرادَ بِذَلِكَ أنْ يُنَبِّهَ يَعْقُوبَ عَلى حالِ يُوسُفَ.
الثّالِثُ: لِتُضاعَفَ المَسَرَّةُ لِيَعْقُوبَ بِرُجُوعِ ولَدَيْهِ عَلَيْهِ.
والرّابِعُ: لِيُقَدِّمَ سُرُورَ أخِيهِ بِالِاجْتِماعِ مَعَهُ قَبْلَ إخْوَتِهِ لِمَيْلِهِ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهم في رِحالِهِمْ﴾ قَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ وحَفْصٌ ﴿لِفِتْيانِهِ﴾ وفِيهِمْ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهم غِلْمانُهُ، قالَهُ قَتادَةُ.
الثّانِي: أنَّهُمُ الَّذِينَ كالُوا لَهُمُ الطَّعامَ، قالَهُ السُّدِّيُّ.
(p-٥٦)وَفِي بِضاعَتِهِمْ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّها ورِقُهُمُ الَّتِي ابْتاعُوا الطَّعامَ بِها.
الثّانِي: أنَّها كانَتْ ثَمانِيَةَ جُرُبٍ فِيها سَوِيقُ المُقْلِ، قالَهُ الضَّحّاكُ.
وَقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: نَبَّهَ اللَّهُ تَعالى بِرَدِّ بِضاعَتِهِمْ إلَيْهِمْ عَلى أنَّ أعْمالَ العِبادِ تَعُودُ إلَيْهِمْ فِيما يُثابُونَ إلَيْهِ مِنَ الطّاعاتِ ويُعاقَبُونَ عَلَيْهِ مِنَ المَعاصِي.
﴿لَعَلَّهم يَعْرِفُونَها﴾ أيْ لِيَعْرِفُوها.
و﴿إذا انْقَلَبُوا إلى أهْلِهِمْ﴾ يَعْنِي رَجَعُوا إلى أهْلِهِمْ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿فانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [آلِ عِمْرانَ: ١٧٤] . ﴿لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ﴾ أيْ لِيَرْجِعُوا.
فَإنْ قِيلَ: فَلِمَ فَعَلَ ذَلِكَ يُوسُفُ؟ قِيلَ: يَحْتَمِلُ أوْجُهًا خَمْسَةً: أحَدُها: تَرْغِيبًا لَهم لِيَرْجِعُوا، عَلى ما صَرَّحَ بِهِ.
الثّانِي: أنَّهُ عَلِمَ مِنهم أنَّهم لا يَسْتَحِلُّونَ إمْساكَها، وأنَّهم يَرْجِعُونَ لِتَعْرِيفِها.
الثّالِثُ: لِيَعْلَمُوا أنَّهُ لَمْ يَكُنْ طَلَبُهُ لِعَوْدِهِمْ طَمَعًا في أمْوالِهِمْ.
الرّابِعُ: أنَّهُ خَشِيَ أنْ لا يَكُونَ عِنْدَ أبِيهِ غَيْرُها لِلْقَحْطِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ.
الخامِسُ: أنَّهُ تَحَرَّجَ أنْ يَأْخُذَ مِن أبِيهِ وإخْوَتِهِ ثَمَنَ قُوتِهِمْ مَعَ شِدَّةِ حاجَتِهِمْ.
{"ayahs_start":58,"ayahs":["وَجَاۤءَ إِخۡوَةُ یُوسُفَ فَدَخَلُوا۟ عَلَیۡهِ فَعَرَفَهُمۡ وَهُمۡ لَهُۥ مُنكِرُونَ","وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمۡ قَالَ ٱئۡتُونِی بِأَخࣲ لَّكُم مِّنۡ أَبِیكُمۡۚ أَلَا تَرَوۡنَ أَنِّیۤ أُوفِی ٱلۡكَیۡلَ وَأَنَا۠ خَیۡرُ ٱلۡمُنزِلِینَ","فَإِن لَّمۡ تَأۡتُونِی بِهِۦ فَلَا كَیۡلَ لَكُمۡ عِندِی وَلَا تَقۡرَبُونِ","قَالُوا۟ سَنُرَ ٰوِدُ عَنۡهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَـٰعِلُونَ","وَقَالَ لِفِتۡیَـٰنِهِ ٱجۡعَلُوا۟ بِضَـٰعَتَهُمۡ فِی رِحَالِهِمۡ لَعَلَّهُمۡ یَعۡرِفُونَهَاۤ إِذَا ٱنقَلَبُوۤا۟ إِلَىٰۤ أَهۡلِهِمۡ لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ"],"ayah":"وَجَاۤءَ إِخۡوَةُ یُوسُفَ فَدَخَلُوا۟ عَلَیۡهِ فَعَرَفَهُمۡ وَهُمۡ لَهُۥ مُنكِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











