الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَقالَ المَلِكُ ائْتُونِي بِهِ﴾ يَعْنِي يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ. (p-٤٦)﴿فَلَمّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إلى رَبِّكَ﴾ يَعْنِي المَلِكَ. ﴿فاسْألْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاتِي قَطَّعْنَ أيْدِيَهُنَّ﴾ وإنَّما تَوَقَّفَ عَنِ الخُرُوجِ مَعَ طُولِ حَبْسِهِ لِيُظْهِرَ لِلْمَلِكِ عُذْرَهُ قَبْلَ حُضُورِهِ فَلا يَراهُ مُذْنِبًا ولا خائِنًا. فَرَوى أبُو الزِّنادِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « (يَرْحَمُ اللَّهُ يُوسُفَ إنَّهُ كانَ ذا أناةٍ لَوْ كُنْتُ أنا المَحْبُوسُ ثُمَّ أُرْسِلَ لَخَرَجْتُ سَرِيعًا)» . وفي سُؤالِهِ عَنِ النِّسْوَةِ اللّاتِي قَطَّعْنَ أيْدِيَهُنَّ دُونَ امْرَأةِ العَزِيزِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: أنَّ في سُؤالِهِ عَنْها ظِنَّةً رُبَّما صارَ بِها مُتَّهَمًا. والثّانِي: صِيانَةً لَها لِأنَّها زَوْجُ المَلِكِ فَلَمْ يَتَبَذَّلْها بِالذِّكْرِ. الثّالِثُ: أنَّهُ أرادَهُنَّ دُونَها لِأنَّهُنَّ الشّاهِداتُ لَهُ عَلَيْها. ﴿إنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: مَعْناهُ إنَّ اللَّهَ بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ. الثّانِي: أنَّ سَيِّدِي الَّذِي هو العَزِيزُ بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿قالَ ما خَطْبُكُنَّ إذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ﴾ فَهَذا سُؤالُ المَلِكِ قَدْ تَضَمَّنَ تَنْزِيهَ يُوسُفَ لِما تَخَيَّلَهُ مِن صِدْقِهِ لُطْفًا مِنَ اللَّهِ تَعالى بِهِ حَتّى لا تُسْرِعَ واحِدَةٌ مِنهُنَّ إلى التَّكَذُّبِ عَلَيْهِ. وَفي قَوْلِهِ: ﴿راوَدْتُنَّ﴾ وإنْ كانَتِ المُراوَدَةُ مِن إحْداهُنَّ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّ المُراوَدَةَ كانَتْ مِنِ امْرَأةِ العَزِيزِ وحْدَها فَجَمَعَهُنَّ في الخِطابِ وإنْ تَوَجَّهَ إلَيْها دُونَهُنَّ احْتِشامًا لَها. الثّانِي: أنَّ المُراوَدَةَ كانَتْ مِن كُلِّ واحِدَةٍ مِنهُنَّ. ﴿قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ﴾ فَشَهِدْنَ لَهُ بِالبَراءَةِ مِنَ السُّوءِ عَلى عِلْمِهِنَّ لِأنَّها شَهادَةٌ عَلى نَفْيٍ، ولَوْ كانَتْ شَهادَتُهُنَّ عَلى إثْباتٍ لَشَهِدْنَ قَطْعًا، وهَكَذا (p-٤٧)حُكْمُ اللَّهِ تَعالى في الشَّهاداتِ أنْ تَكُونَ عَلى العِلْمِ في النَّفْيِ، وعَلى القَطْعِ في الإثْباتِ. ﴿قالَتِ امْرَأتُ العَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الحَقُّ﴾ مَعْناهُ: الآنَ تَبَيَّنَ الحَقُّ ووَضَحَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ وقَتادَةُ. وَأصْلُهُ مَأْخُوذٌ مِن قَوْلِهِمْ حَصَّ شَعَرَهُ إذا اسْتَأْصَلَ قَطْعَهُ فَظَهَرَتْ مَواضِعُهُ ومِنهُ الحِصَّةُ مِنَ الأرْضِ إذا قُطِعَتْ مِنها. فَمَعْنى حَصْحَصَ الحَقُّ أيِ انْقَطَعَ عَنِ الباطِلِ بِظُهُورِهِ وبَيانِهِ. وَفِيهِ زِيادَةُ تَضْعِيفٍ دَلَّ عَلَيْها الِاشْتِقاقُ مِثْلُ قَوْلِهِ: (كَبَوْا، وكَبْكَبُوا) قالَهُ الزَّجّاجُ. وَقالَ الشّاعِرُ: ؎ ألا مُبَلِّغٌ عَنِّي خِداشًا فَإنَّهُ كَذُوبٌ إذا ما حَصْحَصَ الحَقُّ ظالِمُ ﴿أنا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وإنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ﴾ وهَذا القَوْلُ مِنها وإنْ لَمْ تُسْألْ عَنْهُ إظْهارٌ لِتَوْبَتِها وتَحْقِيقٌ لِصِدْقِ يُوسُفَ ونَزاهَتِهِ لِأنَّ إقْرارَ المُقِرِّ عَلى نَفْسِهِ أقْوى مِنَ الشَّهادَةِ عَلَيْهِ، فَجَمَعَ اللَّهُ تَعالى لِيُوسُفَ في إظْهارِ صِدْقِهِ الشَّهادَةَ والإقْرارَ حَتّى لا يُخامِرَ نَفْسًا ظَنٌّ ولا يُخالِجَها شَكٌّ. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أنِّي لَمْ أخُنْهُ بِالغَيْبِ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: أنَّهُ قَوْلُ امْرَأةِ العَزِيزِ عَطْفًا عَلى ما تَقَدَّمَ، ذَلِكَ لِيَعْلَمَ يُوسُفُ أنِّي لَمْ أخُنْهُ بِالغَيْبِ، يَعْنِي الآنَ في غَيْبِهِ بِالكَذِبِ عَلَيْهِ وإضافَةِ السُّوءِ إلَيْهِ لِأنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الخائِنِينَ، حَكاهُ ابْنُ عِيسى. الثّانِي: أنَّهُ قَوْلُ يُوسُفَ بَعْدَ أنْ عَلِمَ بِظُهُورِ صِدْقِهِ، وذَلِكَ لِيَعْلَمَ العَزِيزُ أنِّي لَمْ أخُنْهُ بِالغَيْبِ عَنْهُ في زَوْجَتِهِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ والحَسَنُ ومُجاهِدٌ وقَتادَةُ والضَّحّاكُ والسُّدِّيُّ. ﴿وَأنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الخائِنِينَ﴾ مَعْناهُ وأنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الخائِنِينَ بِكَيْدِهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب