الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿واسْتَبَقا البابَ﴾ أيْ أسْرَعا إلَيْهِ، أمّا يُوسُفُ فَأسْرَعَ إلَيْهِ هَرَبًا، وأمّا امْرَأةُ العَزِيزِ فَأسْرَعَتْ إلَيْهِ طَلَبًا. ﴿وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ﴾ لِأنَّها أدْرَكَتْهُ وقَدْ فَتَحَ بَعْضَ الأغْلاقَ فَجَذَبَتْهُ مِن ورائِهِ فَشَقَّتْ قَمِيصَهُ إلى ساقِهِ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: وسَقَطَ عَنْهُ وتَبِعَتْهُ. ﴿وَألْفَيا سَيِّدَها لَدى البابِ﴾ أيْ وجَدا زَوْجَها عِنْدَ البابِ. قالَ أبُو صالِحٍ: والسَّيِّدُ هو الزَّوْجُ بِلِسانِ القِبْطِ. ﴿قالَتْ ما جَزاءُ مَن أرادَ بِأهْلِكَ سُوءًا إلا أنْ يُسْجَنَ أوْ عَذابٌ ألِيمٌ﴾ هَذا قَوْلُها لِزَوْجِها لِتَدْفَعَ الرِّيبَةَ عَنْ نَفْسِها بِإلْقائِها عَلى يُوسُفَ، ولَوْ صَدَقَ حُبُّها لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ بِهِ ولَآثَرَتْهُ عَلى نَفْسِها، ولَكِنَّها شَهْوَةٌ نَزَعَتْ، ومَحَبَّةٌ لَمْ تَصْفُ. وَذَلِكَ أنَّهُ لَمّا اقْتَرَنَ شِدَّةُ حُبِّها بِالشَّهْوَةِ طَلَبَتْ دَفْعَ الضَّرَرِ بِالتَّكْذِيبِ عَلَيْهِ، ولَوْ خَلَصَ مِنَ الشَّهْوَةِ لَطَلَبَتْ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْهُ بِالصِّدْقِ. ﴿قالَ هي راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي﴾ لِأنَّها لَمّا بَرَّأتْ نَفْسَها بِالكَذِبِ عَلَيْهِ احْتاجَ أنْ يُبَرِّئَ نَفْسَهُ بِالصِّدْقِ عَلَيْها، ولَوْ كَفَّتْ عَنِ الكَذِبِ عَلَيْهِ لَكَفَّ عَنِ الصِّدْقِ عَلَيْها. ﴿وَشَهِدَ شاهِدٌ مِن أهْلِها﴾ لِأنَّهُما لَمّا تَعارَضا في القَوْلِ احْتاجَ المَلِكُ إلى (p-٢٨)شاهِدٍ يَعْلَمُ بِهِ صِدْقَ الصّادِقِ مِنهُما مِنَ الكاذِبِ، فَشَهِدَ شاهِدٌ مِن أهْلِها، أيْ حَكَمَ حاكِمٌ مِن أهْلِها لِأنَّهُ حُكْمٌ مِنهُ ولَيْسَ شَهادَةً. وَفِيهِ أرْبَعَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ صَبِيٌّ أنْطَقَهُ اللَّهُ تَعالى في مَهْدِهِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وأبُو هُرَيْرَةَ والحَسَنُ وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ والضَّحّاكُ. الثّانِي: أنَّهُ خَلْقٌ مِن خَلْقِ اللَّهِ تَعالى لَيْسَ بِإنْسٍ ولا جِنٍّ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّالِثُ: أنَّهُ رَجُلٌ حَكِيمٌ مِن أهْلِها، قالَهُ قَتادَةُ. قالَ السُّدِّيُّ وكانَ ابْنَ عَمِّها. الرّابِعُ: أنَّهُ عَنى شَهادَةَ القَمِيصِ المَقْدُودِ، قالَهُ مُجاهِدٌ أيْضًا. ﴿إنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وهو مِنَ الكاذِبِينَ﴾ ﴿وَإنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وهو مِنَ الصّادِقِينَ﴾ لِأنَّ الرَّجُلَ إذا طَلَبَ المَرْأةَ كانَ مُقْبِلًا عَلَيْها فَيَكُونُ شَقُّ قَمِيصِهِ مِن قِبَلِهِ دَلِيلًا عَلى طَلَبِهِ. وَإذا هَرَبَ مِنَ المَرْأةِ كانَ مُدْبِرًا عَنْها فَيَكُونُ شَقُّ قَمِيصِهِ مِن دُبُرِهِ دَلِيلًا عَلى هَرَبِهِ. وَهَذِهِ إحْدى الآياتِ الثَّلاثِ في قَمِيصِهِ: إنْ كانَ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلى صِدْقِهِ، وحِينَ جاءُوا عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ، وحِينَ أُلْقِيَ عَلى وجْهِ أبِيهِ فارْتَدَّ بَصِيرًا. ﴿فَلَمّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قالَ إنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ عَلِمَ بِذَلِكَ صِدْقَ يُوسُفَ فَصَدَّقَهُ وقالَ إنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ. وَفي الكَيْدِ هُنا وجْهانِ: أحَدُهُما: يَعْنِي بِهِ كَذِبَها عَلَيْهِ. (p-٢٩)الثّانِي: أنَّهُ أرادَ السُّوءَ الَّذِي دَعَتْهُ إلَيْهِ. وَفي قائِلِ ذَلِكَ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ الزَّوْجُ، قالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ. الثّانِي: أنَّهُ الشّاهِدُ، حَكاهُ عَلِيُّ بْنُ عِيسى. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿يُوسُفُ أعْرِضْ عَنْ هَذا﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أعْرِضْ عَنْ هَذا الأمْرِ، قالَ قَتادَةُ: عَلى وجْهِ التَّسْلِيَةِ لَهُ في ارْتِفاعِ الإثْمِ. الثّانِي: أعْرِضْ عَنْ هَذا القَوْلِ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ عَلى وجْهِ التَّصْدِيقِ لَهُ في البَراءَةِ مِنَ الذَّنْبِ. ﴿واسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ﴾ هَذا قَوْلُ المَلِكِ لِزَوْجِهِ وهو القائِلُ لِيُوسُفَ أعْرِضْ عَنْ هَذا. وَفِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ لَمْ يَكُنْ غَيُورًا فَلِذَلِكَ كانَ ساكِتًا. الثّانِي: أنَّ اللَّهَ تَعالى سَلَبَهُ الغَيْرَةَ وكانَ فِيهِ لُطْفٌ بِيُوسُفَ حَتّى كُفِيَ بادِرَتَهُ وحَلَمَ عَنْها فَأمَرَها بِالِاسْتِغْفارِ مِن ذَنْبِها تَوْبَةً مِنهُ وإقْلاعًا عَنْهُ. ﴿إنَّكِ كُنْتِ مِنَ الخاطِئِينَ﴾ يَعْنِي مِنَ المُذْنِبِينَ، يُقالُ لِمَن قَصَدَ الذَّنْبَ خَطِئَ، ولِمَن لَمْ يَقْصِدْهُ أخْطَأ، وكَذَلِكَ في الصَّوْبِ والصَّوابِ، قالَ الشّاعِرُ: ؎ لَعَمْرُكَ إنَّما خَطَئِي وصَوْبِي عَلَيَّ وإنَّما أهْلَكْتُ مالِي وَقالَ مِنَ الخاطِئِينَ ولَمْ يَقُلْ مِنَ الخاطِئاتِ لِتَغْلِيبِ المُذَكَّرِ عَلى المُؤَنَّثِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب