الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ألا إنَّهم يَثْنُونَ صُدُورَهم لِيَسْتَخْفُوا مِنهُ﴾ فِيهِ خَمْسَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: يَثْنُونَ صُدُورَهم عَلى الكُفْرِ لِيَسْتَخْفُوا مِنَ اللَّهِ تَعالى، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّانِي: يَثْنُونَها عَلى عَداوَةِ النَّبِيِّ ﷺ لِيُخْفُوها عَنْهُ، قالَهُ الفَرّاءُ والزَّجّاجُ. الثّالِثُ: يَثْنُونَها عَلى ما أضْمَرُوهُ مِن حَدِيثِ النَّفْسِ لِيُخْفُوهُ عَنِ النّاسِ، قالَهُ الحَسَنُ. الرّابِعُ: أنَّ المُنافِقِينَ كانُوا إذا مَرُّوا بِالنَّبِيِّ ﷺ غَطَّوْا رُؤُوسَهم وثَنَوْا صُدُورَهم لِيَسْتَخْفُوا مِنهُ فَلا يَعْرِفُهم، قالَهُ أبُو رَزِينٍ. الخامِسُ: أنَّ رَجُلًا قالَ إذا أغْلَقْتُ بابِي وضَرَبْتُ سَتْرِي وتَغَشَّيْتُ ثَوْبِي وثَنَيْتُ صَدْرِي فَمَن يَعْلَمُ بِي؟ فَأعْلَمَهُمُ اللَّهُ تَعالى أنَّهُ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وما يُعْلِنُونَ. ﴿ألا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ﴾ يَعْنِي يَلْبَسُونَ ثِيابَهم ويَتَغَطُّونَ بِها، ومِنهُ قَوْلُ الخَنْساءِ: (p-٤٥٨) ؎ أرْعى النُّجُومَ وما كُلِّفْتُ رَعِيَّتَها وتارَةً أتَغَشّى فَضْلَ أطْمارِي وَفِي المُرادِ بِ ﴿حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ﴾ أرْبَعَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: اللَّيْلُ يَقْصِدُونَ فِيهِ إخْفاءَ أسْرارِهِمْ فِيما يَثْنُونَ صُدُورَهم عَلَيْهِ. واللَّهُ تَعالى لا يَخْفى عَلَيْهِ ما يَسُرُّونَهُ في اللَّيْلِ ولا ما يُخْفُونَهُ في صُدُورِهِمْ، فَكَنّى عَنِ اللَّيْلِ بِاسْتِغْشاءِ ثِيابِهِمْ لِأنَّهم يَتَغَطَّوْنَ بِظُلْمَتِهِ كَما يَتَغَطَّوْنَ إذا اسْتَغْشَوْا ثِيابَهم. الثّانِي: أنَّ قَوْمًا مِنَ الكُفّارِ كانُوا لِشِدَّةِ بُغْضَتِهِمْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهم يُغَطُّونَ بِها وُجُوهَهم ويَصِمُّونَ بِها آذانَهم حَتّى لا يَرَوْا شَخْصَهُ ولا يَسْمَعُوا كَلامَهُ، وهو مَعْنى قَوْلِ قَتادَةَ. الثّالِثُ: أنَّ قَوْمًا مِنَ المُنافِقِينَ كانُوا يُظْهِرُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِألْسِنَتِهِمْ أنَّهم عَلى طاعَتِهِ ومَحَبَّتِهِ، وتَشْتَمِلُ قُلُوبُهم عَلى بُغْضِهِ ومَعْصِيَتِهِ، فَجَعَلَ ما تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ قُلُوبُهم كالمُسْتَغْشِي بِثِيابِهِ. الرّابِعُ: أنَّ قَوْمًا مِنَ المُسْلِمِينَ كانُوا يَتَنَسَّكُونَ بِسَتْرِ أبْدانِهِمْ ولا يَكْشِفُونَها تَحْتَ السَّماءِ، فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعالى أنَّ المَنسَكَ ما اشْتَمَلَتْ قُلُوبُهم عَلَيْهِ مِن مُعْتَقَدٍ وما أظْهَرُوهُ مِن قَوْلٍ وعَمَلٍ. ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَقالَ: ﴿يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وما يُعْلِنُونَ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: ما يُسِرُّونَ في قُلُوبِهِمْ وما يُعْلِنُونَ بِأفْواهِهِمْ. الثّانِي: ما يُسِرُّونَ مِنَ الإيمانِ وما يُعْلِنُونَ مِنَ العِباداتِ. الثّالِثُ: ما يُسِرُّونَ مِن عَمَلِ اللَّيْلِ وما يُعْلِنُونَ مِن عَمَلِ النَّهارِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. ﴿إنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ قِيلَ بِأسْرارِ الصُّدُورِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في الأخْنَسِ بْنِ شُرَيْقٍ الثَّقَفِيِّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب