الباحث القرآني

(p-٣٥٠)سُورَةُ الماعُونِ مَكِّيَّةٌ في قَوْلِ عَطاءٍ وجابِرٍ، ومَدَنِيَّةٌ في قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ وقَتادَةَ. قَوْلُهُ تَعالى ﴿أرَأيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: يَعْنِي بِالحِسابِ، قالَهُ عِكْرِمَةُ ومُجاهِدٌ. الثّانِي: بِحُكْمِ اللَّهِ تَعالى، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّالِثُ: بِالجَزاءِ الثَّوابِ والعِقابِ. واخْتُلِفَ فِيمَن نَزَلَ هَذا فِيهِ عَلى خَمْسَةِ أوْجُهٍ: أحَدُها: أنَّها نَزَلَتْ في العاصِ بْنِ وائِلٍ السَّهْمِيِّ، قالَهُ الكَلْبِيُّ ومُقاتِلٌ. الثّانِي: في الوَلِيدِ بْنِ المُغِيرَةِ، قالَهُ السُّدِّيُّ. الثّالِثُ: في أبِي جَهْلٍ. الرّابِعُ: في عَمْرِو بْنِ عائِذٍ، قالَهُ الضَّحّاكُ. الخامِسُ: في أبِي سُفْيانَ وقَدْ نَحَرَ جَزُورًا، فَأتاهُ يَتِيمٌ، فَسَألَهُ مِنها، فَقَرَعَهُ بِعَصًا، قالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ. ﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ اليَتِيمَ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ:(p-٣٥١) أحَدُها: بِمَعْنى يُحَقِّرُ البَيْتَ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّانِي: يَظْلِمُ اليَتِيمَ، قالَهُ السُّدِّيُّ. الثّالِثُ: يَدْفَعُ اليَتِيمَ دَفْعًا شَدِيدًا، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ أيْ يُدْفَعُونَ إلَيْها دَفْعًا. وَفي دَفْعِهِ اليَتِيمَ وجْهانِ: أحَدُهُما: يَدْفَعُهُ عَنْ حَقِّهِ ويَمْنَعُهُ مِن مالِهِ ظُلْمًا لَهُ وطَمَعًا فِيهِ، قالَهُ الضَّحّاكُ. الثّانِي: يَدْفَعُهُ إبْعادًا لَهُ وزَجْرًا، وقَدْ قُرِئَ (يَدَعُ اليَتِيمَ) مُخَفَّفَةً، وتَأْوِيلُهُ عَلى هَذِهِ القِراءَةِ يَتْرُكُ اليَتِيمَ فَلا يُراعِيهِ إطْراحًا لَهُ وإعْراضًا عَنْهُ. وَيَحْتَمِلُ عَلى هَذِهِ القِراءَةِ تَأْوِيلًا ثالِثًا: يَدَعُّ اليَتِيمَ لِاسْتِخْدامِهِ وامْتِهانِهِ قَهْرًا واسْتِطالَةً. ﴿وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ المِسْكِينِ﴾ أيْ لا يَفْعَلُهُ ولا يَأْمُرُ بِهِ، ولَيْسَ الذَّمُّ عامًّا حَتّى يَتَناوَلَ مَن تَرَكَهُ عَجْزًا، ولَكِنَّهم كانُوا يَبْخَلُونَ ويَعْتَذِرُونَ لِأنْفُسِهِمْ يَقُولُونَ ﴿أنُطْعِمُ مَن لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أطْعَمَهُ﴾ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِيهِمْ، ويَكُونُ مَعْنى الكَلامِ لا يَفْعَلُونَهُ إنْ قَدَرُوا، ولا يَحُثُّونَ عَلَيْهِ إنْ عَجَزُوا. ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ﴾ الآيَةَ، وفي إطْلاقِ هَذا الذَّمِّ إضْمارٌ، وفِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ المُنافِقُ، إنْ صَلّاها لِوَقْتِها لَمْ يَرْجُ ثَوابَها، وإنْ صَلّاها لِغَيْرِ وقْتِها لَمْ يَخْشَ عِقابَها، قالَهُ الحَسَنُ. الثّانِي: أنَّ إضْمارَهُ ظاهِرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ﴾ الآيَةَ. وَإتْمامُ الآيَةِ في قَوْلِهِ: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ﴾ ما بَعْدَها مِن قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ هم عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ﴾ إضْمارًا فِيها وإنْ كانَ نُطْقًا ظاهِرًا. وَلَيْسَ السَّهْوُ الَّذِي يَطْرَأُ عَلَيْهِ في صَلاتِهِ ولا يَقْدِرُ عَلى دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ هو الَّذِي ذُمَّ بِهِ، لِأنَّهُ عَفْوٌ. وَفي تَأْوِيلِ ما اسْتَحَقَّ بِهِ هَذا الذَّمَّ سِتَّةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: أنَّ مَعْنى ساهُونَ أيْ لاهُونَ، قالَهُ مُجاهِدٌ.(p-٣٥٢) الثّانِي: غافِلُونَ، قالَهُ قَتادَةُ. الثّالِثُ: أنْ لا يُصَلِّيَها سِرًّا ويُصَلِّيَها عَلانِيَةً رِياءً لِلْمُؤْمِنِينَ، قالَهُ الحَسَنُ. الرّابِعُ: هو الَّذِي يَلْتَفِتُ يُمْنَةً ويُسْرَةً وهَوانًا بِصَلاتِهِ، قالَهُ أبُو العالِيَةِ. الخامِسُ: هو ألّا يَقْرَأ ولا يَذْكُرَ اللَّهَ، قالَهُ قُطْرُبٌ. السّادِسُ: هو ما رَوى مُصْعَبُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ عَنْ أبِيهِ قالَ: «سَألْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ ﴿الَّذِينَ هم عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ﴾ فَقالَ: (هُمُ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ عَنْ مَواقِيتِها)» . ﴿الَّذِينَ هم يُراءُونَ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: المُنافِقُونَ الَّذِينَ يُراءُونَ بِصَلاتِهِمْ، يُصَلُّونَها مَعَ النّاسِ إذا حَضَرُوا، ولا يُصَلُّونَها إذا غابُوا، قالَهُ عَلِيٌّ وابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: أنَّهُ عامٌّ في ذَمِّ كُلِّ مَن راءى لِعَمَلِهِ ولَمْ يَقْصِدْ بِهِ إخْلاصًا لِوَجْهِ رَبِّهِ. رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: « (يَقُولُ اللَّهُ تَعالى: مَن عَمِلَ عَمَلًا لِغَيْرِي فَقَدْ أشْرَكَ بِي وأنا أغْنى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّرْكِ)» . ﴿وَيَمْنَعُونَ الماعُونَ﴾ فِيهِ ثَمانِيَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: أنَّ الماعُونَ الزَّكاةُ، قالَهُ عَلِيٌّ وابْنُ عُمَرَ والحَسَنُ وعِكْرِمَةُ وقَتادَةُ، قالَ الرّاعِي:(p-٣٥٣) ؎ أخَلِيفَةَ الرَّحْمَنِ إنّا مَعْشَرٌ حُنَفاءُ نَسْجُدُ بُكْرَةً وأصِيلًا. ∗∗∗ عَرَبٌ نَرى لِلَّهِ في أمْوالِنا ∗∗∗ حُقَّ الزَّكاةِ مُنَزَّلًا تَنْزِيلًا ∗∗∗ قَوْمٌ عَلى الإسْلامِ لَمّا يَمْنَعُوا ∗∗∗ ماعُونَهم ويُضَيِّعُوا التَّهْلِيلا الثّانِي: أنَّهُ المَعْرُوفُ، قالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ. الثّالِثُ: أنَّهُ الطّاعَةُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الرّابِعُ: أنَّهُ المالُ بِلِسانِ قُرَيْشٍ، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبُ والزُّهْرِيُّ. الخامِسُ: أنَّهُ الماءُ إذا احْتِيجَ إلَيْهِ ومِنهُ الماءُ المَعِينُ وهو الجارِي، قالَ الأعْشى ؎ بِأجْوَدِ مِنّا بِماعُونِهِ ∗∗∗ إذا ما سَماؤُهم لَمْ تَغِمْ السّادِسُ: أنَّهُ ما يَتَعاوَرُهُ النّاسُ بَيْنَهم، مِثْلُ الدَّلْوِ والقِدْرِ والفَأْسِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وقَدْ رُوِيَ مَأْثُورًا. السّابِعُ: أنَّهُ مَنعُ الحَقِّ، قالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. الثّامِنُ: أنَّهُ المُسْتَغَلُّ مِن مَنافِعِ الأمْوالِ، مَأْخُوذٌ مِنَ المَعْنى وهو القَلِيلُ، قالَهُ الطَّبَرِيُّ وابْنُ عِيسى. وَيَحْتَمِلُ تاسِعًا: أنَّهُ المَعُونَةُ بِما خَفَّ فِعْلُهُ وقَلَّ ثِقَلُهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب