الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومِنهم مَن عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ﴾ (p-٣٥٠)إلى آخِرِ الآيَتَيْنِ فِيهِ الدَّلالَةُ عَلى أنَّ مَن نَذَرَ نَذْرًا فِيهِ قُرْبَةٌ لَزِمَهُ الوَفاءُ؛ لِأنَّ العَهْدَ هو النَّذْرُ والإيجابُ نَحْوُ قَوْلِهِ: إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ ألْفَ دِرْهَمٍ فَعَلَيَّ أنْ أتَصَدَّقَ مِنها بِخَمْسِمِائَةٍ، ونَحْوِ ذَلِكَ. فانْتَظَمَتْ هَذِهِ الآيَةُ أحْكامًا، مِنها: أنَّ مَن نَذَرَ نَذْرًا لَزِمَهُ الوَفاءُ بِنَفْسِ المَنذُورِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَمّا آتاهم مِن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ﴾ فَعَنَّفَهم عَلى تَرْكِ الوَفاءِ بِالمَنذُورِ بِعَيْنِهِ، وهَذا يَدُلُّ عَلى بُطْلانِ قَوْلِ مَن أوْجَبَ في شَيْءٍ بِعَيْنِهِ كَفّارَةَ يَمِينٍ وأبْطَلَ إيجابَ إخْراجِ المَنذُورِ بِعَيْنِهِ، ويَدُلُّ أيْضًا عَلى جَوازِ تَعْلِيقِ النَّذْرِ بِشَرْطٍ مِثْلُ أنْ يَقُولَ: إنْ قَدِمَ فُلانٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَدَقَةٌ أوْ صِيامٌ ويَدُلُّ أيْضًا عَلى أنَّ النَّذْرَ المُضافَ إلى المِلْكِ إيجابٌ في المِلْكِ، وإنْ لَمْ يَكُنِ المِلْكُ مَوْجُودًا في الحالِ، وقَدْ قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لا نَذْرَ فِيما لا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ»، وجَعَلَهُ اللَّهُ تَعالى نَذْرًا في المِلْكِ وألْزَمَهُ الوَفاءَ بِهِ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أنَّ النَّذْرَ في غَيْرِ مِلْكٍ أنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أنْ أتَصَدَّقَ بِثَوْبِ زَيْدٍ، أوْ نَحْوِهِ وهو يَدُلُّ عَلى أنَّ مَن قالَ لِأجْنَبِيَّةٍ: إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأنْتِ طالِقٌ، أنَّهُ مُطَلِّقٌ في نِكاحٍ لا قَبْلَ النِّكاحِ، كَما كانَ المُضِيفُ لِلنَّذْرِ إلى المِلْكِ ناذِرًا في المِلْكِ. ونَظِيرُ ذَلِكَ في إيجابِ نَفْسِ المَنذُورِ عَلى مُوجِبِهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ٢] ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ٣] فاقْتَضى ذَلِكَ فِعْلَ المَقُولِ بِعَيْنِهِ، وإخْراجُ كَفّارَةِ يَمِينٍ لَيْسَ هو المَقُولَ بِعَيْنِهِ، ونَحْوُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذا عاهَدْتُمْ﴾ [النحل: ٩١] والوَفاءُ بِالعَهْدِ إنَّما هو فِعْلُ المَعْهُودِ بِعَيْنِهِ لا غَيْرُ، وقَوْلُهُ: ﴿وأوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ [البقرة: ٤٠] وقَوْلُهُ ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ [الإنسان: ٧] فَمَدَحَهم عَلى فِعْلِ المَنذُورِ بِعَيْنِهِ. ومِن نَظائِرِهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وجَعَلْنا في قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً ورَحْمَةً ورَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إلا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها﴾ [الحديد: ٢٧] والِابْتِداعُ قَدْ يَكُونُ بِالقَوْلِ وبِالفِعْلِ، فاقْتَضى ذَلِكَ إيجابَ كُلِّ ما ابْتَدَعَهُ الإنْسانُ مِن قُرْبَةٍ قَوْلًا أوْ فِعْلًا لِذَمِّ اللَّهِ تَعالى تارِكَ ما ابْتَدَعَ مِنَ القُرْبَةِ. وقَدْ رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ في النَّذْرِ، وهو قَوْلُهُ: «مَن نَذَرَ نَذْرًا وسَمّاهُ فَعَلَيْهِ الوَفاءُ بِهِ ومَن نَذَرَ نَذْرًا ولَمْ يُسَمِّهِ فَعَلَيْهِ كَفّارَةُ يَمِينٍ»
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب