الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿انْفِرُوا خِفافًا وثِقالا وجاهِدُوا بِأمْوالِكُمْ﴾ الآيَةَ رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ ومُجاهِدٍ والضَّحّاكِ: شُبّانًا وشُيُوخًا. وعَنْ أبِي صالِحٍ: { أغْنِياءَ وفُقَراءَ } . وعَنِ الحَسَنِ: مَشاغِيلَ، وغَيْرَ مَشاغِيلَ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وقَتادَةَ: نِشاطًا وغَيْرَ نِشاطٍ. وعَنِ ابْنِ عُمَرَ: رُكْبانًا ومُشاةً. وقِيلَ: { ذا صَنْعَةٍ وغَيْرَ ذِي صَنْعَةٍ } . قالَ أبُو بَكْرٍ: كُلُّ هَذِهِ الوُجُوهِ يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ، فالواجِبُ أنْ يَعُمَّها، إذْ لَمْ تَقُمْ دَلالَةُ التَّخْصِيصِ. وقَوْلُهُ: ﴿وجاهِدُوا بِأمْوالِكم وأنْفُسِكم في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ فَأوْجَبَ فَرْضَ الجِهادِ بِالمالِ والنَّفْسِ جَمِيعًا، فَمَن كانَ لَهُ مالٌ وهو مَرِيضٌ أوْ مُقْعَدٌ أوْ ضَعِيفٌ لا يَصْلُحُ لِلْقِتالِ فَعَلَيْهِ الجِهادُ بِمالِهِ بِأنْ يُعْطِيَهُ غَيْرَهُ فَيَغْزُو بِهِ، كَما أنَّ مَن لَهُ قُوَّةٌ وجَلَدٌ، وأمْكَنَهُ الجِهادُ بِنَفْسِهِ كانَ عَلَيْهِ الجِهادُ بِنَفْسِهِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ ذا مالٍ ويَسارٍ بَعْدَ أنْ يَجِدَ ما يَبْلُغُهُ، ومَن قَوِيَ عَلى القِتالِ، ولَهُ مالٌ فَعَلَيْهِ الجِهادُ بِالنَّفْسِ والمالِ، ومَن كانَ عاجِزًا بِنَفْسِهِ مُعْدَمًا فَعَلَيْهِ الجِهادُ بِالنُّصْحِ لِلَّهِ ولِرَسُولِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ عَلى الضُّعَفاءِ ولا عَلى المَرْضى ولا عَلى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إذا نَصَحُوا لِلَّهِ ورَسُولِهِ﴾ [التوبة: ٩١] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكم خَيْرٌ لَكُمْ﴾ مَعَ أنَّهُ لا خَيْرَ في تَرْكِ الجِهادِ قِيلَ فِيهِ وجْهانِ: أحَدِهِما: خَيْرٌ مِن تَرْكِهِ إلى المُباحِ في الحالِ الَّتِي لا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فَرْضُ الجِهادِ، والآخَرِ: أنَّ الخَيْرَ فِيهِ لا في تَرْكِهِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ قِيلَ فِيهِ: إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الخَيْرَ في الجُمْلَةِ فاعْلَمُوا أنَّ هَذا خَيْرٌ، وقِيلَ: إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ صِدْقَ اللَّهِ فِيما وعَدَ بِهِ مِن ثَوابِهِ وجَنَّتِهِ. * * * فَإنْ قِيلَ: هَلْ يَجُوزُ الجِهادُ مَعَ الفُسّاقِ ؟ قِيلَ لَهُ: إنَّ كُلَّ أحَدٍ مِنَ المُجاهِدِينَ فَإنَّما يَقُومُ بِفَرْضِ نَفْسِهِ، فَجائِزٌ لَهُ أنْ يُجاهِدَ الكُفّارَ، وإنْ كانَ أمِيرُ الجَيْشِ وجُنُودُهُ فاسِقًا، وقَدْ كانَ أصْحابُ النَّبِيِّ ﷺ يَغْزُونَ بَعْدَ الخُلَفاءِ الأرْبَعَةِ مَعَ الأُمَراءِ الفُسّاقِ،، وغَزا أبُو أيُّوبَ الأنْصارِيُّ مَعَ يَزِيدَ اللَّعِينِ، وقَدْ ذَكَرْنا حَدِيثَ أبِي أيُّوبَ أنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ غَزاةٍ لِلْمُسْلِمِينَ إلّا عامًا واحِدًا فَإنَّهُ اسْتُعْمِلَ عَلى الجَيْشِ رَجُلٌ شابٌّ ثُمَّ قالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وما عَلَيَّ مَنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيَّ ؟ فَكانَ يَقُولُ: قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿انْفِرُوا خِفافًا وثِقالا﴾ فَلا أجِدُنِي إلّا خَفِيفًا أوْ ثَقِيلًا فَدَلَّ عَلى أنَّ الجِهادَ واجِبٌ مَعَ الفُسّاقِ كَوُجُوبِهِ مَعَ العُدُولِ، وسائِرُ الآيِ المُوجِبَةِ لِفَرْضِ الجِهادِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ فِعْلِهِ مَعَ الفُسّاقِ ومَعَ العُدُولِ الصّالِحِينَ، وأيْضًا فَإنَّ الفُسّاقَ إذا جاهَدُوا فَهم مُطِيعُونَ في ذَلِكَ كَما هم مُطِيعُونَ لِلَّهِ في الصَّلاةِ والصِّيامِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِن شَرائِعِ الإسْلامِ، وأيْضًا فَإنَّ الجِهادَ ضَرْبٌ مِنَ الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، ولَوْ رَأيْنا فاسِقًا يَأْمُرُ بِمَعْرُوفٍ ويَنْهى عَنْ مُنْكَرٍ كانَ عَلَيْنا مُعاوَنَتُهُ عَلى ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ الجِهادُ، فاللَّهُ تَعالى لَمْ يَخُصَّ بِفَرْضِ الجِهادِ العُدُولَ دُونَ الفُسّاقِ، فَإذا كانَ الفَرْضُ عَلَيْهِمْ واحِدًا لَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُ الجِهادِ مَعَ العُدُولِ، ومَعَ الفُسّاقِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب