الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلى النَّبِيِّ والمُهاجِرِينَ والأنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ في ساعَةِ العُسْرَةِ﴾ والعُسْرَةُ هي شِدَّةُ الأمْرِ وضِيقُهُ وصُعُوبَتُهُ، وكانَ ذَلِكَ في غَزْوَةِ تَبُوكَ؛ لِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَرَجَ في شِدَّةِ الحَرِّ وقِلَّةٍ مِنَ الماءِ والزّادِ والظَّهْرِ، فَخَصَّ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ في ساعَةِ العُسْرَةِ بِذِكْرِ التَّوْبَةِ لِعِظَمِ مَنزِلَةِ الِاتِّباعِ في مِثْلِها وجَزِيلِ الثَّوابِ الَّذِي يُسْتَحَقُّ بِها لِما لَحِقَهم مِنَ المَشَقَّةِ مَعَ الصَّبْرِ عَلَيْها وحُسْنِ البَصِيرَةِ، واليَقِينِ مِنهم في تِلْكَ الحالِ، إذْ لَمْ تُغَيِّرْهم عَنْها صُعُوبَةُ الأمْرِ وشِدَّةُ الزَّمانِ. وأخْبَرَ تَعالى عَنْ فَرِيقٍ مِنهم بِمُقارَبَةِ مَيْلِ القَلْبِ عَنِ الحَقِّ بِقَوْلِهِ: ﴿مِن بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنهُمْ﴾ والزَّيْغُ هو مَيْلُ القَلْبِ عَنِ الحَقِّ، فَقارَبَ ذَلِكَ فَرِيقٌ مِنهم ولَمّا فَعَلُوا ولَمْ يُؤاخِذْهُمُ اللَّهُ بِهِ وقَبِلَ تَوْبَتَهم. وبِمِثْلِ الحالِ الَّتِي فَضَّلَ بِها مُتَّبِعِيهِ في حالِ العُسْرَةِ عَلى غَيْرِهِمْ فَضَّلَ بِها المُهاجِرِينَ عَلى الأنْصارِ، وبِمِثْلِها فَضَّلَ السّابِقِينَ عَلى النّاسِ لِما لَحِقَهم مِنَ المَشَقَّةِ ولِما ظَهَرَ مِنهم مِن شِدَّةِ البَصِيرَةِ وصِحَّةِ اليَقِينِ بِالِاتِّباعِ في حالِ قِلَّةِ عَدَدِ المُؤْمِنِينَ واسْتِعْلاءِ أمْرِ الكُفّارِ وما كانَ يَلْحَقُهُ مِن قِبَلِهِمْ مِنَ الأذى والتَّعْذِيبِ. * * * وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلى النَّبِيِّ والمُهاجِرِينَ والأنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ في ساعَةِ العُسْرَةِ﴾ فِيهِ مَدْحٌ لِأصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ الَّذِينَ غَزَوْا مَعَهُ مِنَ المُهاجِرِينَ والأنْصارِ وإخْبارٌ بِصِحَّةِ بَواطِنِ ضَمائِرِهِمْ وطَهارَتِهِمْ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى لا يُخْبِرُ بِأنَّهُ قَدْ تابَ عَلَيْهِمْ إلّا وقَدْ رَضِيَ عَنْهم ورَضِيَ أفْعالَهم، وهَذا نَصٌّ في رَدِّ قَوْلِ الطّاعِنِينَ عَلَيْهِمْ والنّاسِبِينَ بِهِمْ إلى غَيْرِ ما نَسَبَهُمُ اللَّهُ إلَيْهِ مِنَ الطَّهارَةِ ووَصَفَهم بِهِ مِن صِحَّةِ الضَّمائِرِ وصَلاحِ السَّرائِرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب