الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا تَقُمْ فِيهِ أبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلى التَّقْوى مِن أوَّلِ يَوْمٍ أحَقُّ أنْ تَقُومَ فِيهِ﴾ فِيهِ الدَّلالَةُ عَلى أنَّ المَسْجِدَ المَبْنِيَّ لِضِرارِ المُؤْمِنِينَ، والمَعاصِي لا يَجُوزُ القِيامُ فِيهِ وأنَّهُ يَجِبُ هَدْمُهُ؛ لِأنَّ اللَّهَ نَهى نَبِيَّهُ ﷺ عَنِ القِيامِ في هَذا المَسْجِدِ المَبْنِيِّ عَلى الضِّرارِ، والفَسادِ وحَرَّمَ عَلى أهْلِهِ قِيامَ النَّبِيِّ ﷺ فِيهِ إهانَةً لَهم واسْتِخْفافًا بِهِمْ، عَلى خِلافِ المَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلى التَّقْوى، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ بَعْضَ الأماكِنِ قَدْ يَكُونُ، أوْلى بِفِعْلِ الصَّلاةِ فِيهِ مِن بَعْضٍ وأنَّ الصَّلاةَ قَدْ تَكُونُ مَنهِيَّةً عَنْها في بَعْضِها ويَدُلُّ عَلى فَضِيلَةِ الصَّلاةِ في المَسْجِدِ بِحَسَبِ ما بُنِيَ عَلَيْهِ في الأصْلِ، ويَدُلُّ عَلى فَضِيلَتِها في المَسْجِدِ السّابِقِ لِغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ: ﴿أُسِّسَ عَلى التَّقْوى مِن أوَّلِ يَوْمٍ﴾ ؟ وهو مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أحَقُّ أنْ تَقُومَ فِيهِ﴾؛ لِأنَّ مَعْناهُ أنَّ القِيامَ في هَذا المَسْجِدِ لَوْ كانَ مِنَ الحَقِّ الَّذِي يَجُوزُ لَكانَ هَذا المَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلى التَّقْوى أحَقَّ بِالقِيامِ فِيهِ مِن غَيْرِهِ، وذَلِكَ (p-٣٦٨)أنَّ مَسْجِدَ الضِّرارِ لَمْ يَكُنْ مِمّا يَجُوزُ القِيامُ فِيهِ لِنَهْيِ اللَّهِ تَعالى نَبِيَّهُ عَنْ ذَلِكَ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ المَعْنى ما ذَكَرْنا لَكانَ تَقْدِيرُهُ: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلى التَّقْوى أحَقُّ أنْ تَقُومَ فِيهِ مِن مَسْجِدٍ لا يَجُوزُ القِيامُ فِيهِ، ويَكُونُ بِمَنزِلَةِ قَوْلِهِ فِعْلُ الفَرْضِ أصْلَحُ مِن تَرْكِهِ، وهَذا قَدْ يَسُوغُ، إلّا أنَّ المَعْنى الأوَّلَ هو وجْهُ الكَلامِ. وقَدِ اخْتُلِفَ في المَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلى التَّقْوى ما هو، فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ أنَّهُ مَسْجِدُ المَدِينَةِ. ورُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وأبِي سَعِيدِ الخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «هُوَ مَسْجِدِي هَذا» . ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، والحَسَنِ وعَطِيَّةَ أنَّهُ مَسْجِدُ قُباءٍ. * * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا واللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ﴾ فِيهِ دَلالَةٌ عَلى أنَّ فَضِيلَةَ أهْلِ المَسْجِدِ فَضِيلَةٌ لِلْمَسْجِدِ ولِلصَّلاةِ فِيهِ وقَوْلُهُ: ﴿يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا﴾ رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ قالَ: " يَتَطَهَّرُونَ مِنَ الذُّنُوبِ " وقِيلَ فِيهِ: التَّطَهُّرُ بِالماءِ حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ قالَ: حَدَّثَنا مُعاوِيَةُ بْنُ هِشامٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ الحارِثِ عَنْ إبْراهِيمَ بْنِ أبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أبِي صالِحٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في أهْلِ قُباءٍ ﴿فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا﴾ قالَ: كانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالماءِ فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةُ» . وقَدْ حَوى هَذا الخَبَرُ مَعْنَيَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّ المَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلى التَّقْوى هو مَسْجِدُ قُباءٍ، والثّانِي: أنَّ الِاسْتِنْجاءَ بِالماءِ أفْضَلُ مِنهُ بِالأحْجارِ، وقَدْ تَواتَرَتِ الأخْبارُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِالِاسْتِنْجاءِ بِالأحْجارِ قَوْلًا وفِعْلًا، وقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ اسْتَنْجى بِالماءِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب