الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وثِيابَكَ فَطَهِّرْ﴾ يَدُلُّ عَلى وُجُوبِ تَطْهِيرِ الثِّيابِ مِنَ النَّجاساتِ لِلصَّلاةِ، وأنَّهُ لا تَجُوزُ الصَّلاةُ في الثَّوْبِ النَّجِسِ؛ لِأنَّ تَطْهِيرَها لا يَجِبُ إلّا لِلصَّلاةِ. ورُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ «أنَّهُ رَأى عَمّارًا يَغْسِلُ ثَوْبَهُ، فَقالَ: مِمَّ تَغْسِلُ ثَوْبَكَ ؟ فَقالَ: مِن نُخامَةٍ فَقالَ: إنَّما يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنَ الدَّمِ والبَوْلِ والمَنِيِّ» . وقالَتْ عائِشَةُ: «أمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِغَسْلِ المَنِيِّ مِنَ الثَّوْبِ إذا كانَ رَطْبًا» . وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّ المُرادَ بِذَلِكَ ما رُوِيَ عَنْ أبِي رَزِينٍ قالَ: " عَمَلَكَ أصْلِحْهُ " . وقالَ إبْراهِيمُ: ﴿وثِيابَكَ فَطَهِّرْ﴾ مِنَ الإثْمِ. وقالَ عِكْرِمَةُ: أمَرَهُ أنْ لا يَلْبَسَ ثِيابَهُ عَلى عَذِرَةٍ، وهَذا كُلُّهُ مَجازٌ لا يَجُوزُ صَرْفُ الكَلامِ إلَيْهِ إلّا بِدَلالَةٍ؛ واحْتَجَّ هَذا الرَّجُلُ بِأنَّهُ لا يَجُوزُ أنْ يَظُنَّ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ يَحْتاجُ إلى أنْ يُؤْمَرَ بِغَسْلِ ثِيابِهِ مِنَ البَوْلِ وما أشْبَهَهُ. قالَ أبُو بَكْرٍ: وهَذا كَلامٌ شَدِيدُ الِاخْتِلالِ والفَسادِ والتَّناقُضِ؛ لِأنَّ في الآيَةِ أُمِرَ النَّبِيُّ ﷺ بِهَجْرِ الأوْثانِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿والرُّجْزَ فاهْجُرْ﴾ ومَعْلُومٌ أنَّهُ ﷺ كانَ هاجِرًا لِلْأوْثانِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وبَعْدَها وكانَ مُجْتَنِبًا لِلْآثامِ والعَذِراتِ في الحالَيْنِ، فَإذا جازَ خِطابُهُ بِتَرْكِ هَذِهِ الأشْياءِ وإنْ كانَ النَّبِيُّ قَبْلَ ذَلِكَ تارِكًا لَها فَتَطْهِيرُ الثِّيابِ لِأجْلِ الصَّلاةِ مِثْلُهُ؛ وقالَ اللَّهُ تَعالى مُخاطِبًا لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿ولا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ﴾ [القصص: ٨٨] والنَّبِيُّ ﷺ لَمْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلَهًا قَطُّ؛ فَهَذا يَدُلُّ عَلى تَناقُضِ قَوْلِ هَذا الرَّجُلِ وفَسادِهِ. وزَعَمَ أنَّهُ مِن أوَّلِ ما نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الشَّرائِعِ مِن وُضُوءٍ أوْ صَلاةٍ أوْ غَيْرِها، وإنَّما يَدُلُّ عَلى أنَّها الطَّهارَةُ مِن أوْثانِ الجاهِلِيَّةِ وشِرْكِها والأعْمالِ الخَبِيثَةِ، وقَدْ نَقَضَ بِهَذا ما ذَكَرَهُ بَدِيًّا مِن أنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَحْتاجُ إلى أنْ يُؤْمَرَ بِتَطْهِيرِ الثِّيابِ مِنَ النَّجاسَةِ، أفَتَراهُ ظَنَّ أنَّهُ كانَ يَحْتاجُ إلى أنْ يُوصى بِتَرْكِ الأوْثانِ فَإذا لَمْ يَكُنْ يَحْتاجُ إلى ذَلِكَ؛ لِأنَّهُ كانَ تارِكًا لَها وقَدْ أجازَ أنْ يُخاطَبَ بِتَرْكِها، فَكَذَلِكَ طَهارَةُ الثَّوْبِ. وأمّا قَوْلُهُ: إنَّ ذَلِكَ مِن أوَّلِ ما نَزَلَ، فَما في ذَلِكَ مِمّا يَمْنَعُ أمْرَهُ بِتَطْهِيرِ الثِّيابِ لَصَلاةٍ يَفْرِضُها عَلَيْهِ وقَدْ رُوِيَ عَنْ عائِشَةَ ومُجاهِدٍ وعَطاءٍ أنَّ أوَّلَ ما نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: ١] . آخِرُ سُورَةِ المُدَّثِّرِ. (p-٣٧٠)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب